لم تترك دويلة الإمارات بابا للتطبيع مع كيان العدو الصهيوني إلا طرقته، ولم تترك طريقا للغدر بالقضية الفلسطينية وتدمير حقوق الشعب الفلسطيني إلا وسلكته، تارة عبر دعمها اللامحدود لصفقة القرن، وأخرى عبر التعاون المباشر مع سلطات الاحتلال الصهيوني. ما تمارسه الإمارات (العبرية) في المنطقة يصب كلياً في مصلحة المشروع الصهيوني، إضعافها للدول العربية، وضربها للحركات الإسلامية، كل ذلك يعبد الطريق أمام المشروع الإسرائيلي التوسعي، وبينما تواطأت الحكومات الرسمية عن التطبيع الذي بدأت به الإمارات، مع كيان العدو الصهيوني، ولحقتها دول عربية أخرى، ثارت الشعوب العربية ضد تلك الخطوات واتخذت طرقاً للتعبير عن رفضها للتطبيع الذي تقوده أبوظبي. قاطعوهم يرحمكم الله وانتشرت على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، خلال العام الأخير، حملات لمقاطعة المنتجات الإماراتية، وتصدَّر هاشتاج #مقاطعة_المنتجات_الإماراتية، التريند في بعض الدول العربية. ومؤخراً، لم تجد الشعوب العربية من طرق للتعبير عن استنكارها للتطبيع، واعتبار القضية الفلسطينية في مقدمة أولوياتهم واهتمامهم، رغم كل الظروف التي مروا بها على مدار الأعوام الماضية، سوى استغلال مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن آرائهم، واستخدام مقاطعة المنتجات كإحدى وسائل الضغط. وكانت الإمارات قد أعلنت عن قرارها التطبيع مع الكيان المحتل في منتصف سبتمبر 2020م، وهو ما قوبل بغضب شعبي واسع عبر مواقع التواصل، ودعوات لمقاطعة منتجات الاحتلال والمنتجات الإماراتية، وكان أبرز الداعين لذلك "الرابطة الإماراتية لمقاومة التطبيع". وفي 15 نوفمبر، دعا الداعية الكويتي طارق السويدان إلى مقاطعة شركات إماراتية قامت بالتطبيع مع كيان العدو الصهيوني؛ "لتتكبد خسائر من جرّاء التطبيع". وقال السويدان في منشور له على "فيسبوك": "نحن الشعوب لسنا مغلوبين على أمرنا، شاركوا معنا في مقاومة التطبيع من خلال مقاطعة هذه الشركات التي قامت بالتطبيع مع الكيان الصهيوني". واعتبر النشطاء عبر الوسم المتداول مؤخرًا، بأن مقاطعة المنتجات الإماراتية ستجعل الاقتصاد الإماراتي يواجه تحديات كبرى، وأنه لن يقوى على مواجهة أي مقاطعة حقيقية، مشيرين إلى وجود خسائر عدة لدى العديد من الشركات الإماراتية. ويرى الناشط الشهير على "تويتر"، تاج السر عثمان، أن "الحملة العربية ل#مقاطعه_المنتجات_الاماراتية مؤشر إيجابي على وعي الشعوب وبداية إدراك، بالدور الإماراتي في استهداف البلدان العربية بمخططات تخريبية أصالةً ووكالةً". "اتفاق إبراهام" اتفاق التطبيع بين الإمارات وكيان العدو الصهيوني برعاية أمريكية جاء تتويجا لمسيرة طويلة بدأها ولي العهد محمد بن زايد منذ نحو عشرين سنة، وخاصة بعد وفاة والده الشيخ زايد عام 2004م، وإقصاء أخيه الأكبر خليفة؛ كي يصبح صاحب الكلمة العليا في بلد لا يملك شيئا إلا المال. ومنذ بدايات القرن الواحد والعشرين، وبعد التشبيك مع مجموعة من القيادات الطموحة في الشرق الأوسط والمرتبطين بالأجهزة الاستخباراتية الأمريكية والإسرائيلية، بدأ محمد بن زايد يسير بالبلاد إلى مرحلة جديدة تقوم على تبني المصالح الإسرائيلية في المنطقة، ونقل مهمة الحماية للدولة الصغيرة إلى إسرائيل؛ كي يصبح قائدا إقليميا ودوليا وينقل دولته إلى لاعب أساسي في السياسات الدولية. وقد وضعت إسرائيل شروطا ثلاثة على ولي العهد الطموح كي يصبح مؤهلا لذلك الدور الكبير، أولا، أن يؤمن خطوط الملاحة البحرية في المنطقة التي تؤدي في النهاية مرورا أو وصولا إلى إسرائيل، ثانيا، أن يقف ضد حركات الشعوب المطالبة بالحرية والعدالة والديمقراطية والعمل على أن يحكم العالم العربي إما ملوك وسلاطين إلى الأبد أو عساكر يحكمون بالحديد والنار أيضا إلى الأبد، والشرط الثالث أن يتم التخلي تدريجيا عن قضية فلسطين والعمل على شيطنة الشعب الفلسطيني ومحاولة إيجاد قيادات بديلة متساوقين مع المشروع الصهيوني. وإذا ما استطاع هذا الأمير أن يثبت أنه جدير بثقة (إسرائيل) وحقق هذه المهام الثلاثة سيتم بعدها تأهيله ليلعب دورا أكبر من بلده ويصبح شريكا صغيرا للكيان الصهيوني. وأنشئت شركة موانئ دبي عام 1999 لتصبح الذراع الطويلة لدولة الإمارات للسيطرة على موانئ البحر الأحمر والبحر المتوسط والعديد من الموانئ العالمية، فقد سيطرت على موانئ اليمن الجنوبي مثل عدن وسقطرى وجيبوتي وشمال الصومال وإريتريا وبعض موانئ مصر والجزائر، كما أخذت عقودا لإدارة موانئ في الهند وباكستان وروسيا والصين والسعودية وكوريا الجنوبية وفيتنام. وشكلت اتفاقية تطبيع الإمارات وإسرائيل العلنية تتويجا لتاريخ طويل من التطبيع السري وشبه السري. وكسرت الإمارات بتطبيعها مع (إسرائيل) سدا عربيا وإسلاميا لم تنجح إسرائيل في كسره علنا لفترة طويلة، بعد اتفاقيتي التطبيع مع الأردن ومصر. ودفعت الإمارات بدول أخرى للتطبيع مع إسرائيل، بينها البحرين والسودان والمغرب، كما اندفعت الإمارات بإظهار عشق أسود لإسرائيل، يراه الخبراء حبا سلبيا، حيث لا تبادلها إسرائيل ولا الإسرائيليون نفس الشعور. وفي الجانب السياسي، شهدت المائة يوم الأولى من اتفاقية التطبيع نشاطا إماراتيا محموما لدفع المزيد من الدول العربية والإسلامية لوحل التطبيع، ودفعت الإمارات لتوريط البحرين والسودان والمغرب بعقد اتفاقيات تطبيع علنية مع إسرائيل، بحجة حصول كل منها على مصالح خاصة. وبدت البحرين كتابع سياسي لا ينفك عن السير في فلك الإمارات، حتى أنها وقعت اتفاقية التطبيع معها في ذات الوقت، أما في السودان التي نجحت الإمارات مؤخرا في تنفيذ انقلاب عسكري فيها والإطاحة بحكم الرئيس السابق عمر البشير، فقد استخدمت أبوظبي نفوذها لتمرير التطبيع بحجة رفع الخرطوم من قائمة العقوبات الأمريكية، وفي المغرب قدمت اتفاقية التطبيع على أنها المنقذ لقضية الصحراء الغربية، كما أظهرت المائة يوم الأولى من اتفاقية تطبيع الإمارات وكيان العدو الصهيوني فداحة الضرر السياسي الذي تلقته القضية الفلسطينية.