يرى قطاع عريض من خبراء الاقتصاد أنه لا يوجد سبب مقنع لتخفيض وزن رغيف الخبز المدعم من 110 جرامات إلى 90 جراما، مؤكدين أن ذلك يمثل زيادة غير مباشرة في سعر رغيف الخبز؛ لأن المواطن الذي كان يدفع 25 قرشا للحصول على حصته التي تبلغ خمسة أرغفة وتزن 550 جراما، بعد الزيادة الجديدة التي أقرها قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي سوف يدفع نفس السعر ليحصل على نفس عدد الأرغفة ولكن بوزن أقل، وهو 450 جراما. وبذلك تراجعت حصة الفقير إلى 4 أرغفة بدلا من 5 وهو ما يؤثر على قدرات ملايين المصريين الغذائية. الحجة التي ساقها نظام الانقلاب لتبرير هذه الجريمة هي زيادة تكلفة الخبز بمقدار 50 جنيها لكل جوال زنة 100 كيلو جرام، وبذلك فإن ما جرى هو إرضاء لأصحاب المخابز على حساب ملايين الفقراء. سيما أن زيادة تكلفة الخبز لا تزيد على 5 مليارات جنيه، أما تخفيض وزن الرغيف من 110 جرامات إلى 90 جراما سيقتطع 9 مليارات جنيه من قوت الغلابة والأطفال الذين يعانون من التقزم وسوء التغذية. وبحسب الخبير الاقتصادي د.عبدالتواب بركات، فإن قرار خفض وزن رغيف الخبز بجحة زيادة تكلفة إنتاجه تأتي بالرغم من عدم زيادة سعر القمح في الأسواق الدولية، وهي الأسعار المستقرة عند ذات المستويات منذ عامين تقريبا. كما أن أسعار السولار والغاز، وهي تُستخدم أيضا في مخابز إنتاج الخبز المدعم، انخفضت إلى النصف، وهو سبب وجيه لزيادة الدعم وليس لتقليصه، عكس ما تدعيه الوزارة التي تكذب العالم كله وتحاول إقناع المصريين بزيادتها. من جانب آخر، فقد تزامن قرار تخفيض وزن الخبز أيضا مع إعلان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي عن ارتفاع معدل البطالة إلى 9.6% مقارنة ب7.5% في نفس الفترة من العام الماضي. وهي سابقة سياسية ليس له مثيل في العالم، حيث تعلن حكومة الانقلاب عن زيادة معدلات البطالة ثم تعالج المشكلة بتخفيض الدعم! إفقار الطبقة المتوسطة ويعزو بركات أسباب زيادة سعر رغيف الخبز في هذا التوقيت العصيب إلى أن الفلسفة التي يعتمد عليها نظام الانقلاب والتي تقوم على إفقار الطبقة المتوسطة، لأنها الطبقة الاجتماعية التي خرجت من رحمها جماهير ثورة يناير. فكشف السيسي مبكرا في 2014 عن أن تقديم الدعم للشعب أخطر من مشكلة الفساد على الاقتصاد. ومن المعلوم أن الدعم يخص الفقراء، أما الفساد فهو ملعب رجال الأعمال والقوات المسلحة وسلة قليلة من الموظفين في الإدارة العليا للوزارات. وفي سبيل تنفيذ سياسة إفقار الطبقة المتوسطة، خفض السيسي وزن الرغيف المدعم ثلاث مرات منذ 2013 حتى وصل إلى 90 جراما بعد أن كان 130 جراما. وحذف 2 مليون مواطن من المستفيدين من دعم الخبز، وحذف 10 ملايين من منظومة السلع التموينية، وخفض فاتورة دعم الخبز في الموازنة العامة للدولة من 52 مليار جنيه العام الماضي، إلى 47 مليار هذا العام، بدلا من زيادتها لمواجهة أعباء وأعداد المتضررين بسبب الكورونا. ورفع سعر أنبوبة البوتاجاز المنزلي من 7 جنيهات إلى 65 جنيها، بمعدل 800%. ورفع سعر الغاز الطبيعي للمنازل من 10 قروش للمتر المكعب إلى 235 قرشا، بمعدل 2250%. ورفع سعر بنزين 80 أوكتين، والمعروف ببنزين الغلابة، من 80 قرشا للتر إلى 625 قرشا، بمعدل 680%، في مقابل 45% فقط لبنزين 95 أوكتين الخاص بالأغنياء. ورفع سعر الشريحة الأول من كهرباء المنازل، المعروفة بشريحة الغلابة، من 5 قروش للكيلووات إلى 38 قرشا، بمعدل 660%، في مقابل 108% فقط للشريحة الساسة الخاصة بالأغنياء. ورفع سعر تذكرة المترو من جنيه إلى 5 جنيهات وحتى 10 جنيهات. التوسع في الجباية ويرى بركات أن السيسي توسع أيضا في الجباية وفرض الضرائب على الموظفين وعلى المشاريع المتوسطة والقيمة المضافة. وزادت قيمة الضرائب في الموازنة العامة من 260 مليار جنيه في موازنة 2013/2014 إلى 960 مليار جنيه في موازنة 2020/2021. وفي كل سنة يقر برلمان الانقلاب الموازنة العامة دون الالتزام بإنفاق 3% منها على التعليم والصحة والبحث العلمي، وهي القطاعات الرئيسة التي تستفيد منها الطبقة المتوسطة والتي يحرص أبنائها على التعليم والتحصيل الدراسي ومواصلة البحث والتميز العلمي. وبدلا من دعم الموظفين وعمال اليومية في مواجهة كورونا، أصدر السيسي قانونا عجيبا لاستقطاع نسبة 1% من دخل العاملين والموظفين للمساهمة التكافلية في مواجهة التداعيات الاقتصادية الناتجة عن الجائحة شهريًا ولمدة 12 شهرًا، ويمكن تكرارها إذا وقعت كارثة في المستقبل. الدعم للأثرياء وفي مقابل التضييق والخصم من دخل الغلابة، قام السيسي بزيادة دعم الغاز الطبيعي والكهرباء المستخدمة في المصانع الكثيفة الاستهلاك للطاقة، مثل مصانع الحديد والسيراميك التي يمتلكها الليبراليون القدامى والجدد. واقترض السيسي 18 مليار دولار من الخارج في آخر ثلاثة أشهر فقط لمواجهة جائحة كورونا. أنفق منها مليارات الجنيهات لدعم فئة قليلة من الأغنياء. فأنفق 20 مليار جنيه لدعم البورصة المصرية التي تمتلك أسهمها فئة قليلة من الأغنياء والأجانب. وضخ 50 مليار جنيه لدعم القطاع السياحي وأصحاب الفنادق المملوكة للأغنياء والأجانب، و50 مليارا لدعم القطاع العقاري الذي يحتكره الجيش وحده، و100 مليار جنيه لدعم المصانع. ، ولم يشترط وقف تسريح العمال والموظفين أثناء الجائحة. ويرى بركات أن هذه السياسة الانتقائية الانتقامية قضت على الطبقة المتوسطة ونجحت في إسقاطها في دائرة الفقر والتمحور حول لقمة العيش. وأعلن البنك الدولي في مايو من العام الماضي عن تنامي عدم المساواة في مصر. وكشف عن أن 60% من المصريين أصبحوا إما فقراء أو عرضة للفقر بسبب هذه السياسات.