تستأنف اليوم الثلاثاء المفاوضات الخاصة بين مصر والسودان وإثيوبيا، حول قواعد ملء وتشغيل "سد النهضة" الإثيوبي. جاء ذلك وفق إعلان سوداني، الأحد، بعد اجتماع لوزراء الخارجية والري في البلدان الثلاث. ويشارك في المفاوضات، الاتحاد الإفريقي، وخبراء ومراقبون دوليون، عبر تقنية الفيديو كونفرانس. ومن المقرر أن يناقش الاجتماع أجندة التفاوض والأطر العامة وملاحظات الأطراف الثلاثة. وطالب السودان، في خطابه، أمام الاجتماع، بضرورة العودة للأجندة التي حددها خطاب رئيس جنوب إفريقيا، "سيريل رامافوزا"، الشهر الجاري، وتقرير الخبراء المقدم للقمة الإفريقية المصغرة، يوليو الماضي، وعلى أساس مبادئ القانون الدولي الخاصة بالاستخدام المتساوي للموارد المائية، دون التسبب في أضرار للآخرين. وسبق أن طالبت مصر والسودان، تأجيل اجتماعات سد النهضة، للنظر في قواعد ملء السد التي قدمتها أديس أبابا. وحذرت مصر والسودان، من تداعيات الملء المنفرد لسد النهضة الإثيوبي، مطالبين بسرعة التوصل لاتفاق ملزم. وتعثرت المفاوضات بين الدول الثلاث على مدار السنوات الماضية، وسط اتهامات متبادلة بين القاهرةوأديس أبابا بالتعنت والرغبة بفرض حلول غير واقعية. ويأتي إصرار مصر على مسار التفاوض مع إثيوبيا، رغم بدء الملء الأولي للسد والانتهاء منه، دون استجابة أي نداءات أو مطالبات مصرية أو دولية. القاعدة العسكرية لتجميل الوجه ووسط مطالبات من سياسيين وخبراء بضرورة التحرك أو التهديد بالعمل العسكري ضد إثيوبيا، سعى السيسي وانقلابه العسكري، نحو تسريب أخبار عن نوايا مصر لإنشاء قواعد عسكرية بالقرب من إثيوبيا، وذلك في محاولة لامتلاك أوراق قوة في مواجهة تحديات كبيرة، أبرزها ملف "سد النهضة". ومن جنوب السودان، إلى إريتريا، ومن جيبوتي إلى إقليم "صومالي لاند"، تتعدد المحاولات المصرية لإقامة قاعدة عسكرية، قرب الحدود مع إثيوبيا، وبالقرب من البحر الأحمر. وتحظى منطقة القرن الإفريقي بجاذبية استراتيجية لقوى دولية وإقليمية، ومحطة للقواعد العسكرية من قبل الولاياتالمتحدة وفرنسا والصين واليابان والسعودية والإمارات وتركيا وإسرائيل. وتضم منطقة القرن الإفريقي الواقعة على رأس مضيق باب المندب، 6 دول، من بينها 3 دول عربية (الصومال والسودان وجيبوتي)، إضافة إلى إريتريا وكينيا وإثيوبيا. وتقع "أرض الصومال" على شاطئ خليج عدن، وبالتحديد في شمال الصومال، وتحدها إثيوبيا من الغرب، وجيبوتي من الشمال الغربي، وخليج عدن من الشمال. ويعد الإقليم غير المعترف به دوليا (يتمتع بحكم ذاتي شمال الصومال)، خيارا ثمينا أمام مصر لإنشاء قاعدتها العسكرية، التي من المأمول أن تحقق لها التوازن في مواجهة أديس أبابا، حال تضرر حصتها المائية من نهر النيل. وضمن سياق الخطط المصرية الساعية إلى ذلك، أوفدت القاهرة وفدا أمنيا وعسكريا ودبلوماسيا للقاء رئيس أرض الصومال "موسى بيهي عبدي" في هرجيسا؛ حيث ناقش الجانبان إنشاء منشأة عسكرية، الشهر الماضي. في المقابل، ستقدم القاهرة ثمنا لذلك، اعترافا دبلوماسيا ب"صومالي لاند"، وتبادلا للمكاتب التمثيلية، ورفع مستوى التعاون بينهما في كافة المجالات ولاسيما في مجالي التعليم والثروة السمكية، بحسب إذاعة "دلسن" الصومالية. وتثير الخطوة المصرية قلق إثيوبيا، التي أعلنت عبر خارجيتها، أن أية مبادرة من شأنها الإضرار بمصالح أديس أدبابا تعتبر "خطوطا حمراء، وأن "لدى مصر الحق في تأسيس علاقات مع الإدارة التي تريد في المنطقة، لكن يجب ألا يضر ذلك باستقرار إثيوبيا". وعبر زيارة له، يوليو الماضي، هي الخامسة بعهد السيسي يأتي الرئيس الإريتري "أسياس أفورقي"، كهدف رئيس للإغراءات المصرية. ووفق مجلة "Geopolitical Futures" الأمريكية، فإن مصر تسعى لإقامة قاعدة عسكرية بحرية في إريتريا، وقد قدمت طلبًا مماثلًا إلى أسمرة؛ لتحقيق هذا الهدف. وتقدم مصر دعما اقتصاديا مكثفا لإريتريا في مجالات الزراعة وتنقية المياه والطاقة والصرف، وصولا إلى دعم عسكري وأمني، في محاولة لإسالة لعاب أسمرة، والرضوح للمطالب المصرية. كما أن مصر وعدت "أفورقي" بتزويد الجيش الإريتري، بمعدات عسكرية، ضمن خطط لتعزيز التعاون العسكري الثنائي بين البلدين، والتنسيق العسكري بشأن تأمين البحر الأحمر، وزيادة الوجود العسكري المصري على الأراضي الإريترية. كما جرى إمداد القوات الإريترية ب57 مدرعة من طراز "فهد" مصرية الصنع، و22 مصفحة جنود. وتحتفظ إريتريا بساحل يبلغ طوله 180 كلم على ساحل البحر الأحمر، وهو ما يجعلها شريكا لمصر في تأمين الملاحة بالبحر الأحمر. وتنفي القاهرة وجود أي تواجد عسكري لها في إريتريا، لكن تقارير سودانية وإثيوبية دأبت على الإشارة إلى وجود تحركات عسكرية للقاهرة وارتيريا بالقرب من الحدود المشتركة مع إثيوبيا. ويرى مراقبون أن انتهاء حالة الحرب بين إثيوبيا وإريتريا، ربما أفقد القاهرة ورقة ضغط هامة على أديس أبابا.، لكن توظيف أسمرة بصفتها "مراقب" إلى جانبها في مفاوضات "سد النهضة"، قد يقوي الموقف المصري، ويشكل ورقة ضغط غير مباشرة على الجانب الإثيوبي. وتعد جنوب السودان، أحد الخيارات أمام مصر لبناء قاعدة عسكرية على أراضيها، وتحديدا في منطقة "باجاك" الحدودية بمقاطعة مايوت بولاية أعالي النيل. ومن المتداول، وفق تقارير إثيوبية، أن القاعدة ستستضيف 250 عنصرا من القوات العسكرية المصرية، وذلك في استعداد واضح لكل الاحتمالات المتعلقة بسد النهضة الإثيوبي. وفي يونيو الماضي، أفاد موقع تلفزيون جوبا، نقلا عن مصادر عسكرية، أن حكومة جنوب السودان وافقت على طلب مصري بإنشاء قاعدة عسكرية في مدينة "باجاك"، على بعد 350 كيلو مترا من سد النهضة. ونقل موقع التلفزيون عن مسئول عسكري، لم يسمه، قوله "وافقت حكومة جمهورية جنوب السودان وقوات الدفاع الشعبي لجنوب السودان على تخصيص أرض لإخواننا المصريين، الذين طلبوا قطعة أرض في شرق (جنوب السودان) لوضع قواتهم". ورسميا تنفي جوبا تلك التقارير، وتقول إن موافقتها على الطلب المصري بإنشاء قاعدة عسكرية في باجاك لا أساس لها من الصحة… في سياق قريب، وتحديدا في يوليو 2019، ظهرت مبلامح تحرك مصري لإقامة منطقة لوجيستية مصرية حرة في جيبوتي، بدعوى خدمة دول القرن الإفريقي، وهو ما كان موضع مباحثات بين وزير الخارجية سامح شكري ونظيره الجيبوتي "محمود علي يوسف"، لكن المقترح المصري لم يدخل بعد حيز التنفيذ. تبقى كل الاحتمالات واردة، بشأن المساعي المصرية "المتأخرة" لامتلاك قاعدة عسكرية في تلك المنطقة الحساسة شرق إفريقيا، خاصة بعدما تقلصت الخيارات المصرية لإيقاف إثيوبيا عن استكمال "سد النهضة"، وتراجع النفوذ المصري إفريقيا، مقابل تمدد نفوذ قوى أخرى داخل القارة السمراء. ويرى مراقبون ان التحرك المصري، حتى لو كان صحيحا فانه جاء متاخرا، لأن توجية ضربة عسكرية للسد بعد ملئه سيمثل تهديدا كبيرا لمصر والسودان.