يواصل نظام العسكر رهن مستقبل مصر والأجيال القادمة بالاستدانة والقروض بزعم إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، وهي المنطقة الخضراء التي يتحصن فيها قائد الانقلاب الدموى عبد الفتاح السيسي بعيدًا عن الشعب؛ خوفًا من ثورة جديدة تطيح به كما أطاحت بالمخلوع حسنى مبارك فى 25 يناير 2011. ورغم ارتفاع الدين الخارجيّ، في نهاية شهر سبتمبر 2019، إلى أكثر من 109 مليارات دولار، في حين وصل حجم الدين الداخليّ إلى مستويات قياسيّة، حيث تجاوز حدّ ال4 تريليونات جنيه، أي ما يعادل 242 مليار دولار نهاية ديسمبر الماضي، إلا أنَّ نظام العسكر يحاول الحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار من الصين لتمويل العاصمة الإداريّة، لكن البنوك الصينية رفضت منح العسكر هذا القرض؛ لعدم وجود ضمانات تؤكد قدرة نظام السيسي على السداد. كانت مباحثات العسكر مع شركة المعمار الصينية "CFLD" (شركة تنمية الأراضي الصينية)، حول تطويراتٍ بقيمة 20 مليار دولار في العاصمة الإدارية الجديدة قد تعثَّرت، بحسب وكالة بلومبرج الأمريكية. ونقلت الوكالة عن مسئولين بحكومة الانقلاب قولهم: إن سبب الخلافات كان حول كيفية تقسيم عوائد المشروع. جاء ذلك بعد عامين من المفاوضات الصعبة، بعدما أرسلت سلطات العسكر ردًّا على مقترح من شركة تنمية الأراضي الصينية، بخصوص عقد مدته 25 عامًا، يهدف إلى تطوير 15 ألف فدانٍ في العاصمة الإدارية الجديدة. واعترف أحمد زكي عابدين، رئيس الشركة التي تأسست للإشراف على بناء العاصمة الجديدة، قائلا: «لم نتلقَّ منهم ردًّا.. لقد توقفت المفاوضات". ومن المرجَّح أن يثير الفشل في التوصُّل إلى اتفاقٍ تساؤلات حول قدرة العسكر على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة الضرورية لتنشيط النمو الاقتصادي. مليارات الجنيهات من جانبها قالت جريدة «الأخبار اللبنانية»، إن قرض ال3 مليارات دولار لا يدخل ضمن قروض «المحروسة» التي تصل إلى 109 مليارات دولار حتى الآن؛ لأن حكومة الانقلاب ضامنة له وليست ملزمة بسداده، فالاقتراض جرى باسم «شركة العاصمة الإدارية» التي تدير مشروع البناء كليًا، مشيرة إلى أن هذه الشركة تأسّست بنسبة 49% ل«هيئة المجتمعات العمرانية» التابعة لوزارة الإسكان بحكومة الانقلاب، و51% ل"الهيئة الهندسية للقوات المسلحة". وأضافت: "لكن توقيع القرض مع حكومة العسكر يعني أنها ستكون ملزمة بسداد قيمته كاملة في حال تعثُّر الشركة في ذلك جراء صعوبة استغلال الأبراج، وطرق بيعها وتسويقها. موضحة أن القرض نفسه جزء من القروض التي حصل عليها السيسي من الصين للعاصمة الجديدة، ومنها قرض بقيمة 1.2 مليار دولار لتنفيذ قطار كهربائي سريع يربط العاصمة الإدارية بالمنطقة المحيطة بها" . وتابعت: "إعلام العسكر يعمل على الترويج لما يُبنى داخل العاصمة على أنه الأعلى أو الأكبر في القارة، بينما يعد نظام الانقلاب بأن الحيّ الحكومي سيكون من «أهم المراكز المالية في إفريقيا والشرق الأوسط»، رغم أنها لم تقدم حتى الآن تصورًا لآلية عمله، ولم تشرح كيف ستقنع الشركات العالمية بنقل مشاريعها إلى دولة العسكر، ولا الشركات العالمية تظهر سعيًا إلى الاستفادة من العاصمة الجديدة كمقرّ لإداراتها في الشرق الأوسط، في ظل التعقيدات الناتجة من قيود حكومة الانقلاب، مضافةً إليها القيود البنكية التي لا تزال مفروضة على التعاملات المالية، وهو ما دفع أكثر من شركة إلى إبداء ملاحظات من دون حلول انقلابية حاسمة." وأشارت الأخبار اللبنانية إلى أن دولة العسكر "تواصل دعم مشروع العاصمة الإدارية بكل السبل، رغم معوقات أساسية، منها بُعد موقعها ووجودها في مكان معزول عن عامة الشعب، خاصة مع غياب الإسكان الاجتماعي والمتوسط، واقتصاره على الفاخر والمنتجعات السكنية التي تنفذها الشركات الخاصة وتبيعها بأسعار لا تناسب فئات كثيرة من المصريين". موضحة أنه "رغم الانتقادات، تضخّ حكومة العسكر مليارات الجنيهات لإنشاء الحيّ الحكومي الذي يضمّ مباني فخمة لجميع الوزارات، ومليارات أخرى لإيصال البنية التحتية والمرافق إلى المنطقة الصحراوية التي يقام عليها المشروع، فضلا عن تمديد شبكة طرق داخلية هي الأكبر من نوعها داخل المدن. أما العائد بعد أكثر من ثلاث سنوات، فهو مبانٍ فخمة ظهرت ملامحها أو اكتملت دون أن تكون لها ضرورة ملحة". وقالت: "كان التصور الأولي لحكومة الانقلاب يقوم على انتقال الموظفين إلى العمل في العاصمة الإدارية، وذلك بتوفير مساكن قريبة. وبينما اختيرت مدينة بدر القريبة منها لتكون مكان إسكان ذوي الدخول الأقل، أظهرت الدراسات صعوبة دفع العاملين المبالغ التي ستطلب لبيع الشقق في هذه المدينة، أو حتى توفير إيجارها، خاصة أن الأسعار زادت كثيرا ولم يعد ممكنا بيع الوحدات بأقل من سعرها، وهي معضلة تزعم حكومة الانقلاب إنها تحاول البحث عن حل لها". اشتراطات صينية واعترف مصدر مسئول بنظام العسكر بأنّ هناك شروطا عدّة أرجأت تفعيل قرض صينيّ بقيمة 3 مليارات دولار كان موجّهًا إلى تمويل منطقة الأعمال المركزيّة في العاصمة الإداريّة الجديدة. وقال المصدر، إنّ البنوك الصينيّة المموّلة للقرض ما زالت تطلب اشتراطات من حكومة الانقلاب قبل الموافقة على صرف الشريحة الأولى منه البالغة 834 مليون دولار. وأكّد أنّ هناك تعثّرات تكتنف إتمام تفعيل القرض الصينيّ، والذي خصّص لتصميم الحيّ الحكوميّ ومنطقة الأعمال في العاصمة الإداريّة الجديدة، زاعمًا أنّ تعطّل صرف الشريحة الأولى من القرض البالغة 834 مليون دولار، جاء بسبب تعنّت البنوك الصينيّة فيما يتعلّق بضمانات السداد الُمبالغ فى تعقيدها . وأوضح أنّه كان من المتوقّع أن يتسلّم نظام العسكر الشريحة الأولى من القرض لتمويل المشروع في يناير الماضي، لكنّ الضمانات الجديدة التى طلبتها الصين هي سبب توقّف صرف الشريحة وفق تعبيره وكشف عن أن حكومة الانقلاب تعمل على حلّ هذا الخلاف، والتفاوض الجادّ من أجل سرعة الصرف واستكمال المشروع الذى خصّص له القرض. وأضاف: هناك مخاوف لدى الجانب الصينيّ في شأن إمكان السداد وطريقته وجدولة المديونيّات، لكن هناك مفاوضات تجري لتبسيط إجراءات صرف القرض من تحالف المصارف الصينيّ المموّل لهذا المشروع . وأشار إلى أنّ الشريحة الأولى ستوجّه إلى تغطية تكلفة إنشاء 7 أبراج ضخمة، منها برجان إداريّان و5 أبراج سكنيّة، أمّا الشريحة الثانية والمقدّرة ب1.2 مليار دولار فستخصّص لإنشاء منطقة الأعمال المركزيّة في العاصمة الإداريّة الجديدة والتي تشمل إنشاء 20 برجاً، من ضمنها البرج الأيقونيّ الذي سيكون أعلى برج في أفريقيا، والمتوقّع أن يصل إلى ارتفاع 385 متراً. ضمانات السداد وأرجع عبد الخالق فاروق، رئيس مركز النيل للدراسات السياسيّة والاقتصاديّة، تأخّر القرض الصينيّ الخاصّ بتمويل منطقة الأعمال المركزيّة في العاصمة الإداريّة الجديدة، إلى عدم التزام حكومة العسكر بتقديم كامل ضمانات السداد للبنوك الصينيّة. وقال فاروق، في تصريحات صحفية، إنّ عاصم الجزّار وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانيّة بحكومة الانقلاب لم يكشف عن مصادر سداد القرض للبنوك الصينيّة، ولم يعلن ذلك للرأي العام، وهو ما أثار الجدل حول القرض، خصوصا أنّ مصر مثقلة بالكثير من الديون فى الفترة الأخيرة. وأشار إلى توقّف المفاوضات سابقا بين الجانب الصينيّ وشركة العاصمة الإداريّة الجديدة ووزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانيّة بحكومة الانقلاب، في 18 سبتمبر 2018، بخصوص إنشاء مدينة صينيّة تجاريّة وسكنيّة في العاصمة الإداريّة الجديدة على مساحة 14 ألف فدّان ، لافتاً إلى أنّ رئيس شركة العاصمة الإداريّة الجديدة أحمد زكي عابدين قال حينها إنّ المفاوضات توقّفت لوجود خلافات على نسب المشاركة مع الجانب الصينيّ ورغبة الصينيّين فى الحصول على امتيازات أكثر من اللازم. وانتقد فاروق تحرّكات حكومة الانقلاب للحصول على ديون جديدة تضاف إلى الديون المتراكمة الكثيرة التي اقترضتها مصر في الآونة الأخيرة، حيث أظهرت آخر بيانات البنك الدوليّ، ارتفاع الدين الخارجيّ لمصر في نهاية شهر سبتمبر 2019 إلى أكثر من 109 مليارات دولار، في حين وصل حجم الدين الداخليّ إلى مستويات قياسيّة، حيث تجاوز حدّ ال4 تريليونات جنيه، أي ما يعادل 242 مليار دولار في نهاية ديسمبر الماضي.