يبدو أن نظام الطاغية عبد الفتاح السيسي مصممٌ على تحدي الأزهر الشريف ومشيخته، وذلك بافتعال محطة جديدة من الصدام حتما سيكون فيها الطاغية خاسرا؛ ذلك أن رئيس برلمان العسكر "الطرطور"، علي عبد العال، رفض مناقشة قانون الأسرة الذي تقدم به الأزهر الشريف للبرلمان. ويتعلّق قانون الأحوال الشخصية بإعادة تنظيم النواحي الإجرائية والموضوعية المرتبطة بمراحل الزواج، بداية من الخطبة وشروطها، مرورا بالزواج والطلاق والخلع، وصولا إلى حق رؤية الأطفال والنفقة وإجراءات صرفها. وكلها مسائل فقهية تتعلق بالأزهر الشريف أكبر مؤسسة إسلامية في البلاد والعالم. وتنقل صحيفة "العربي الجديد" عن مصادر برلمانية مطلعة، أن رئيس لجنة الشئون الدينية أسامة العبد، طلب من عبد العال إحالة مشروع قانون الأحوال الشخصية (الأسرة) المُعد من الأزهر إلى اللجان المختصة لمناقشته، خلال لقاء جمعهما أخيرا، لكنه رفض بذريعة أن "الأزهر ليس له صفة دستورية للتقدم بمشاريع القوانين". من هول الصدمة، احتد عبد العال على العبد بالرغم من العلاقة الجيدة بينهما؛ مبررًا رفضه مناقشة مقترح الأزهر بشأن القانون بأن الدستور اختص رئيس الجمهورية، ومجلس الوزراء، وأعضاء البرلمان، باقتراح التشريعات على سبيل الحصر، وبالتالي يجب انتظار تقدم الحكومة بمشروعها عن القانون إلى البرلمان. واعتبرت المصادر أن موقف عبد العال ليس فرديًّا، وإنما استند إلى تعليمات أعلى، يُرجح أنها من مؤسسة الرئاسة، في ظل الصراع المستتر بين رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي وشيخ الأزهر أحمد الطيب، فيما يخص القضايا الدينية، لا سيما أن القانون من التشريعات التي يعتبرها النظام "شائكة"، ويحتاج إلى مزيد من المراجعة والتدقيق قبل طرحه على الرأي العام. وكان شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب قد قال، في تصريحات متلفزة، إن "الأزهر ليس جهة تشريع، ولكن حين يتعلق الأمر بقوانين مصدرها الشريعة الإسلامية، فلا يجب أن يُترك لغير العلماء"، وهو ما ردت عليه رئيسة "المجلس القومي للمرأة" مايا مرسي بالقول إن "هناك تخوفات من مواد نفقة العدة والطفل، وغيرها من شئون حقوق المرأة في القانون"، مشددة على ضرورة خروج التشريع بشكل متوازن، وبتوافق مجتمعي حول جميع مواده. إلا أن الطيب رد على الانتقادات الموجهة للأزهر قائلاً، في مقال سابق بمجلة "صوت الأزهر": إن "إعداد مشروع القانون جاء انطلاقا من واجب شرعي، لأن التشريع متعلق بمصادر القرآن والسنة"، مضيفًا أن "الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد الذي يمكن أن تنطلق منه أحكام الأحوال الشخصية للأسرة". وتنص المادة السابعة من الدستور المصري على أن "الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شئونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ويتولى مسئولية الدعوة، ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم. وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه". ويخاطب مشروع القانون ما لا يقل عن 15 مليون مصري، بحسب أحدث الإحصائيات الصادرة عن المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، والتي أشارت إلى وجود أكثر من مليون قضية أحوال شخصية لم يُفصل فيها بعد أمام المحاكم، في الوقت الذي بلغت فيه نسبة الطلاق نحو 24 في المائة من إجمالي حالات الزواج خلال العام الماضي. وأشارت المصادر إلى أن هناك ستة مشاريع قوانين قدمها أكثر من 370 نائباً بشأن قانون الأحوال الشخصية، ثلاثة منها هي جديدة، حملت تواقيع كل من محمد فؤاد و59 نائباً، وعبلة الهواري و60 نائباً، وسمير رشاد و80 نائباً، بخلاف ثلاثة مشاريع أخرى تتضمن تعديلات على بعض المواد في القانون القائم للأحوال الشخصية. ويأتي مشروع الأزهر بعد تلقيه اقتراحات عدة من بعض أعضاء مجلس النواب، حول التعديلات المقترحة منهم على مواد القانون الحالي، والذي لم تطله يد التغيير منذ العام 1920، رغم التطورات التي شهدها المجتمع طوال هذه الفترة، حيث تعتبر قضايا الطلاق، وحق الرؤية، والنفقة، وترتيب الأب في الحضانة، أكثر القضايا شيوعا في المحاكم بمصر. في المقابل، يرى التيار المعارض لمشروع الأزهر داخل البرلمان، والذي تقوده مجموعة من النواب، لعل أبرزهم محمد فؤاد، ومحمد أبو حامد، وآمنة نصير، أن الأزهر لم يتعرض لنقاط هامة في مشروعه، مثل حق الرؤية وسن الحضانة للطفل، وهي أمور محل اجتهاد، ويجب أن تخضع لتطورات كل مجتمع، بوصفها تمس نحو 70 في المائة من القضايا المتداولة في ساحات المحاكم. وتنظم قضايا الزواج والطلاق والخلع والنفقة والحضانة والإرث والوصية للمسلمين أربعة تشريعات في مصر، وهي القانون رقم 25 لسنة 1920 وتعديلاته، والقانون رقم 25 لسنة 1929 وتعديلاته، والقانون رقم 1 لسنة 2000 (إجراءات التقاضي في قضايا الأحوال الشخصية)، والقانون رقم 10 لسنة 2014 (إنشاء محاكم الأسرة). وسبق أن وعدت الحكومة، ممثلة في مساعد وزير العدل المستشار محمد عيد محجوب، مجلس النواب في جلسته المنعقدة بتاريخ 20 أكتوبر2019، بالتقدم بمشروع قانون الأحوال الشخصية خلال شهرين، وهو الوعد الذي لم تلتزم به حتى الآن، مع العلم أن الوزارة شكلت لجنة، بناءً على قرار رئيس مجلس الوزراء، لإعداد تشريع ينظم الأحوال الشخصية، والوصية، والميراث، وإجراءات التقاضي.