قبل يومين حلت أربعينية اتفاق الرياض بشأن الأزمة اليمنية لم يجد فيها أحد سببًا للاحتفاء، لكن بعض اليمنيين ربما ترحّموا على ذلك الاتفاق الذي وقعته الحكومة اليمنية الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيًّا في 5 نوفمبر الماضي بالعاصمة السعودية، وكان يفترض أن يكون عدد من البنود قد خرج إلى حيّز التنفيذ، غير أن أكثر المتفائلين قد لا يجدون ما يسند تطلعاتهم إلى الأمن والاستقرار ووحدة الصف، على العكس من ذلك شهدت الساحة اليمنية تبادلاً للاتهامات حول خرق اتفاق الرياض في أكثر من مناسبة. وقال وزير النقل صالح الجبواني في حديث “للجزيرة”: إن عودة رئيس الوزراء إلى عدن تنفيذ شكلي لجانب من الاتفاق. وعادة ما تقيّم الاتفاقات والتفاهمات وفقًا لما تحققه من مصالح متبادلة أو ما تدرؤه من مخاطر محتملة بين الأطراف المعنية بها وفي جميع الأحوال تبقى العبرة بالمآلات وما يطبق فعلاً على أرض الواقع. في اليمن يحتدم السجال بشأن اتفاق الرياض الموقع بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات؛ فما هو تقييم هذا الاتفاق ومدى تطبيقه بعد مرور أكثر من 40 يومًا على إبرامه؟ وزير النقل اليمني في الحكومة الشرعية صالح الجبواني قال إن الاتفاق ما زال معطلاً، ولم ينفذ من بنوده سوى جانب شكلي بتمثل في عودة رئيس الوزراء إلى عدن، وفي حديثه للجزيرة أشار الجبواني إلى تحول بات ملحوظًا وإن لم يعلن رسميًا يمكن تلخيصه في انحراف الأولويات واتجاه البنادق. يقول الجبواني: إن المواجهة الآن باتت بين الحكومة الشرعية والإمارات وإن الاشتباك بينهما بات عسكريًا وسياسيًا مسهبًا في سرد ما قال إنها أدلة لنيات أبوظبي لقتال قوات الشرعية وإنشاء أذرع عسكرية ودعم جهات تزاحم الشرعية وتفتّ في عضدها. شارك الجبواني في اتهام الإمارات وزير خارجية الحكومة الشرعية محمد الحضرمي – الذي قال في لقاء أجراه مع سفراء مجموعة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي – إن المجلس الانتقالي الجنوبي يعطل تنفيذ اتفاق الرياض. لا يقر المجلس الانتقالي الجنوبي بالاتهامات الموجهة إليه من الحكومة الشرعية بل يلقي من طرفه باللائمة والمسئولية عليها قائلا إن قوات تابعة لها خرقت أكثر من مرة ذلك الاتفاق في أبين. يتفق إذن طرفا اتفاق الرياض على أنه لم ينفذ، لكنهما يختلفان أشد الاختلاف على الجهة المسئولة عن ذلك؛ فماذا تقول المعطيات على أرض اليمن؟ يورد بيان رسمي من محافظ جزيرة سوقطرة تفاصيل عملية تهريب لمطلوبين بتهم أمنية إلى أبوظبي على أيدي مسلحين تابعين للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات وعلى متن طائرة إماراتية. كل ذلك جرى على مرأى ومسمع من قوات التحالف التي لم تحرك ساكنًا بحسب البيان، كما اتهم محافظ شبوة القوات الإماراتية بالاستفزاز والقيام بأعمال وصفتها بالعدائية، منها تزويد مجموعات تابعة لها بالسلاح. حوادث تعيد إلى الأذهان ما ورد في تقارير عن سجون سرية للإمارات وعن عمليات اغتيال لمدنيين وشخصيات سياسية من قبل مسلحين تدعمهم أبو ظبي. لمعالجة كثير من تلك النواقص جاء اتفاق الرياض أو هكذا يفترض، فهل ينجح في نزع فتيل الأزمة أم يظل حبرًا على ورق لا يغير في شيء من واقع اليمنيين وآلام وطن مثخن بآلام الحروب والصراعات. فتش عن الإمارات عادل الحسني، القيادي في المقاومة الجنوبية اليمنية، حمل الإمارات وميليشياتها المسئولية عن تعطيل الاتفاق، مؤكدًا أنه حين تقدم جيش الشرعية الذي يخضع للرئيس عبدربه منصور هادي إلى عدن ليعيد مؤسسات الدولة من هذه الميليشيات قصفته طائرات الإمارات وقتلت 300 ضابط وصف ضابط وجندي؛ لذلك فالخلاف واضح والهوّة واضحة بين الشرعية والإمارات والسعودية التي تقف في المنتصف بدلاً من أن تكون الراعية الرسمية لعاصفة الحزم. الإمارات لا زالت تتمدد في جنوب اليمن ولا زالت تمد هذه الميليشيات بالسلاح وقبل3 أيام خرجت 42 مدرعة من المكلا إلى ميناء بلحاف؛ الذي يعد منشأة نفطية غازية ينتفع منها الشعب اليمني، لكن الإمارات جعلت منه ثكنة عسكرية وسجنًا سريًّا وعطلت هذه المنشأة. السباق السعودي الإماراتي على جزيرة زخر على أشدّه، واليوم نزلت قوات من السعودية إلى الجزيرة بدلاً من القوات الإماراتية، وسيطرت على الجزيرة في حنيش المطلة على البحر الأحمر، وهناك أهداف وبرامج وأجندة للسعودية والإمارات على مضيق باب المندب وميناء عدن وعلى البحر الأحمر وعلى المهرة والمنافذ والمطارات والسواحل اليمنية. وأشار إلى أن اتفاق الرياض جاء بعد أن تلطخت سمعة الإمارات في الأممالمتحدة على يد وزير الخارجية اليمني، عندما أكد أن الإمارات ضربت الجيش اليمني بالطيران في تعدٍّ سافر على الشرعية اليمنية أرادت الإمارات بطبخة مخابراتية قادها محمد بن زايد وأخوه طحنون بن زايد لهذا الاتفاق ليظهروا أمام العالم أنهم رعاة سلام وقبلت الحكومة الشرعية الاتفاق على مضض، ووافقت على دمج قوات المجلس الانتقالي المدعومة إماراتيًّا ويبلغ تعدادها 90 ألف مسلح في وزارتي الداخلية والدفاع، لكن هذه المليشيات لا تعترف بالشرعية ولا زالت الإمارات تمدهم بالسلاح ويسيطرون الآن على عدن. جسر الهوة بدوره حمّل رامي الخليفة العلي، الباحث في الفلسفة السياسية بجامعة باريس، الجانبين المسئولية عن فشل اتفاق الرياض وعدم تنفيذه حتى الآن، مرجعًا ذلك إلى أن هناك كثيرًا من الاختلافات الأيديولوجية والسياسية ووجود أزمات تعصف باليمن هي التي أدت إلى وجود المجلس الانتقالي وتيارات سياسية وميليشيات موجودة على الأرض وفي أكثر من مكان. وأضاف العلي – في حواره مع قناة “الجزيرة” – أن اتفاق الرياض جاء لجسر الهوة بين الحكومة الشرعية ولتوجيه البندقية نحو الطرف الذي تحاربه الحكومة الشرعية، وهو جماعة الحوثي، وعدم الانسياق لفتح جبهات أخرى، خصوصًا أن ملف جنوب اليمن والمجلس الانتقالي ملف شائك، ولا بد من حوار على صعيد وطني يمني لحل هذه الإشكالية. واستبعد العلي وقوف السعودية والإمارات وراء تعطيل الاتفاق؛ لأن من مصلحتهما تحقيق تقدم للحكومة الشرعية واستقرارها سياسيًّا وعسكريًّا للمضيّ قدمًا في العملية العسكرية ضد جماعة الحوثي.