رصدت شيماء بهاء الدين –الباحثة المتخصصة في العلوم السياسية- أن التعامل المصري مع قطاع غزة فيما بعد الانقلاب اتسم بالسمات ذاتها التي طُبع بها تعامل نظام مبارك فيما قبل ثورة 25 يناير 2011 مع القطاع. ومن أهم السمات تلك الازدواجية بين الخطاب والممارسة، حيث اعتياد تأكيد الخطابات الرسمية على تأييد حقوق الشعب الفلسطيني ورفض الاعتداء عليه فيما الممارسة لا تصب سوى في صالح إحكام الحصار على الشعب الفلسطيني الأعزل لصالح الكيان الصهيوني. وأضافت في تصريح خاص ل"الحرية والعدالة" وما مطالبة رئيس الإدارة الانقلابية بالقمة العربية بالكويت والتي طالب فيها برفع الحصار عن غزة سوى خطوة على الدرب ذاته، فليخبرنا من يحاصر غزة إذن؟! أليست سلطات الانقلاب التي هو على قمتها؟! مشيرة إلى أن هذه المسوح والأقنعة لن تخفي بشاعة ممارسات سلطات الانقلاب اللامسئولة تجاه أهل غزة. وإن موقف وفد الانقلاب الرافض لتسليم مقعد سوريا بالجامعة العربية للمعارضة السورية بدلا من بشار الأسد لهو دليل جديد على منهجه القمعي المساند لأمثاله من قاتلي الشعوب، وازدواجية معاييره تجاه الثورة السورية أيضًا والتي يدعي بين حينٍ وآخر مساندتها.
وترى "بهاء الدين" أن هؤلاء الانقلابيين يعانون أيضًا انعدام الرؤية الاستراتيجية، فقد تمكن الرئيس محمد مرسي خلال فترة حكمه من التعامل مع مسألة الأنفاق والمعابر بشكل متزن عقلاني وإنساني في الوقت ذاته. فنعم هو رفض أي انتهاك للسيادة المصرية عبر أنفاق أو غيرها لكنه أيضًا لم يخنق أهلنا بغزة، فقد فُتحت المعابر بشكل منظم، وهو ما يحفظ الأمن المصري، فمن يدخل المعابر يكون معلوم الهوية. أما خنق قطاع غزة وإبادة أهلها وحرمانهم من حقهم الإنساني في التنقل دون سند قانوني له العديد من الآثار بالغة الخطورة على مصر. لا شك أنهم سيلجأون إلى حفر مزيد من الأنفاق مهما عمل الانقلابيون على تدميرها أو حتى سيلجأون إلى أي وسيلة أخرى للحصول على احتياجاتهم الأساسية وهو ما قد يكون أكثر ضررًا على أمن مصر.
ونبهت "بهاء الدين" إلى أن الانقلابيين لا يعبأون بهذا الأمن مهما ادعوا إنهم لا يحاصرون في غزة خطرا على مصر، وإنما يحاصرون تيارًا فكريًا بعينه هو التيار الإسلامي ويحاصرون إرادة شعبية اختارته، وكأنهم يودون كسر مسار التاريخ الذي لكل طرف حق المشاركة فيه والتجربة لتقتصر خيارات العرب على العسكر دون غيرهم. أيضًا تفقد مصر دورها الإنساني العالمي إذ تشارك في قتل مواطني غزة ومنعهم عن تلقي علاجهم الضروري وعدم مراعاة حتى الحالات الحرجة. ذلك في الوقت الذي تعد المواقف الإنسانية لأي دولة عنصر مهم لاكتسابها مكانتها العالمية. والأهم وسط كل هذا بحسب "بهاء الدين" كيف يتصور هؤلاء شكل الحدود المصرية؟ بالتأكيد هي ليست حدود الدولة القومية التي تنطلق من ضيق الحدود المرسومة إلى أفق الدور الواسع الذي يبني على كل نقطة رصيدا لدى دول الجوار لا أن يهدم المشتركات الثقافية والإنسانية لحساب عدو ظاهر للعيان، هم يريدون حدود الدولة المذعورة المنكفئة التي لا تصدر من حدودها إلا الصراعات. وهو ما يؤكده ما يُعلن بشأن وحدة جديدة بالجيش للحالات الطارئة في وقت يدعو فيه بعض من يُسمون خبراء استراتيجيون إلى القيام بعمليات ضد من هم على الحدود بشكل عام، أي أن هناك رغبة في تفجير الحدود من الداخل والخارج، وهذا صنيعة الأنظمة المستبدة.
وقالت "بهاء الدين" بالفعل إن الإسرائيليين يتأكدون يوما بعد يوم أنهم قد حققوا نصرا بانقلاب 30 يونيو 2013، فمن ناحية تنوب عنهم سلطاته في إذاقة الفلسطينيين صنوف العذاب، ومن ناحية أخرى، لا تدخر سلطات هذا الانقلاب جهدًا في تدمير عناصر القوة المصرية التي كانت قد بدأت استعادتها عقب ثورة 25 يناير، وهي ما كانت أكثر ما يخشى الصهاينة. وكانت قد وصفت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية "حماس" القيود التي تفرضها مصر على التنقل عبر معبر رفح مع قطاع غزة بأنها "جريمة ضد الإنسانية" وتسبب الإغلاق في منع وصول إمدادات طبية ومساعدات للقطاع ومنع سفر الآلاف من سكان غزة ومرضى يسعون للعلاج في الخارج. ومعبر رفح مغلق بشكل شبه كامل طيلة 9 أشهر منذ الانقلاب العسكري في مصر، وهو مغلق أمام حركة التنقل العادية منذ 46 يوما متصلة. وفي الوقت نفسه دمرت مصر أيضا أكثر من ألف من الأنفاق على الحدود مع غزة والتي يتم من خلالها دخول السلع الأساسية مثل الطعام والوقود إلى القطاع. أيضا تفرض إسرائيل قيودا مشددة على دخول السلع والأفراد إلى غزة.