يستمر الانقلاب في استخدام الدين لتبرير أفعاله المنكرة من جهة، ولتمرير كل ما يراه لإرهاب مؤيدي الشرعية، ولإيهام الآخرين من أتباعهم ومؤيديهم بأن الحق والدين معهم، مستخدمين في ذلك علماء على كفاءة في خلط الأوراق وقلب الحقائق، وإلباس الباطل ثياب الحق. وتأتي الفتاوى الأخيرة الخاصة بتطليق الزوجة المنتمية لجماعة الإخوان في هذا السياق، ورغم عدم التفات الكثيرين إليها؛ إلا أنها كشفت عن قناع يحوي تحته حالة من الحقد والبغض الشديد لكل ما يتصل بالإسلام وأهله، فهؤلاء لا يجاهرون بعداء الإسلام بشكل مباشر؛ وإنما برعوا في صناعة فزاعة تحت اسم "جماعة الإخوان" وال"الإرهاب" يلصقون بهم كل ما يريدون من جرائم، ويتحللون بنقدهم من كل ما يتصل بالإسلام الحنيف؛ زاعمين أن الجماعة لا تعبر إلا عن الضلال، والإرهاب. في حين أن المجتمع جميعه يشهد أن هذا الإرهاب المزعوم هو من يتم قتله وقنصه واعتقاله، دون أن يتجه هو للرد أو لإراقة قطرة دم واحدة.
وشكلت فتوى المدعو "مظهر شاهين" الذي كان يلقبه بعض شباب 25 يناير ب"خطيب الثورة" قبل أن يفصح عن وجهه الداعم والمؤيد للانقلاب؛ قمة هذا الإسفاف حيث أشار –شاهين- المقدم الحالي للبرامج على إحدى قنوات النظام الانقلابي؛ أنه من الأفضل للزوج أن يتخلى ويفارق زوجته "الإخوانية" -تروح تقعد عند أبوها، بحسب تعبيره- طالما ظلت على هذا الانتماء الذي وصفه ب"الإرهابي"، وكذلك للزوجة أن تفارق زوجها الإخواني، مؤكدا أن الرجل قد يجد مائة زوجة، والزوجة تجد 50 زوجا آخر بدلا من هذا.
ورغم زعم "شاهين" بعد أن ضاق عليه الهجوم والرفض لتلك الفتوى المجحفة، فكالعادة تعلل بأنه يقصد مفارقة من يمارس أعمالا إرهابية وتخريبية، في حين أنه بذلك قد أضاف جريمة على جريمة فتواه؛ حيث انطلق من مُسلمة أن الممارسين للعنف في المجتمع هم الإخوان، وليسوا هم من يقع عليهم الظلم والقهر والقتل أمام الجميع، وهو بتبريره لم يفعل أكثر من تأكيد الضلالات التي يحاول دعاة الانقلاب أن يزينونها للشعب ويجعلوها بديهيات لا تقبل الجدال؛ لتستقر في الوجدان بلا نقاش.
ومثله فعلت د. سعاد صالح -أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر- حيث نصحت أحد الشباب -لأنه ضابط شرطة- بفسخ خطبته من "الإخوانية". معللة ذلك بعدها بأنها تقصد واقعة محددة لا أكثر، في حين أنها قد ادعت في فتواها أن "هذه الجماعة انتقلت من كونها إسلامية إلى إرهابية"، كذلك فقد اتهمت الفتاة التي تنتمي للإخوان بأنها"مُسممة"، وأنه"لا يمكن أن يحدث نقطة تقابل بيننا وبين هؤلاء".. تقصد الإخوان.
وفي ردها -في مداخلة هاتفية لقناة أون تي في- لم تكتفِ بما قالته بل قالت إنه وإذا كان: "الإسلام قد أباح الزواج باليهودية والنصرانية، ولكن لم يصل هؤلاء -الكتابيات- لمثل هذا الإرهاب المروع -تقصد جماعة الإخوان ومن ينتمي لها-"وأردفت على من سألها معقبا هل تقولين إن في هذا التوقيت وفي ظل مشروعية زواج المسلم من يهودية؛ إلا أنه ومع انتشار الإرهاب فليس للمسلم أن يناسب من عائلات الإخوان"، فأجابت: "نعم أقول ذلك"..
كذلك فهي لم تقل فقط بفسخ الخطبة لأن العريس ضابط شرطة، بل زادت على ذلك ملوحة بالاتهام للعائلة التي وافقت على الضابط بسوء النية لقبولهم خطبة هذا الضابط، كما ألصقت تهمة الإرهاب بالإخوان مؤكدة عليها منطلقة منها وكأنها أمر لا يناقش.
ومن جانبها أصدرت دار الإفتاء بيانا تعقيبا على هذه الفتاوى حيث قال فيها الدكتور -مجدي عاشور- المستشار الأكاديمي للمفتي وأمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية- إن فتاوى الطلاق على وجه الخصوص لها اعتبار خاص؛ لتعلقها بالرباط المقدَّس بين الزوجين، وملامستها لنواة المجتمع وأهم مكوناته وهي الأسرة التي دعا الإسلام للحفاظ عليها، فقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21] بل قد حث النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- الزوجَ على الصبر على زوجته، فقال: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر). كما أكد عاشور أن الشرع الشريف ما شَرَّع أحكام الزواج والطلاق والفُرَقِ لتكون وسيلة لإثارة الشقاق بين الأزواج وخلق الأزمات بين الأسر، وإنما شرع ذلك ليكون وسيلة لتحقيق الأمن والسلام الاجتماعي.
وصرح بأن ما صدر من قول بتطليق الرجل زوجته لانتمائها لجماعة أو حزب سياسي هو رأي شخصي وليس ب "فتوى شرعية"، وقد شابه نوع من المزايدة بالمتغيرات السياسية، وليس أسباب الطلاق الواردة في كتب الشريعة؛ خاصة مع التحذير الشديد من التطليق بغير موجب، حيث قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- (إن أبغض الحلال عند الله الطلاق). في حين أضاف: لكن إذا ثبت تورط أحد الزوجين في أعمال إرهابية فالمرجع في ذلك إلى جهات التحقيق. وحذر عاشور من مثل تلك الفتاوى التي تسبب الاختلاف والفرقة والتشاجر بين أبناء المجتمع الواحد، وتهيب بأنه لا يؤخذ الفتوى في مثل هذه المسائل التي تحتاج تحقيقا وتدقيقا إلا من المتخصصين الذين مارسوا الإفتاء ووقفوا على دقائقه.
وعلي جانب آخر، فقد أثارت تلك الفتاوى الداعية إلى التطليق حالة من السخرية الشديدة بين نشطاء الفيسبوك، حتى إنهم قد رفعوا شعار: "عيش حرية زوجة إخوانية".
مزايدة سياسية من جانبه يستنكر تلك الفتاوى د. يحيى إسماعيل حبلوش -أستاذ الحديث الشريف وعلومه بجامعة الأزهر- ويقول: إنه لا يوجد أبلغ من الرد بقوله تعالى: "وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿117﴾".[النحل]. ويتساءل مستنكرا: وهل باستطاعة هؤﻻء أن ينطقوا بمثل هذا في شأن الشيوعي والشيوعية من اﻷزواج والزيجات؟!! ثم يربط بين تلك الفتاوى وبين أفعال أخرى، فيقول إنه ليس بعجيب هذا مع وجود من ينكر منهم معلوما من الدين بالضرورة والذي منه وجوب الحكم بما أنزل الله، أو وجود من استحل منهم شيئا حرمه الله كنقض العهود والحنث في اﻷيمان.
ومن جانبه يرى محمد فتحي النادي -الباحث في الفكر الإسلامي- أنه وللأسف هذه كلها فتاوى بطعم سياسي، وهي فتاوى تزيد من الشرخ المجتمعي القائم الآن، بل وتعمل على تفتيت المجتمع. وهذه فتاوى لتغذية الكراهية بين الشعب.
ومما يثير العجب أن–مظهر شاهين- كان بالأمس القريب يصلي مع الإخوان في ميدان التحرير واليوم هو يقول ذلك. فماذا لو كان الزوجان إخوانيين ما حكم زواجهما؟ وماذا لو كانت الزوجة مسيحية مؤيدة للإخوان كنفين ملك؟. وماذا لو كان الزوج مسيحيا مثل رامي جان ومايكل سيدهم من الرافضين للانقلاب؟ ويضيف -النادي- قلنا مرارا أن الأوطان تسع الأديان، وإذا كان الإسلام أحل زواج الكتابية أفلا يسع أن يتزوج المسلم من مسلمة اختلفا فكريا!! والخلاصة أن هذه الفتاوى من الناحية الشرعية حكمها حكم المنعدم لأنها صادرة إما تحت تأثير الهوى أو ممن ليس متأهلا للإفتاء.
وحول التوقيت وهل له دلالات معينة -يردف النادي- مشيرا إلى أن العنصر النسائي قد أصبح من الأمور الفاعلة في اللعبة السياسية؛ فقد أثبتت المرأة أنها تستطيع أن تؤثر في مجريات الأحداث، وإذا غاب الرجال أو غُيبوا فقد رأت المرأة أن عليها عبئا يجب أن تنهض به، وقد وعى الآخرون ذلك فدعوا المرأة إلى النزول للمشاركة في الاستفتاء -على وثيقة دستور الدم- وقد كان لهذا النداء أثره في الحشد للاستفتاء، ومن ناحية أخرى فهم الآن يعملون على شغل المخالفين لهم بأمور اجتماعية حتى يخلو لهم الجو السياسي.
وسطية بالمزاج وفي السياق نفسه يقول عصام عبد الرحمن -الإمام والخطيب بالأوقاف والباحث في الشريعة الإسلامية-: مثل تلك الفتاوى مردودة ويجب الرجوع عنها، وليس لهؤلاء أن يزعموا أنهم يقدرون هم المصلحة، فلا وجه لمصلحة غالبة هنا، وللأسف أصبحت مثل تلك الفتاوى الخادمة للانقلاب تصدر هذه الأيام ليس إلا للبحث عن مصلحة خاصة ممن يصدروها.
ويردف مؤكدا: إن محاربة الإسلام الحنيف لا تأتي مباشرة، ولكن يتم ذلك عبر الدفاع عما يدعون أنه "الوسطية" حتى صارت الكلمة مطاطة في أذهان وأفهام البعض، وغابت عنها ضوابطها الحقة. فقد يكون الانقلاب قد لاحظ ما تبقى لدى البعض من مؤيديه من ضمير ودين؛ ولذا يبادون في كل موقف لإماتة هذا الضمير وتفريغ هذا الدين من محتواه. ويتم ذلك عن طريق تصدير فكرة أن الانقلاب ومن على شاكلتهم هم المعبرون عن "الدين الوسط" ومن سواهم خاصة من الإخوان، فهؤلاء هم الهمج المتشددون الإرهابيون. وكل ذلك حتى يشعر المؤيدون للانقلاب أنهم على الحق، وبعد ذلك تصدر لهم مثل تلك الفتاوى وغيرها، حتى صرنا نرى الناس ترقص باسم الوسطية وتقتل باسم الوسطية وهكذا...
ويضيف -عبد الرحمن- أن الهدف من تلك الفتاوى قد يكون تهيئة الناس لما هو أكبر من ذلك قريبا وسيحتاج إلى فتاوى مماثلة، أو ربما إشعار الناس بأن الدين الذي يتبناه الإخوان وغيرهم هو محض ضلال وتشدد. فأنا أكاد أجزم أنّا بصدد اختراع دين ثالث لا إسلام ولا نصرانية ينتج فردا مسخا لا يعرف دينه في حين يشعر في نفسه أنه على خير فيتقبل كل ما يُقال له. خاصة وأن الفهم الصحيح اليوم ضريبته فادحة قد تكلف النفس.