حملة "مصر الدفيانة".. حلقة من مسلسل التسول من الخارج الذى تنتهجه حكومة الانقلاب العسكرى الدموى منذ يوليو الماضى ولا تجيد سواه فى مواجهة المشكلات والأزمات الطاحنة التى جلبها الانقلاب الأسود لمصر وللشعب المصرى، وعادة ما تلجأ هذه الحكومة إلى هذه الأموال فى حل الأزمات الاقتصادية الطاحنة وتهدئة الأوضاع لكنها سرعان ما تطفو ثانية على السطح؛ لأن هذه المساعدات والمعونات والقروض لا تعدو إلا أن تكون مسكنات فقط وتظهر الأزمات ثانية فور انتهاء مفعولها. عكفت الدول الداعمة للانقلاب العسكرى الدموى فى مصر ومنها السعودية والكويتوالإمارات على تقديم المنح والمساعدات لحكومة الانقلاب، حيث قدمت لمصر معونات تُقدر ب 12 مليار دولار خلال الفترة الماضية منها 7 مليارات كودائع فى البنك المركزى و5 مليارات مشتقات بترولية. إن كانت هذه الدول قد أيدت الانقلاب ودعمته إلا أن دعمها الاقتصادى هذا لن يستمر طويلا؛ فدولة كبيرة مثل مصر لا يمكن أن تعيش على أموال ومعونات الخليج مع تزايد أعداد سكانها، واتضح ذلك عندما أعلن الشيخ منصور زايد نائب رئيس الوزراء الإماراتى لحازم الببلاوى رئيس وزراء حكومة الانقلاب فى زيارته الأخيرة أن الدعم العربى لن يستمر طويلا وعلى مصر أن تبحث عن حلول غير تقليدية لأزمتها الاقتصادية الراهنة. ولعل سياسة التسول تُنذر بالفشل الحتمى لسياسات حكومة الانقلاب الاقتصادية، وذلك لأن النجاح الاقتصادى دائمًا مرهون بالتخطيط لسياسة اقتصادية تعتمد بالأساس على التنمية والإنتاج وليس التسول والاقتراض كما هى حال حكومة الانقلاب. "مصر الدفيانة" حملة "مصر الدفيانة" أطلقها الإعلاميان عمرو أديب ومحمد مصطفى شردى –المؤيدان للانقلاب- لجمع مليون بطانية بقصد توفير البطاطين لصعيد مصر والأرياف نظرا لتعرض مصر لانخفاض مفاجئ فى درجات الحرارة لم تشهده منذ وقت بعيد. وناشد عمرو أديب المستشار عدلى منصور –المعين من سلطة الانقلاب- بإعطاء تعليمات لوزارة الخارجية والسفارات المصرية بتسهيل العقبات أمام دخول الملابس التى يتبرع بها المصريون فى الخارج، وبالفعل أعلن أنه سيتواصل مع وزارة الخارجية لتسهيل العقبات أمام تبرعات المصريين فى الخارج، لاستقبال الملابس منهم وإعفائها من الجمارك. وقال منصور فى مداخلة هاتفية مع برنامج "القاهرة اليوم": "أنا ميرضنيش إن حد فى مصر يكون بردان، وغدًا سأتواصل مع الخارجية وسنذلل أى عقبات لتبرعات المصريين بالخارج". وعلى الفور أعلن الاتحاد العام للمصريين بالسعودية عن تشكيل فريق عمل من أعضاء الاتحاد وأبناء الجالية المصرية لتلقى التبرعات العينية، التى تم تحديدها ببطاطين جديدة فقط فى هذه المرحلة، على أن يبدأ الاتحاد من خلال منسقى الحملة والمتطوعين جمع البطاطين واستلامها من الراغبين، أينما كانوا فى مناطق المملكة، أو عبر تسليمها إلى مقر الاتحاد بالرياض وبالمناطق، ومن ثم إرسالها إلى الحملة المركزية فى مصر التى ستقوم بتوزيعها على المستحقين. هذه الحملة تبين استمرار مسلسل "الشحاتة" من الخارج، وتمثل إهانة كبيرة لمصر وامتهانا لكرامة المصريين، فمن الأولى أن تقوم الحكومة الانقلابية الفاشلة بتوفير الاحتياجات اللازمة للمواطنين وتترك الأعمال الخيرية هذه للجمعيات الخيرية تقوم بدورها. مساعدات الخليج المساعدات فى ذاتها مقبولة بالنسبة لأى دولة تمر بظروف استثنائية إلا أنها إذا تم الاعتماد عليها بشكل أساسى فإنه يكون غير مقبول، ورغم حجم المساعدات الكبيرة التى حصلت عليها مصر عقب الانقلاب الدموى على الشرعية إلا أن الحكومة الانقلابية فشلت فى توظيف هذه المساعدات بما يخدم الاقتصاد المصرى فى ظل كبوته الحالية، بل على العكس زادت الأوضاع سوءًا، والغريب أنه فى ظل تردى الأوضاع الاقتصادية هذه أن حكومة الانقلاب لم تتوقف عن الإشادة بدور الدول التى دعمت مصر بعد الانقلاب وما قدمته من مساعدات مالية. ولعل أزمة السولار والبنزين التى ظهرت مؤخرا وتعامل حكومة الانقلاب معها خير دليل على أنها لا تجيد سوى التسول لحل الأزمات، حيث كان هناك أزمة طاحنة فى نقص أسطوانات البوتاجاز وكانت مرهونة بوصول المساعدات التى تعهدت بها المملكة العربية السعودية بعد الانقلاب، والتى منها إرسال شحنات مجانية من الغاز الطبيعى لا تقل عن 150 ألف طن وهو ما يقدر ب165 ألف دولار، فضلًا عن تقديم مساعدات مالية تقدر ب5 مليارات دولار، تشمل مليارى دولار وديعة نقدية بالبنك المركزى، ومليارى دولار أخرى فى شكل منتجات نفطية وغاز، ومليار دولار منحة نقدية. اعتمدت حكومة الانقلاب بشكل أساسى على المساعدات السعودية ولم تخصص أى مبالغ مالية لشراء واستيراد كميات غاز جديدة، وهو ما كان سببًا مباشرًا فى تفاقم الأزمة واشتعالها، خاصة مع تأخر المساعدات السعودية فيما يتعلق بالمنتجات البترولية مما وضع الحكومة الانقلابية فى مأزق ولم تجد مخرجًا سوى استعجال السعودية بتقديم المساعدات التى وعدت بها كحل وحيد للخروج من الأزمة. وكانت دولة الإمارات قد قدمت مساعدات مالية تجاوزت 3 مليارات دولار عقب انقلاب 30 يونيو، ومن المخزى أنها قامت بتعليق بوسترات فى ميادينها وشوارعها وتحديد أرقام هواتف خاصة بهدف جمع تبرعات زكاة الفطر للشعب المصرى، وقدمت الكويت حزمة بقيمة 4 مليارات دولار، تشمل مليار دولار متمثل فى نفط ومشتقات نفطية، إلى جانب مليار دولار كمنحة ومليارى دولار كوديعة فى البنك المركزى المصرى، كما قامت دولة الكويت بإرسال رسائل هاتفية لمواطنيها تحثهم على إعانة أشقائهم المصريين بسبب الأزمات الاقتصادية التى يمرون بها. وكأنها بلا اقتصاد وتعليقا على هذه الحملة يقول عبد الحافظ الصاوى -الخبير الاقتصادى- "مسألة رعاية المواطنين بكافة أشكالها تعد من أهم واجبات الدولة وتقع على عاتقها وبالتالى لا يصح لدولة بحجم مصر ولها ثقلها الإقليمى والدولى أن تعتمد على المساعدات والمعونات سواء كان ذلك لسد عجز الموازنة أو تمويل المشروعات الاستثمارية وكذا تمويل أضرار الشتاء وكأنها دولة بلا اقتصاد أو موارد مالية". ويضيف الصاوى: إن "المؤسسات الأهلية المصرية كفيلة بأن تقوم بعمل رائع يتمثل فى الجمعيات الخيرية الإسلامية خاصة إذا رفعت الدولة يدها عنها"، مؤكدا أن هذه الحملة لن تكون الحلقة الأخيرة من التسول من الخارج بعد أن أصبح التسول يحدث فى كل شىء؛ لذا لا يصح أن يحدث ذلك. وتابع: "من حق الدولة أن تطلب مساعدات فى الظروف الاستثنائية التى تتعرض لها لكن كونها تعتمد عليها بشكل أساسى فهذا لن يكون مقبولا"، مشيرا إلى أن مصر تلقت مساعدات من الدول العربية بعد نكسة 1967، وأيضا تلقت مساعدات بعد أحداث زلزال 1992 كانت تُقدر ب 9 مليار بسبب موقف مصر من دول الخليج آنذاك. ويشير الصاوى إلى أن الوضع الاقتصادى المصرى الآن والحالة التى وصل إليها من التدهور ليس وليد اللحظة حيث يرجع إلى ما قبل ثورة 25 يناير بفترات طويلة، فهذه المشكلات متضادة فهناك مشاكل فى البطالة والتضخم بالإضافة إلى زيادة معدلات الفقر والعجز فى الميزان التجارى، مؤكدا أن جميعها تمثل معضلة -إن صح القول- وليس مشكلات. استكمال "الشحاتة" من جانبه يرى عبد الله شحاتة -أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة- أن حملة "مصر الدفيانة" تعتبر استكمالا واستمرارا لمسلسل "الشحاتة" والتسول من الخارج، قائلا "من المقبول أن يتم عمل حملات تبرع فى داخل مصر لكن تلقيها من الخارج غير مقبول ويعد مهانة كبيرة لمصر وتمثل فضيحة وكارثة". ويقول شحاتة: "الاقتراب من الدول فى الخارج شىء مقبول وكذا قبول المعونات، لكن هذه الحملة فضيحة لحكومة الببلاوى الانقلابية لأنه فى الوقت الذى تقول فيه "بكرة تشوفوا مصر" فهى غير قادرة على توفير الاحتياجات الأساسية للغلابة". ويضيف: "الجمعيات الأهلية قادرة على القيام بمثل هذه الحملات، لكن الانقلابيين يستغلون هذا الموضوع ويفعلون مثلما تفعل قوات الجيش بتوزيع الزيت والسكر لدفع الناس للاستفتاء والتصويت بنعم للدستور". وتابع أستاذ الاقتصاد: "عندما تفاقمت أزمة البوتاجاز والسولار فى الفترة الماضية، انفرجت هذه الأزمة بعدما قامت دول الخليج بمنح مصر ما يعادل قيمة 5 مليارات مشتقات بترولية"، مشددا على أن هذه المشكلات ستظهر بشكل أكبر مع بداية شهرى يناير وفبراير، خاصة وأن دول الخليج بدأت تقلل "الحنفية المفتوحة باستمرار". ويوضح شحاتة أن حجم المعونات التى قدمتها دول الخليج لمصر تُقدر ب12 مليار منها 7 مليارات أودعت فى البنك المركزى و5 مليارات مشتقات بترولية، موضحا أن هذه المساعدات لا تعدو عن كونها مسكنات ولا تقدم حلولا جذرية، منوها إلى أن الاحتياطى النقدى احتمال ينخفض عن 17 مليار دولار، وهنا ستبدأ الأزمة تشتد وستؤثر بالطبع على سعر الدولار حيث سيرتفع، وهذا بدوره سيؤثر على المنتجات البترولية خاصة وأنه يتم استيرادها من الخارج بشكل يومى.