"إسكان النواب": وقف تراخيص البناء أدى لتعطل 17 مهنة تعمل فى البناء    خبير: وجود أمريكا فى المنطقة سيمنع إيران من التدخل بالحرب إذا أرادت    القاهرة الإخبارية: أعداد النازحين إلى بيروت تتغير بين ساعة وأخرى    بعد محاولة اغتياله.. حزب الله يكشف مصير حسن نصر الله    السيارة تهشمت.. الإعلامية لمياء فهمي عبد الحميد تتعرض لحادث مروع    رئيس جامعة القاهرة يشهد حفل تخرج دفعة جديدة من كلية العلوم    قرار استثنائي من قناة mbc مصر بخصوص نقل مباراة الأهلي والزمالك    تشكيل برشلونة المتوقع أمام أوساسونا في الدوري الإسباني    توتنام مهدد بالحرمان من سون أمام مانشستر يونايتد    سون مهدد بالغياب عن توتنهام في قمة مانشستر يونايتد    «أمطار وشبورة على عدة مناطق».. بيان مهم من الأرصاد بشأن حالة الطقس غدا السبت ودرجات الحرارة (تفاصيل)    حقيقة إضافة التربية الدينية للمجموع.. هل صدر قرار من وزارة التعليم؟    المشاط تشيد بالعلاقات المصرية الكندية وتبحث تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص    توقعات عبير فؤاد عن مباراة الأهلي والزمالك.. من يحسم الفوز بكأس السوبر؟    في يوم السياحة العالمي.. أسعار تذاكر المتاحف والمناطق الأثرية    أبرز لقطات حفل زفاف هاجر الشرنوبي على المنتج أحمد الجابري.. كاجول وطلبة وبحر    نائب وزير الصحة والسكان تتفقد وحدة أسرة سيدي بشر    كيف يمكن لأمراض القلب الخلقية غير المشخصة أن تسبب مشاكل لدى البالغين    جراحة عاجلة للدعم فى «الحوار الوطنى»    محمد علي رزق:"يارب ياعالي انصر الأهلي الغالي"    زلزال جديد يضرب إثيوبيا.. وعباس شراقي يحذر: سد النهضة قنبلة مائية موقوتة    عودة لقانون 2008.. إجراءات جديدة لتسهيل استخراج رخص البناء بدءًا من الغد    «حياة كريمة» توزع 3 آلاف وجبة غذائية ضمن مبادرة «سبيل» بكفر الشيخ    نتنياهو: لا يوجد مكان في إيران لا تستطيع إسرائيل الوصول إليه    مصرع 3 وإصابة 11 شخصًا.. روسيا تستهدف مدينة إزميل الأوكرانية    سياسية المصرى الديمقراطى: نحن أمام حرب إبادة فى غزة والضفة    المنيا تحتفل غدا باليوم العالمي للسياحة على المسرح الروماني    أذكار الصباح والمساء في يوم الجمعة..دليلك لحماية النفس وتحقيق راحة البال    كل ما تحتاج معرفته عن حكم الجمع والقصر في الصلاة للمسافر (فيديو)    اتهام بسرقة ماشية.. حبس المتهم بقتل شاب خلال مشاجرة في الوراق    رئيس جامعة الأزهر يعلن جاهزية الكليات للعام الدراسي الجديد، غدا    استشاري تغذية: الدهون الصحية تساعد الجسم على الاحتفاظ بدرجة حرارته في الشتاء    علي جمعة: من المستحب الدعاء بكثرة للميت يوم الجمعة    محافظ أسوان يؤدي صلاة الغائب على شهيد الواجب معاون مباحث كوم أمبو    آس: راموس لم يتلق أي عرض من الزمالك    انتصارات أكتوبر.. "الأوقاف": "وما النصر إلا من عند الله" موضوع خطبة الجمعة المقبلة    محافظ الفيوم يعلن نجاح أول عملية قلب مفتوح بمستشفى طامية المركزي    أيمن بهجت قمر: «تامر حسني بيحب يغير في كلمات الأغاني» (فيديو)    رئيس هيئة المحطات النووية يزور معرض إنجازات الصناعة الوطنية الروسية    بدء تطبيق المواعيد الشتوية لغلق المحلات.. الحد الأقصى العاشرة مساءً.. زيادة ساعة يومي الخميس والجمعة.. وهذه عقوبة المخالف    انطلاق فعاليات ماراثون الجري بالزقازيق    الكاف يستعرض مشوار الأهلي قبل انطلاق السوبر الإفريقي    النيابة تطلب التحريات حول فنى متهم بالنصب على مصطفى كامل    مصرع تلميذة سقطت من أعلى مرجيحة أثناء لهوها بقنا    إطلاق حملة ترويجية دولية لمصر احتفالاً بيوم السياحة العالمي    توجيهات لوزير التعليم العالي بشأن العام الدراسي الجديد 2025    محافظ بني سويف يتابع الإجراءات والحلول المنفذة بشأن شكاوى ومطالب المواطنين    وزير السياحة: اهتمام حكومي غير مسبوق بتعزيز مكانة مصر في الأسواق السياحية    رئيس الرعاية الصحية والمدير الإقليمي للوكالة الفرنسية يبحثان مستجدات منحة دعم التأمين الشامل    باكستان تؤكد رغبتها في تعزيز التعاون الثنائي مع نيبال    مواعيد مباريات اليوم 27 سبتمبر.. القمة في السوبر الإفريقي ومونديال الأندية لليد    غلق الدائري من الاتجاه القادم من المنيب تجاه المريوطية 30 يوما    سيميوني: أتلتيكو مدريد يحتاج لهذا الشئ    إطلاق صواريخ من لبنان على حيفا    ولي عهد الكويت يؤكد ضرورة وقف التصعيد المتزايد بالمنطقة وتعريضها لخطر اتساع رقعة الحرب    خالد الجندي: لهذه الأسباب حجب الله أسرار القرآن    حريق كشك ملاصق لسور مستشفى جامعة طنطا (تفاصيل)    أحمد الطلحي: سيدنا النبي له 10 خصال ليست مثل البشر (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا كينييلا ....أتليتكو مدريد "جحيم النوستالجيا" (1)
نشر في في الجول يوم 04 - 01 - 2012

حمامة عرجاء تستقر عند نعليه الرياضيين باللون الرمادي المشقوق ، يتناول الحمامة بين يديه ، يضعها إلى كتفه ، يرسم ضحكة قصيرة بلا صوت ، عم بيدرو لا يخجل من تلك الضحكة التي تكشف عن فم منزوع صف الأسنان الأمامي الخاص ، في النهاية يقبع ضرس باللون الذهبي ، إنشغاله بالحمامة الراغبة في الطيران يسمح لك بالتمعن لمدة اطول في أوراق الياناصيب وذلك المتحف الذي يضعه على صدره ، الصفائح المعدنية لأشكال وألوان والشعارات الحمراء والزرقاء والبيضاء ، يلفت نظرك جيفارا مرتدياً ألوان أتليتكو ، صفيحة معدنية مستديرة وحيدة بالأبيض والأسود تعرض صورة مأخوذة من طائرة لملعب ، العم بيدرو يلتقط عينيك بحكم مهنته كاشفاً عن معالم اكبر من فمه في ضحكة أكبر:"لقد كنت برفقة والدي في ذلك الملعب يوم إفتتاحه ، كان عندي 7 سنوات وفي حضور فيسينتي كالديرون نفسه، لعبنا أمام فالنسيا وأحرز أراجونيس هدفاً يومها ، كان يوماً رائعاً". بيدرو يشير بيده خلف ظهره إلى نفس الملعب وقد أصبح في أغليه زجاجياً ومن أعلى إسم فيسينتي كالديرون ، "لقد تغيرت الأزمنة الآن ، هل تريد شراء تلك الصفيحة لأراجونيس شاباً؟ .. إنها بثلاث يوروهات".
نفس الحاسة التي يلحظ بها بيدرو انك غير راغب في بضاعته ، هي نفس الحاسة التي تجبر بائعي تذاكر السوق السوداء على التقاط حيرتك أو ترددك ، تلك الرغبة في دفع كل ما تملك من أجل تذكرة وتلك الحيرة في التضحية مصروفات المنزل حتى نهاية الشهر ، يحومون كالصقور التي تبحث عن ضحاياها ، رمشة عين واحدة ستجد التذكرة مشهرة في وجهك، (مباراة أتليتكو مدريد – فياريال ، الأسبوع العاشر 30 أكتوبر 2005) ، إذا أطلت في التردد خمس ثواني فأنت تثير عصبيتهم ، تلك النظرة التي عنوانها "لاتجعل جبنك يضيع وقتي أرجوك" ، يلمحك من بعيد ثنائي شديدي الشبه ببعضهما البعض حتى في نظارات الشمس من عهود الماتريكس ، سيعرضان عليك تذكريتهما بسعر واحدة ، بعد أن تقبل العرض سيسارعان بالضحك عليها في نظرة عنوانها"هل أنت مجنون؟". خوان ميجيل وخوان خوسيه سيسحبان منك التذكرة ، ليخبرك الأول عن أن هناك حانة ستكون مغلقة في قرية صغيرة في إكسترامادورا للمرة الأولى في يوم من أيام نهاية الأسبوع ، حانتهما تلك ستكون بلا أضواء ، من أجل رحلة ساعات لحضور المباراة ، لا تحاول سؤالهما ما إذا كان الأمر يستحق ، لإن خوان خوسيه سيعطيك نظرة "هل أنت جاد في سؤالك؟" ، ولكنه يكتفي بالإشارة إلى الساحة القابعة أمام الكالديرون أمامه:"هل ترى كل هذا الفراغ؟ من هذا المكان كان يخرج 20 باصاً إلى إيخيدو وإليتشي وأخر الدنيا عندما هبطنا إلى القسم الثاني ، لقد ذهبنا معهم إلى أخر الجحيم ، هذا ما يجعلنا مميزين عن ريال مدريد ، مشجعي الريال سيتركونه في العراء".
ابتسامة خفيفة من الأخوين فيها الكثير من الثقة ، يقطعها سؤال صبي في السابعة عشرة من عمره عن الساعة ، خابي يرسم ابتسامة أشبه بكلمة السر بين الجميع لدي سماعه إسم الريال ، خابيير يقرر الذهاب للمتجر الرسميي للتعرف على أخر الأسعار ، خابي كبقية أبناء سنه مختال ، قبل أكثر قليلاً من 100 عام كان حفنة الصبية الطلبة مثله من الباسك قد قرروا إنشاء فريق لهم في العاصمة ، أليس كل الطلبة والصبية هم بداية كل ذلك السيرك في كل مدينة بهذه القارة ، بهذا الكوكب ، خابي يعلم أن فريقه المفضل لم يفز سوى ببطولة للدوري وبطولتين للكأس ، هبط للقسم الثاني خلال سنواته ال17 ، ربما سأم قصص جده التي لا تنتهي ، والتي تبدو أنه قادمة من مجرة أخر ، خابي سيلحظ أنك ترمقه بنظرة شاملة تمسح إلتزامه العقائدي ، شال بالألوان الثلاثة المميزة ب 16 يورو ، سترة قطنية حمراء ب 45 يورو ، كاب قطني للرأس داكن اللون يخص الزي الإحتياطي للفريق ب 12 يورو ، حقيبة رياضية – مدرسية عليها الشعار الشهير ب 22 يورو ، ما الذي يجعل فتى في مقبل حياته تتنظره العديد من الألقاب يختار ذلك المصير المظلم ، سيجيبك الفتى دون أن ينظر إليك ، دون أن يرمش بعينيه ، يخلع خابي الكاب كاشفاً عن عرف الديك المميز لفيرناندو توريس ، ذلك العرف التي ستجده في كل عربة مترو ، في كل طابور سوبر ماركت ، كل برنامج للمراهقين في التلفاز ، فتى الغلاف ، عرف الديك لبيضة من الذهب ، "ما الذي سيحدث لو توريس غادر الفريق؟ لا أعلم ربما سنعاني" ، هكذا سيخاطبك ، كأب يعلم أن ابنه سيغادر المنزل عاجلاً ام آجلا :"لو غادر لا أريد رؤيته في برشلونة فأنا أمقتهم ، أنا أمقت فالنسيا أكثر ، ولكني لا أريده في البارسا ، فليذهب إلى إنجلترا".
خابي يقف عند بوابة "الدويليتي" أو "الثنائية" ، المتجر الرسمي للنادي ، أمام صورة كبيرة لتوريس منطلقاً بالكرة ، إلى جانبها تاريخ 1903 تاريخ تأسيس النادي ، خابي سيصحبك للداخل ولكنه سيختفي وسط الحضور الباحثين عن سترات التدريب الإحتياطية ، الجوارب ، قداحات ، ساعات أنيقة ، الأقلام الباهظة الثمن ، الملابس الداخلية ، ملابس الرضع ، أطباق فخارية ، هدية لزوجتك ، كل هذا يحمل شعار أتليتكو ، مصمم ذلك المكان هو غبي وعبقري ، كيف يمكن أن يصنع متجراً تصبح معه البضاعة قطع خرداوت إلى جانب الجدران الحمراء والزرقاء التي تعرض أتليتكو الحرب الأهلية عندما كان إسمه نادي الطيران ، تدرك دمويته عندما ترى صورة إيلينو إيريرا "مورينو العصور الوسطي" بجانب الفريقين الفائزين ببطولة الدوري عامي 50 و 51 ، صورة إنريكي كويار تحتل أحد الأعمدة ، 18 عاماً برفقة هذا النادي طيلة الخمسينات وحتى نهاية الستينات ، كعامل لم يتخلف يوماً عن مصنعه ، تلك القمصان الحريرية ، الشرائط الحمراء القانية على لون أبيض ، الشعار يحتل مكان القلب ، لا يمكن التغاضي عن النظر إلى السقف وكأنك كنيسة سيستينا بالفاتيكان وكأن مايكل أنجلو كان "كولتشينيرو" من قرون مضت ، تتبع طفل في السابعة تلك النقاط البيضاء التي ترسم مسيرة النادي من المهد ، تمر بكل بطولة كأس ، بكل بطولة دوري ، إنه خط لا يذكر الإنتكاسات ، ينتهي عند نقطة "ثنائية الكأس والدوري موسم 95- 96" ، عند صورة بالحجم الطبيعي لكيكو بأسلوبه الأسطوري في الإحتفال ، رامي السهام على الطريقة الأغريقية ، في كل مرة كان يشعل قلوب جيل كامل حتى لو كنت كارهاً لناديه ، كارهاً لذلك القميص الذي يحمل علامة ماربييا". وهي العلامة التي أجبرت زوجين من الزبائن في منتصف الأربعينات على التوقف قليلاً ، قبل أن يذكر الرجل زوجته بضرورة دخول الملعب ، يحمل يديها في رفق ، كلاهما يضع قميص الأتليتكو الخاص بتوريس ، يتضاحكان ، ربما تذكرا فوز فريقهما بلقبين في أسبوع واحد في تلك الظهيرة العجيبة من مايو 1996 ، ربما تذكرا خيسوس خيل الرئيس السابق.
بعد المرور من البوابة الإلكرتونية يدخل الإثنان ممرات الكالديرون وكأنهما في غرفة معيشتهما ، إنه ليس مزاراً ، مكان غير مستعد لوضعه في كارت بوستال ، لا يوجد سياح من اليابان ، لا توجد لافتات "تزوجني يا راؤول" ، "أحبك يا جوتي" ، يوجد ذلك اللون الرمادي الأسمنتي الي ينتمي لأفقر أندية إنجلترا في السبعينات ، كل سنتيمتر يبلغك بأنه هنا ليس لقضاء وقت ممتع ، بل لمشاهدة كرة القدم فقط ، التعرجات في الأرضية الأسفلتية ، التشققات في الحوائط ، رسم لنجمة داوود باللون الأسود ، فوق تلك النجمة علامة إكس باللون الأحمر ، جملة بنفس اللون الأسود "تذكروا دائماً موناكو ..موناكو 3 – 1 ريال مدريد" ، في إشارة لمواجهة دوري الأبطال عام 2004 التي خرج منها أولاد العم بخيبة الأمل ، رائحة المقاعد الممزوجة بأمطار اليوم السابق ، اللون الداكن لبقايا تلك الأمطار وإمتزاجها بالتراب ، دخان الماريوانا الذي يخرج بثقة برائحته من مصدر غير معلوم ، ربات البيوت ، الصبية في سن العاشرة ، الفتيات المراهقات صاحبات الأسلوب الفظ في الحديث أو ما يطلق عليهن "التشونيس" ، نوبات الرياح التي تفتت عظامك ، عليك الإعتماد على فرائك الطبيعي ، لا توجد مدفئة البيرنابيو التي تذكرك بحنانها من سقف الملعب ، توجد فقط مجلة النادي الرسمية التي يتم توزيعها مجاناً ، وعلى غلافها ...فيرناندو توريس
تلك الآلاف التي تتحرك في الكالديرون مثل إلكترونات هل تبحث عن مقاعدها فقط؟ تجد شاب يستقر على بعد أربع مقاعد منك ، تحاول ان تسأله بصوت خفيض ما إذا كان الأتليتكو مازل يمثل الطبقة العاملة في العاصمة ، الإجابة كانت "عاملة؟!!" ، ولكن لم تكن من فم الشاب ، بل من فم ألفونسو ، كهل في النهاية الخمسينات من عمره يجلس في الصف الأمامي ، يحاول أن يعدل من وضع نظارته الطبية بعد إنفعاله وبنطاله الذي يتحمل كرشاً عريضاً ، يطرح السؤال مجدداً :"أي عاملة؟!!" ، حدة صوته تبدو وكانها أجبرت الكالديرون كله على السكوت لثواني معدودة ، إنتظاراً للإجابة على سؤال يبدو أنه سبب أرقاً كبيراً لهم ، زوجة الرجل تدفن رأسها في كفيها بابتسامة لإنها تعلم أن زوجها سيتخذ الجميع كرهائن ، "لم تعد هناك عاملة أو غير عاملة ، لقد أختفى كل شيء ، في ذلك المكان لا يتحدث سوى المال ، أنت حالم ، إنها أصبحت أسطورة ، هل ترى هناك أي طبقة عاملة؟ ألفونسو يشير بإصبعه إلى يمينه ، إلى أقصى اليمين ، لم يكن يشير إلى الفراغ ، نهاية المسار كانت المقصورة الرئيسية ، تلك الإضاءة الخافتة الرومانسية ، تلك المقاعد الجلدية السوداء الفاخرة ، تلك المؤخرات التي جلست على تلك المقاعد طيلة ما يقرب من أربعين عاماً ، فيسينتي ، "الأب الذي كان عليه أن ينقذ العائلة" ، كل من خلفه ولم تمكن من معاجلة أسطورته ، خسوس خيل "إمبراطور ماربيا" ، رجل الأعمال العصامي ، أثار سيجاره الكوبي مازال يمكن الشعور بها في كل مكان، قضايا الفساد التي طالما لاحقته ، إختلاس أسهم بعد تحول النادي إل شركة مساهمة في 92 ، عائلته بقيادة الوريث ميجيل آنخيل خيل مارين والنائب السابق والمنتج السينمائي إنريكي ثيريثو هي التي تجلس الآن، ألفونسو يسأل مجدداً : هل هذه هي العاملة؟!!".

كيكو .. رامي السهام على الطريقة الأغريقية
وحده الحكم بيريث لاسا أنقذني من وجه ألفونسو الغاضب ، وخوسيه الشاب الذي إتخذ المقعد المجاور لي ، شاب في مطلع الثلاثينات كثير الإعتذار ، ما أن استقر نهائياً في موضعه شرع في نزع الغلاف الألومينيوم لشطيرة البيض باللحم التي أعدها قبل أن يسألك:"تفضل فأنا أمتلك شطيرة اخرى؟" ، الأدب الجم لخوسيه سيتحول إلى ميكروفون غضب لكل كرة يلمسها المدافع بابلو إيبانييث ، لكل فريق حلاجه الذي يتم التنكيل به ، وبابلو هو حلاج الأتليتي في الألفية الجديدة ، إنه الكارثة ، إنه الأخرق ، جدك السابع عليه أن يتلقى كل هذه اللعنات بصدر رحب ، ذلك التشاؤم الذي كان يغلف الأجواء يختفي مع زايينيوس يضع أصحاب الأرض في المقدمة بعد خمس دقائق ، في الفريق الذي يخوض دوري الأبطال ، الفريق الذي أذهل الجميع في الموسم الماضي بتشكيلته .."فياريال اللاتيني" ، أو بمعنى أخر الفريق الذي أحتل المكانة التاريخية للأتليتكو ، بعض الغضب ، الكثير من الحسد ، قليل من الإحترام ، ذلك الجمهور فرح بالتقدم ولكنه لا يشعر بأنه يستحقه ، فريق يتراجع للخلف ، بيريا مازال يرتكب الأخطاء ، ماكسي روديجيز يتحرك لكن دون فعالية ، هل جابي وزايينيوس هما سيميوني وكامينيرو الجدد؟ (سؤال به الكثير من الاستهزاء) ، كيزمان "القنبلة" في الصحف فقط ، الجمهور يعتبر توريس هو إبن له ولكنهم إذا أرداوا إقامة تمثال فسيكون لمارتن بيتروف ، ذلك البلغاري القصير هو كل ما يريده الكالديرون ، فأر يلتهم عشب الملعب في كل إلتحام ، يريد رؤية قميصه متسخاً ، كل كرة ضالة من دفاع الخصم هي فرصة هدف في المستقبل ، بيتروف هو ذلك الطيف الذي يذكرهم بالصربي ميلينكو بانتيش ، الطيف الخاص بجيل رادومير انتيش في 95 – 96 ...تلك الهمسات مع نهاية الشوط "ما نحتاجه بالفعل إثنين يرتديان القميص الأصفر وليس بقائمة فريقنا" ...الأصابع تشير إلى ريكلمي وفورلان.
تلك الطبول تجعل من خوسيه أكثر توتراً ، خاصة في ظل ذلك الشعور بأن فياريال أقرب ، أخطر ، الممتلك الحقيقي للكرة ، ذلك التصفيق لبيتروف في كل لعبة يكاد يجعل شعر رأس عائلته في لبلدة فراتسا يقف ، قبل النهاية بربع ساعة تبدأ المراهنات على المدة التي سيبقاها كارلوس بيانكي "رجل نهضة بوكا جونيورز" في منصبه ، بيانكي الذي جاء كمخلص لأتليتكو "الجديد دوماً" ، في الوقت الذي يتناول فيه بيريث لاسا صافرته في فمه يضع فورلان توقيعه في شباك ليو فرانكو ، يمكنك سماع الأكواب الورقية وهي تسقط غضباً على الأرض ، صراخ متقطع ، صدمة لبضعة ثواني ، ولكن في حقيقة الأمر جمهور اتليتكو مدريد يعلم جيداً ان مباراة الكرة مدتها 95 دقيقة وليست 90 فقط ، خوسيه يسلمني كرة من ورق الألومنيوم الخاصة بشطيرته "لا جديد...أراك في المعاناة المقبلة" ، خوسيه يختفي وسط الزحام ، كلهم بحاجة إلى هذا الإختفاء الجماعي الممزوج بنفس رائحة الماريوانا الطافية في الأجواء في محاولة لإطفاء حالة الإحباط التي تلازم المقاعد الخالية بعد الفوز بنقطة وحيدة ، حالة إحباط لا يعرفها فريق مدريدي أخر ، ليست كإحباط مقاعد رايو بايكانو التي تعلم جيداً أن فريقها مثل "الترسة" يوم في الماء وتسعة على الشاطيء ، يبدو سعيداً بقدرته على تحريك أطرافه في نهاية الأمر ، ليس إحباط خيتافي الذي سيظل فخوراً بغبار مباراة بايرن ميونيخ في كأس الإتحاد الأوروبي 2008 ، ليس كإحباط جمهور الريال الذي يعامل فريقه كاعضاء البولشوي ، إحباط أتليتكو يبدو بلا كلمات.
لدي الخروج يمكنك الإنضمام للجنازة الجماعية الصامتة التي يشترك فيها الكل في طريقهم إلى ميدان "لوس بيراميديس" "الأهرام" بحثاً عن وسيلة مواصلات إلى منزل ما، العم بيدرو يجري من نقطة لأخرى باحثاً عن أخر زبون لصفائحه المعدنية ، تلمح الزوجين وقد أسندا رأسيهما على كتف الأخر ، كتف الزوج يغطي إسم توريس على قميصها ، يقرران الدخول إلى الحانة المقابلة ، الضجيج يصلك قبل فتح الباب الزجاجي الذي يضع دوماً إعلان يدعوك لأن تصبح عضواً عاملاً بتذاكر موسمية ، دوماً الصورة هي للاعبين أتليتكو وهم فرحين ، في الداخل أحاديث بطعم السجائر ، البيرة ، ورقائق البطاطس المملح عن المستقبل ، أي مستقبل من أي نوع ، صور الأتليتي من كل العصور تغمر حوائط المكان ، تصبح في مواجهة مع صورة بعينها ، صورة الفريق قبل نهائي بروكسل لدوري الأبطال أمام بايرن ميونيخ 1974 ، ملعب هيسيل ، الحارس رينا ، معه ميلو ، كوبون ، القائد رودريجيز ، إيريديا ، أوفارتي ، جاراتي ، سالسيدو ، إيسيبيو ، خابيير إيروريتا (مدرب الديبور اللاحق) ، لويس أراجونيس ، تلك الشوارب الضخمة ، كرات التدريب التيليستار ، قصات الشعر الخرافية ، الأذرع المعقودة على مستوى الصدر ، النظرات التي جلس خلفها المدرب النمساوي ماكس ميركيل ومن بعده الأرجنتيني خوان كارلوس لورنزو ، ذلك الفريق الشرس في قمة عنفوانه ببلد على وشك التحول بأكمله ، قبل أهم مباراة في تاريخهم الحديث ، وقتها سيمكنك فهم كل شيء ، ستفهم معنى أن تكون متقدماً على ماير ، بيكنباور ، برايتنر ، اولي هونيس ، جيرد مولر و.. راينر تسيوبل بهدف نظيف من أراجونيس حتى الدقيقة الأخيرة من الشوط الرابع ، حتى يأتي مدافع ب 13 حرف في إسمه يدعى شفارتسينبيك بتسديدة من عالم اليأس تستقر في قلب رينا تمهيداً للقاء إعادة مأساوي من اجل النسيان، ستدرك أن ذلك الفريق الخالي من المشاهير ، بلا نجوم كان سيصبح ملكاً للقارة ولو لمرة واحدة ، أن العالم في بعض الأحيان بحاجة إلى "الصنايعية" ، للشغيلة بنفس حاجته لرجال الأزياء ، لن يعيدك لعالم الواقع سوى صوت كوب زجاجي سقط سهواً على الأرض من أحد الزبائن.
ستتقاطع حياتك مع "كولتشنيرو" آجلاً أو عاجلاً ، في كل نهاية أسبوع ستسمع شاب في العشرين من عمره وهو يهاتف والده :"نعم أبي ، الجديد هذه المرة أننا في المركز قبل الأخير ، نحن لدينا نفس نقاط فريق خيريث ، هل تصدق هذا يا أبي؟: ، ستصطدم في طريقك ببابلو أولموس ، موظف قسم التسويق بأحد شركات المحمول الكبرى الذي سيحاول تجنب الحديث عن فريقه المفضل مثلما يحاول التجنب عن طفولته أو مشاعره تجاه والده ، لا يريد تذكر أنه ينتمي لأخر جيل عرف المجد لمدة أسبوع فقط عام 96 ، لا يريد عن كيكو ، يوجوفيتش او فييري أو ساكي أو أجويرو أو فورلان أو رييس ، أو اليوم الذي هبطوا فيه إلى القسم الثاني على يد إوفييدو عام 2000 ، ستصطدم أيضاً بكارلوس جواماريث ، الرسام والممثل والموظف بشركة ألآلات تصوير وطباعة ، يقنع نفسه بأنه "ليس له في الكرة" وأن أتليتكو بالنسبة له إختيار يلائم ميوله اليسارية وإنحيازه للطبقة العاملة وكراهيته الشديدة لكل ما يمثله الريال.
بابلو لا يفضل أن يتصل به أحد عقب الساعة الثامنة ولكنه قبل بهذا ليلة 12 مايو ، حكم إيطالي إسمه نيكولا ريتسولي يطلق صافرة النهاية في هامبورج آرينا ، أتليتكو بطلاً للدوري الأوروبي ، بابلو على الجانب الأخر من الهاتف لا يمكنه تكوين جملة واحدة ، أنفاسه تتلاحق قبل أن تنقطع المكالمة ، لنعرف لاحقاً أنه إنفرد بنفسه باكياً لعشر دقائق في غرفته ، كارلوس كتب عل صفحته بالفيسبوك "إعذروني ، أنا لم أكن كروياً بالنسبة لكم ولمن بعد إذنكم أنا سأكون في ميدان نيبتونو للإحتفال معكم". يمكنك معرفة أن ذلك الفنان النحيف قد أشعل سيجارته المفضلة مدخناَ إياها رغم حمامات زجاجات الإحتفال التي أغرقها بها أقرانه ، شاعراً للمرة الأولى منذ 15 عاماً أنه منسجم مع هذه المدينة التي لفظته لسنوات طويلة.
ذهب توريس ، ولم يعد هناك أجويرو ولا فورلان ، ولا إلياس ، لا أحد يعلم لماذا رحل كيكي فلوريس ، ولماذا قدم مانثانو؟ لماذا تم الاستغناء عن دي خيا ويوفالوتسي؟ وهل سيبقى رييس لموسم أخر؟... 155 لاعب تم التعاقد معهم خلال 15 عاماً ، 582 مليون يورو ، 20 مدير فني ، لا أحد يعلم من أين أتت الملايين ال 66 التي سيتم بها دعم رأس مال النادي ، توجد فقط صورة لثيريثو وكامينيرو المدير الرياضي حالياً ، ودييجو سيميوني ، "جزار الثنائية" والمدير الفني الجديد ، الثلاثة يضعون أيديهم بشكل جماعي في شبكة واحدة ، إبتسامات فيها الكثير من التوتر ، يتحدثون كالعادة عن المستقبل هذه المرة بطعم السترات باهظة الثمن والعطور المميزة وديبلوماسية المؤتمرات الصحفية التقليدية ، صفحة في جريدة ستجد طريقها لسلة المهملات بحديقة للأطفال ، حيث يبدو مكتوباً على قاعدة الزلاجة الكبرى فيها عبارة "إذا أردتم مستقبلاً أفضل يا أولاد إختاروا الأتليتي" ، هناك حمامة تستقر بعد طيران للراحة على القاعدة ، ولكن سرعان ما تغادر بفزع في ظل محاولات رجل نظافة البلدية إزالة الجملة المكتوبة ، والتي تعانده كثيراً قبل أن يضع جرعة إضافية حاسمة من االسائل المنظف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.