بيرناردو سيلفا.. البساطة والتفرد في آن واحد

في شقته الصغيرة المكونة من غرفة واحدة والمطلة على البحر في موناكو، تبدو مقتنياته بسيطة للغاية، حتى أنه لا يمتلك غسالة أطباق ويغسل أطباقه بنفسه.. تكفيه تلك الشُرفة المتواضعة التي يطل منها على البحر.
لا يبدو ذلك مألوفا في إمارة عُرفت بأنها موطن لأولئك فاحشي الثراء حيث الكازينوهات والأماكن الراقية والقصور دون أن تكون مطالبا بدفع ضرائب، ولا يبدو الأمر مألوفا أكثر حين تعلم أن صاحب تلك الشقة البسيطة يتقاضى 30 ألف يورو أسبوعيا، وواحد ممن يوصفوا بنجوم المجتمع.
لا داع للاستغراب إن علمت أن هذا الشخص بيرناردو سيلفا، وما سبق ذكره حين كان لاعبا في صفوف موناكو الفرنسي قبل الانتقال إلى مانشستر سيتي.
البساطة تبدو السمة الغالبة لبيرناردو، فلاعب في مثل عمره يمتلك أموالا كثيرة لن يرغب في البقاء سوى في مسكن فاخر وطاقم من العاملين في خدمته ولكن ذلك كله لم يلتفت إليه.
البساطة تمنحك هدوءا في النفس وثقة في الذات، وما هو أكثر إن كنت تمتلك موهبة كموهبة البرتغالي.. بيرناردو شخص عادي ولكنه لاعب غير عادي.
يقدم صاحب ال24 عاما مستويات رائعة للغاية في الآونة الأخيرة مع الفريق السماوي جعلته حجر أساس في تشكيل المدرب بيب جوارديولا وعاملا مهما في إدارة التحول التكتيكي وتغيير الأسلوب على أرض الملعب.
يتمتع بيرناردو بمرونة تكتيكية كبيرة جعلته ينتقل من اللاعب الذي يتحرك دائما على الأطراف كجناح إلى لاعب وسط ذكي يعرف كيف يستغل المساحة ويتحرك ويصنع الفرص لزملائه.
وإن أردت منه اللعب بأكثر من مركز خلال مباراة واحدة فلن يمانع، وسيؤدي كل تلك الأدوار بكفاءة متماثلة.
"بيرناردو هو نجم البرتغال بالفعل، يمتلك كل المؤهلات، هو شخصية ودودة، لا يظهر وجها ممتعضا أبدا حتى وإن لعب 5 دقائق. إنه شخص محبوب من كل أفراد الفريق، واحد من أكثر اللاعبين موهبة من بين كل من رأيتهم، يستطيع اللعب في 3 أو 4 مراكز". بيب جوارديولا.
يرى سيلفا الأشياء قبل أن يراها الآخرون: التمريرة والمساحة والتحرك. تحركاته دون كرة استثنائية ولا يمكن أن يوجد لاعب بهذا الذكاء دون أن يلفت أنظار جوارديولا سريعا، ولهذا كان أولى تعاقداته الصيفية في أول مواسم المدرب الإسباني مع السماوي.
بيرناردو واحد من أولئك اللاعبين الذين يتمتعون بسرعة تفكير كبيرة للغاية تمكنهم من التحكم في إيقاع اللعب؛ بقدرته الكبيرة على السيطرة على الكرة.
يقول بينجامين ميندي زميله في سيتي وسابقا في موناكو: "بيرناردو؟ اسميه العلكة لأن الكرة تلتصق في قدمه. يمكنني أن أدفع الأموال من أجل مشاهدته يلعب".
استهل بيرناردو المولود في مدينة لشبونة مسيرته مع فريق بنفيكا إذ مثله في الفئات العمرية المختلفة ولكنه لم يحظ بفرصة المشاركة مع الفريق الأول سوى في مباريات قليلة، قبل أن تلتقطه أعين كشافي موناكو وينضم إلى الفريق على سبيل الإعارة تحول بعدها إلى انتقال دائم.
ويتحدث عن تلك الفترة موضحا "مع الفريق الأول في بنفيكا كنت أتدرب كظهير أيسر، وعلمت بعدها أنه لن يكون هناك مستقبلا لي مع الفريق.. بعدها بأسبوع وجدت جورجي مينديز - وكيل اللاعبين - يهاتفني وقد كان في موناكو. لم أفكر مرتين. كان أفضل حل".
ويحكي فيليبي ناسيمنتو زميله السابق في فئات بنفيكا للناشئين المزيد عن اللاعب "تعرفت عليه عندما كنا نبلغ من العمر 7 أعوام. كان طفلا سعيدا للغاية وشغوفا بالكرة وأحد أفضل اللاعبين في فئته العمرية، كما كان يعرف التحدث بالإنجليزية قليلا. كان ذكيا للغاية".
مع موناكو لم يحتج سيلفا إلى الكثير من الوقت من أجل التأقلم وسرعان ما كان عنصرا مهما في كتيبة مواهب فريق الإمارة الفرنسية التي توجت بالدوري قبل موسمين لأول مرة منذ 17 عاما، ونجحت في الوصول إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا.
يتحدث زميله السابق في موناكو جيميرسون عن القدرات الكبيرة التي يتمتع بها صاحب ال24 عاما قائلا: "في التدريبات وفي المباريات يقوم بأشياء مذهلة، تظن أنه سوف يفقد الكرة ولكن لا، ماتزال بين قدميه. أنت حتى لا تعلم كيف فعلها".
"إنه ساحر للغاية، أنا اسميه القزم بسبب الشكل الغريب لأذنيه" يتم المدافع البرازيلي ضاحكا.
ولكن كيف تعامل صاحب هذا الجسد الضئيل مع احتكاكات المنافسين مستغلا ذكائه؟ يشرح بيبا مدربه السابق في بنفيكا تحت 17 عاما كيفية تفادي ذلك.
"علم دائما أنه لم يتمكن من الفوز في الالتحامات البدنية لأنه الأصغر والأخف لذا عرف كيف يتفادى ذلك. لهذا تراه اليوم يسبقك بخطوتين أو ثلاث عند استلام الكرة".
ويضيف إيلينو كوستا أول مدرب له مع النسور "كان قصيرا ولكنه علم كيف يعوض ذلك، تعلم تجنب الالتحامات والتفكير بشكل أسرع من الآخرين رغم أن بعض الأطفال الآخرين كانوا ضعف حجمه".
ليس ذلك فقط، بيرناردو عوض الجسد الضئيل بإمكانيات بدنية كبيرة تمكنه من الركض دائما وكثيرا لمساعدة فريقه سواء على الصعيد الهجومي أو الدفاعي.
فخلال أول 6 مباريات بدأها مع السماوي هذا الموسم لمدة 90 دقيقة كان أكثر اللاعبين ركضا، وبرهن على قدرته على تعويض كيفن دي بروين في وسط الملعب بعد الإصابات العديدة التي عانى منها الأخير.
أما عن المرونة فحدث ولا حرج، ولا يوجد مثالا أدعى مما فعله أمام بريستول سيتي في كأس رابطة المحترفين في يناير من العام الماضي.
بيرناردو بدأ اللقاء بديلا لدافيد سيلفا وشارك في 4 مراكز مختلفة بالملعب كان 3 منها فقط في الشوط الأول. بدأ كجناح أيمن ثم جناح أيسر بالتبادل مع ليروي ساني قبل أن يختتم الشوط باللعب كمهاجم وهمي.
ومع الشوط الثاني وتحديدا في آخر 20 دقيقة كان بيرناردو يبدأ في اكتشاف ذاته باللعب في وسط الملعب، وهو المركز الذي أبدع فيه خلال الموسم الجاري.
الأداء الذي قدمه دفع مدربه بيب للإسهاب في كلمات المديح قائلا عقب مباراة الدرع الخيرية أمام تشيلسي بداية الموسم الجاري: "في الوقت الحالي كنا عبارة عن بيرنادو سيلفا + 10 لاعبين.. في اللحظة الحالية بيرنادو أفضل بكثير من بقية اللاعبين".
وأتبعها بعد أشهر بكلمات المديح المتواصلة "عدم مشاركته لا يسبب له مشكلة، يركض كثيرا، ربما هو واحد من أفضل لاعبي الدوري الإنجليزي في التمريرات الحاسمة والأهداف".
"إنه لاعب مبهج لمدربه، من المذهل أن تمتلك لاعبا مثل بيرناردو في التدريبات والمباريات. البرتغال محظوظة به، أحبه".
وعقب الانتصار على ليفربول 2-1 في لقاء أدار الدفة بالدوري الإنجليزي وأشعل فرص التتويج، قال الإسباني: "بيرناردو هو الأصغر جسدا بين اللاعبين ولكنه عاد وأثبت مجددا أنه لا داع لأن تكون أفضل جسمانيا".
"بالطبع سأود أن يكون لاعبيني أطول وأقوى بدنيا ولكن بالطريقة التي يلعب بها يبدو مذهلا. لم أر هذا الأداء منذ فترة طويلة فيما يخص كل شيء ويخص المدة الزمنية، وليس فقط والكرة معه. إنه دقيق وذكي ومتمرس".
بالرغم من ذلك تنعكس شخصية سيلفا الجانحة إلى البساطة على تصرفاته، فلن تجده يضع وشما أو يحتفل بطريقة غريبة أو يدلي بتصريحات مثيرة للجدل، والأهم أنه مازال يحتفظ بالتواضع نفسه.
كان ذلك ما جعله يرفض المقارنة مع مواطنه كريستيانو رونالدو، بعد تصريحات مدربه بأنه نجم البرتغال، وشرح الأمر من وجهة نظره بطريقة بدت موضوعية.
"أظن أن الناس فسروا الأمر بطريقة تختلف عما قصده (المدرب). ما فعله كريستيانو في كرة القدم خلال آخر 15 عاما يجعله من أفضل اللاعبين على الإطلاق في تاريخ اللعبة، لذا فلا توجد أي مقارنة على الإطلاق".
"أنا أحب كريستيانو وأعلم ما هو قادر على فعله. اللعب ضده دائما مُعقد".
ويتطرق بيرناردو إلى أسلوب لعب فريقه شارحا رؤيته لما يقدمه السماوي "نحن فريق يلعب كرة هجومية، نحاول أن نضغط عاليا ونحظى بالاستحواذ على الكرة بقدر المستطاع، وحينما نفقدها نحاول استعادتها سريعا".
"نحاول أن نسجل الكثير من الأهداف ونحاول ألا نستقبلها، ونمنع تعرضنا للهجمات المرتدة. في بعض الأحيان يكون الأمر معقدا لأن الفرق تتراجع دفاعيا أمامنا ولكننا نحاول أن نكون هجوميين للغاية ونستغل الفرص المتاحة لنا".
ويُظهر ثقته الكبيرة في إمكانيات فريقه مؤكدا قدرة فريقه على المنافسة على لقب دوري أبطال أوروبا، رغم تصريحات جوارديولا بأن فريقه ليس جاهزا للقتال على البطولة بعد.
مُبرزا الجانب الطموح في شخصيته "بالطبع سنحاول أن نثبت أنه كان على خطأ. نعرف أنها مسابقة مميزة وصعبة ولكننا اللاعبين سنحاول إثبات خطأه".
خلال الموسم الجاري شارك الدولي البرتغالي في 21 مباراة سجل فيها 10 أهداف وصنع 11 ليساهم في احتلال مانشستر سيتي لصدارة المسابقة، ضمن موسم استثنائي ينافس فيه الفريق على كل البطولات التي شارك بها.
الفريق توج بالدرع الخيرية وكأس الرابطة، ووصل إلى نصف نهائي كأس الاتحاد وربع نهائي دوري الأبطال، وأرقام بيرناردو لعبت دورا في ذلك بصناعته للعديد من الفرص ومنح زملاءه الأفضلية.
أداؤه دفع ناديه لتجديد عقده حتى صيف 2025 رغم تبقي 3 سنوات على نهاية العقد القديم.. "أسلوب اللعب هنا يحمسني وأنا مصمم على تحقيق المزيد من البطولات. سيتي أعطاني الفرصة لتحقيق ذلك" هكذا يؤكد.
يقارنه زميله في المنتخب البرتغالي جوزيه فونتي مع سيلفا آخر ولكن إسباني "أسلوبه متشابه مع أسلوب دافيد سيلفا، ربما يكون بيرناردو أسرع منه قليلا ولكن لا كثير من الاختلافات بينهما".
وربما يرغب فريق مدينة مانشستر الأزرق في الاحتفاظ طويلا بخدمات الرجل الذي يراه البعض خليفة لدافيد سيلفا.
** مصادر:
* the ‘bubble gum player' bringing his magic to Manchester City
* How Bernardo went from 'Messizinho' to one of Manchester City's best players
* Silva played in four positions as Manchester City beat Bristol City
* Standout players of 2018/19: Bernardo Silva
اقرأ أيضا
الوحدة السعودي يعلن إقالة ميدو.. والمدرب يرد
سويلم: المنتخب لن يظهر بالقميص المعلن عنه في كأس الأمم الإفريقية
الأهلي: تلقينا اتصالات من الدوري الفنلندي لضم مؤمن زكريا.. وهذا موعد الحسم
اتحاد الكرة: الأهلي والزمالك يريدان لعب القمة في القاهرة.. والدفاع الجوي الأكثر جاهزية
الصراع على المقاعد ال10 الأخيرة.. كل احتمالات التأهل لكأس الأمم الإفريقية