في شتاء 2004 عندما كان الطقس باردا جافا وقف فتى يبلغ العاشرة من عمره أمام لوحة تعليق النتائج في مدرسته منتظرا نتيجة امتحانات منتصف العام. عبد الله الطالب في الصف الرابع الابتدائي لم يتمالك نفسه عندما وجد في قائمة الأوائل على صفه وركض بطريقة دائرية رافعا ذراعيه بجانبه كجناحات قبل أن يوقفه مدرس ليسأله ماذا تفعل يا عبد الله؟ فيجيب: إنها طائرة أبو تريكة. أبو تريكة الذي انضم للأهلي منذ شهور قليلة قادما من ناديه الترسانة بات علامة مميزة للتعبير عن الفرحة منذ أيامه الأولى في الفريق الأحمر بعدما باتت "طيارته" هي رمز احتفال الأهلاوية في كل أفراحهم. بعد عشر سنوات تغيب عبد الله عن امتحان منتصف نصف العام في كلية الهندسة من أجل توديع نجمه الأسطوري وأن يحضر المباراة الأخيرة لأبو تريكة أمام الجماهير بالقاهرة في نهائي دوري أبطال إفريقيا. وفي اللحظة التي شهدت خروج اللاعب من الملعب للتبديل استبدل أبو تريكة حركة ذراعه من الطائرة السعيدة إلى التلويح بعلامات الوداع الحزين، ليرد عبد الله برفع ذراعيه مصفقا بحماس شديد لم يوقفه سوى دمعه نزلت من عيونه على وداع نجمه المفضل اضطرته لإنزال يده لمسحها. أبو تريكة لم يكن بالنسبة للكثيرون من جيل عبد الله مجرد لاعب كرة أو حتى هداف جالب للانتصارات، ولكنه كان الطائر الأسطوري الذي اعتبروه القدوة والمثل ورمز السعادة والأمل والانتماء والوفاء. وخلال عشر سنوات قضاهم أبو تريكة في الفريق الأحمر وشهدت قمة تألقه برفقة منتخب مصر، لم تخلى مسيرته من مواقف إنسانية حفرت اسمه بشكل أكبر في تاريخ عظماء الكرة المصرية. قبلة البطل في الوقت الذي عانى فيها الأهلي لسنوات من الابتعاد عن البطولات، عاد ثابت البطل لبناء الفريق من الجديد بعدما تولى منصب مدير الكرة. البطل الذي تعتبره الجماهير الحمراء اسم على مسمى نجح في بناء فريق قوي بضم أبو تريكة وزملاءه وفي أول مواجهة مع الزمالك أثبت الفريق ذلك وتغلب على منافسه التقليدي برباعية. في الدور الثاني أقيمت مباراة القمة في برد قارس ورفض البطل عدم حضور اللقاء رغم مرضه الشديد وأصر على الجلوس على مقاعد البدلاء مرتديا غطاء كامل. وفور تسجيل أبو تريكة لهدفه الثالث في مرمى الزمالك توجه مباشرة لتقبيل رأس البطل في آخر صورة التقطت للثنائي بعدما توفى مدير الكرة فاليوم التالي للمباراة، وكأنها قبلة الحياة بين أسطورة راحلة وأسطورة قادمة. فداك يا رسول الله كان للقدر أيضا دورا في أن يتقدم محمد أبو تريكة لتسديد ركلة الجزاء الحاسمة في مباراة نهائي كأس أمم إفريقيا 2006 أمام كوت ديفوار. فأبو تريكة الذي لم يكن يعلم أن الركلة هي الأخيرة كان يعرف جيدا ما حدث من إهانة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم من رسوم مسيئة في الدنمارك. وفور إحراز الهدف وركض زملاءه نحوه للاحتفال رفع أبو تريكة قميصه ليكشف عن قميص كتب عليه "نحن فداك يا رسول الله". تعاطفا مع غزة في عام 2008 اشتد الحصار على غزة في الأراضي الفلسطينية المحتلة وقصفت القوات الإسرائيلية القطاع بعنف في أكبر موجه عسكرية منذ سنوات. أبو تريكة الذي لم يبدأ كأس الأمم الإفريقية 2008 كأساسي وشارك في المباراة الثانية أمام السودان كبديل، لم ينسى أبدا دوره الإنساني. فبعدما سجل النجم المصري هدفه الثاني رفع قميصه ليكشف عن قميص كتب عليه "تعاطفا مع غزة" بالعربية والإنجليزية ليحصل على بطاقة صفراء بعدها وصفت فيما بعد بأنها الأشرف في مشوار أي لاعب عربي. يوم ما أفرط في حقه في استحقاق انتخابي مختلف وبعد ما يقرب من أربعة أشهر من حادثة بورسعيد ظهر أبو تريكة أثناء قيامه بالتصويت في الانتخابات الرئاسية بقميص أسود مميز. القميص كان لمجموعة أولتراس أهلاوي الداعمة للنادي الأحمر وكتب عليه من الحلف أسماء شهداء مذبحة بورسعيد مع عبارة "لن ننسى". ومن الأمام كتب عليه "يوم ما أفرط في حقه، هاكون ميت أكيد". مباراة السوبر بعد ما يقرب من سبعة أشهر من وقوع مذبحة بورسعيد قرر النادي الأهلي خوض مباراة السوبر المحلي أمام إنبي رغم رفض قطاع عريض من جماهيره المشاركة في النشاطات المحلية قبل النطق بالحكم. مجموعات الجماهير هددت بمنع المباراة والتجمهر أمام استاد برج العرب لإيقاف استئناف النشاط ولكن إدارة الأهلي قررت العناد وخوض المباراة رغما عن تلك الرغبة. وفجأة قرر أبو تريكة الانحياز إلى صف الجماهير وإعلان رفض خوض المباراة خوفا على سقوط ضحايا جدد نتيجة صدام متوقع بين الشرطة والجماهير. ورغم أن القرار أدى إلى إيقافه لمدة شهرين ومعاقبته ماديا بغرامة كبيرة، إلا أن أبو تريكة حظا على حبا إضافيا ومكانة خاصة في قلوب عشاق الأهلي وجماهيره بسبب موقفه النبيل. قميص الشهداء في يناير 2013 انتقل أبو تريكة إلى بني ياس الإماراتي على سبيل الإعارة، وفي قرار مفاجئ تخلى أبو تريكة عن قميصه الشهير رقم 22. فقد قرر أبو تريكة أن يرتدي قميص حمل رقم 72 وهو عدد شهداء جماهير الأهلي في حادثة بورسعيد. وردت الجماهير الحمراء عبر بيان أصدرته مجموعة أولتراس أهلاوي "أنت الآن لست مجرد لاعب .. أنت الآن صديق الشهداء".