هل خان الشعب المصرى ثورته؟ سؤال بات يطرح نفسه بقوة فى مصر بعدما حصل الفريق أحمد شفيق رئيس وزراء مصر الأسبق وأحد أركان نظام مبارك المخلوع على ما يقرب من 6 ملايين صوت فى انتخابات الرئاسة، وفق المؤشرات المعلنة، أهلته لخوض جولة الإعادة أمام محمد مرسى رئيس حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، ولعل الإجابة عن هذا السؤال تقتضى رصد مجموعة من الملاحظات الهامة المتعلقة بتلك الانتخابات. الملاحظة الأولى هى التراجع الواضح للكتلة التصويتية لجماعة الإخوان المسلمين، فقد حصل مرشح الإخوان فى تلك الانتخابات على 25% من إجمالى الأصوات وهى نسبة منخفضة مقارنة بالنسبة التى حصل عليها الإخوان فى الانتخابات البرلمانية والتى تجاوزت 45% من إجمالى أصوات الناخبين. أما الملاحظة الثانية فهى ارتداد الجماهير من مفهوم الثورة وما يفرضه من تحولات كبرى فى مسارات الواقع السياسى والاجتماعى المصرى إلى مفهوم الدولة البيروقراطية بمعناه التقليدى الذى يمثله أحمد شفيق ويرتبط بهدفين أساسيين هما حفظ الأمن وتوفير السلع والخدمات اليومية الأساسية. أما الملاحظة الثالثة فهى الطابع الطائفى الذى حكم عملية التصويت وما تلاها من ردود أفعال من قبَل بعض التيارات السياسية، فقد حسمت أصوات الأقباط المنافسة الانتخابية لصالح أحمد شفيق كما أن بعض التيارات المحسوبة على الحركة السلفية شرعت بالمقابل فى توجيه تهمة إعادة إنتاج النظام القديم إلى أقباط مصر كرد فعل منها على نتيجة تلك الانتخابات. أما الملاحظة الرابعة والأخيرة فتكمن فى قدرة نظام مبارك على إعادة إنتاج نفسه مرة أخرى من خلال العملية الديمقراطية وحصد أصوات المصريين مستغلا سلاحى المال والعصبيات العائلية فى قرى الريف والصعيد جنوب مصر. فتلك الملاحظات تضعنا أمام عدد من الحقائق التى كشفتها نتيجة تلك الجولة من الانتخابات منها أن تصور جماعة الإخوان بأنها تستطيع استثمار رأسمالها التاريخى فى الحصول على أغلبية نيابية تمكنها من فرض تصوراتها الخاصة بشأن طبيعة النظام السياسى فى مصر بعد ثورة يناير كان تصورا خاطئا أدى إلى حدوث تداعيات خطيرة أولها هو تراجع شعبية الإخوان فى الشارع وثانيها هو حدوث انقسام حاد فى أوساط النخبة السياسية المصرية كانت نتيجته هى انتكاس تلك النخبة وفشلها فى بلورة الأهداف الأساسية لثورة يناير، ما أدى إلى انفضاض الجماهير عنها والعودة إلى الجسد التقليدى للدولة، هذا إضافة إلى أن تعليق مسئولية تلك النتيجة فى رقبة الأقباط الذين صوتوا لشفيق ومن ثم إنتاج خطاب طائفى معاد للأقباط يعنى، بشكل أو بآخر، إعادة إنتاج نفس المناخ الطائفى الذى دفع الأقباط إلى التصويت لشفيق خوفا من الإسلاميين، ما يؤكد أن اختيار الجماهير لأحد أركان النظام البائد لم يكن خيانة للثورة بقدر ما كان رد فعل احتجاجى على سلوك النخبة وفشلها التام فى تحقيق أحلام وتطلعات تلك الجماهير. ولذلك فإن المطلب الأساسى الآن من تلك النخبة بجميع أطيافها وتوجهاتها هو بلورة رؤية استراتيجية وتوافقية لإخراج مصر من هذا المأزق التاريخى الذى تمخض عن نتيجة الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة، فتصور البعض، وخصوصا داخل جماعة الإخوان، أن حل الأزمة يقتصر على حدوث توافق تكتيكى ومرحلى بين الإسلاميين وبين القوى الثورية والعلمانية يمكّن مرشح الإخوان من هزيمة شفيق والقضاء التام على الثورة المضادة وفلول النظام بشكل مبرم ونهائى هو تصور مراهق وواه. فنتيجة الجولة الأولى من الانتخابات تعنى وجود تيار مضاد للثورة متصاعد بين الجماهير وهو تيار قابل للبلورة فى مشروع حزب سياسى وقادر أيضا على التعبير عن نفسه بقوة خلال أية انتخابات نيابية أو رئاسية قادمة، ولذلك فإن النخبة السياسية المصرية مطالبة بتجديد شرعيتها أمام الجماهير بالتوافق أولاً على طبيعة وخطوات عملية التحول الديمقراطى قبل التوافق على اسم رئيس مصر القادم وهو أمر يتطلب تجسير الفجوة الكبيرة بين خطابات النخبة وأجنداتها المتصارعة والخروج بتصور سياسى شامل قادر على طمأنة الجماهير بشكل عام والأقليات الدينية بشكل خاص على تحقيق مطالبها وصيانة حرياتها العامة وقادر كذلك على الحيلولة دون حدوث صراع على السلطة فى مصر بفعل حال الفراغ الدستورى الناجمة عن عدم تحديد صلاحيات الرئيس وطبيعة النظام السياسى للدولة فى الإعلان الدستورى وتباطؤ البرلمان فى وضع معايير توافقية ومقبولة لاختيار الجمعية التأسيسية للدستور، لأن حدوث هذا الصراع سوف يعنى تهيئة المناخ من جديد لعودة النظام القديم حتى وإن هُزم أحمد شفيق فى جولة الإعادة. ما يمكن أن يؤدى فى نهاية الأمر إلى خلق وضع سياسى شاذ تفضى فيه العملية الديمقراطية المنبثقة عن الشرعية الثورية إلى إعادة إنتاج النظام القديم والأوليجاركية العائلية التى كانت قائمة خلال عهد مبارك.