أصدر منتدى رفاعة الطهطاوي، التابع لعالم واحد للتنمية اليوم الخميس، ورقة سياسات حول إصلاح المجلس القومي لحقوق الإنسان، للباحث عبد الناصر قنديل المدير التنفيذي للمجموعة المصرية المدنية للتنمية، في إطار سلسلة أوراق السياسات التي تصدر عن المنتدى. جاء فيها أنه على الرغم من أهمية الدور المفترض للمجلس القومي لحقوق الإنسان، في تعزيز وحماية حقوق الإنسان وترسيخ قيمها، ونشر الوعي بها والإسهام في ضمان ممارستها إلا أن المتتبع لهذا المستهدف يلحظ بسهولة بالغة حرص المشرع أن يخلو نص قانون إنشاء المجلس (94) لسنة 2003، من أي صيغة ملزمة للمجلس أو للجهة التنفيذية في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان، وهو ما أفقد المجلس قدرته على التدخل أو التصدى الحاسم لمسؤولياته، وجعل الإدارات والأجهزة التنفيذية تتعامل معه بشكل فوقي، وربما تحول في عديد من الحالات والمواقف إلى تجاهل. وأضافت الورقة، أنه يجب إعادة النظر في قانون إنشاء المجلس القومي لحقوق الإنسان للتأكيد على استقلالية المجلس الكاملة، عن كافة الهيئات ومنحه صلاحيات حقيقة وفاعلة فى إطار تحقيق العدالة الناجزة، والقدرة على التواصل المباشر والنافذ مع كافة القضايا التي تدخل فى نطاق اختصاصه. ومن أهم توصيات ورقة السياسات ضرورة مراجعة الخطة الوطنية لتعزيز حقوق الإنسان، وإعادة صياغتها فى ضوء المستجدات الموجودة على الساحة المصرية، سواء من حيث تغير بنية نظام الحكم القائم أو متغيرات البنية التشريعية أو حدة المطالبات المجتمعية الناجمة عن اتساع الفجوة بين المتاح والمستهدف، بما يجعل الخطة أكثر تعبيرا عن الواقع المجتمعي وأكثر واقعية في قدرتها على التحقق على المستوى المستهدف والمأمول منها، والاعتماد في ذلك على النقاشات والتفاعلات الفكرية مع مؤسسات المجتمع المدني وأطياف من الأكاديميين والقطاعات الممثلة للمجتمع بكافة طوائفه، مع تحديد مدى زمني ثابت لمراجعة تلك الخطة بشكل دوري. وتابعت الورقة أنه من الضروري منح المجلس القومي لحقوق الإنسان الصلاحيات الكافية في التحقيق في الشكاوى التي ترد إليه، أو بمبادرة منه مع إلزام السلطات وجهات الاختصاص في الدولة بمزيد من الاستجابة، وتوفير المعلومات واتخاذ الإجراءات المتعلقة بالتحقيق في الشكاوى ومخالفات وانتهاكات حقوق الإنسان، وإزالة أسبابها انطلاقا من مرجعية مبادئ باريس، التي تعطي للمنظمات الوطنية الحق في تلقي الشكاوى من الأفراد، ومحاولة التسوية الودية والالتزام بالحدود المقررة قانونا وعلى أساس من السرية، وإخطار الملتمس بحقوقه ولاسيما سبل الإنصاف المتاحة له، وتيسير وصوله إليها وتقديم توصيات بشأنها للسلطة المختصة، ولا شك أن غياب الشفافية في توفير المعلومات من شأنه أن يعيق قيام المجلس بدوره المنوط به، وهذا ما يؤكده انسحاب رئيس لجنة الشكاوى سابقا من المجلس بعد تقديم تقرير تقصي الحقائق عن أحداث محمد محمود، والذي قال بصددها أهم ما لفت نظري خلال التحقيق، إننا طلبنا معلومات من المستشفيات، وتم رفض إعطائنا أي معلومة، وحتى الآن لم يتم تقديم أي متهم فى قضايا قتل المتظاهرين، الأمر الذي يعد انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان وفقا لوجهة نظره. كذلك منح المجلس القومي لحقوق الإنسان الحق في الملاحقة القضائية، والتدخل فيها في حالات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، أو تلك التي تمثل قيدا على ممارستها من قبل الأفراد أو الجماعات أسوة بمنح هذا الحق للمنظمات غير الحكومية في حالات مشابهة، فلا يعقل أن يكون من حق الجمعيات والمنظمات الحقوقية والأهلية في قوانين حماية البيئة، حماية المستهلك والطفل، بالتدخل القضائي للتصدي لما يخالف مستهدفاتها، ولا نمنح هذا الحق للمؤسسة الوطنية المرجعية في مجال دعم وتفعيل ممارسات حقوق الإنسان. وأشارت الورقة إلى إعادة النظر في آلية تشكيل المجلس، سواء ما يتعلق بضمانات تمثيله للقوى المجتمعية والسياسية والحقوقية، التي يفترض أن يأتي التشكيل مراعيا لها وفقا لمرجعية "مبادئ باريس" التي تؤكد على أنه ينبغي أن يكون تشكيل المؤسسة الوطنية، وتعيين أعضائها سواء بالانتخاب أو بغير انتخاب وفقا لإجراءات تنطوي على جميع الضمانات اللازمة لكفالة التمثيل العددي للقوى الاجتماعية "في المجتمع المدني" المعنية بحماية حقوق الإنسان وتعزيزها، وعلى رأسها المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان، "النقابات والهيئات الاجتماعية والمهنية المعنية مثل رابطات الحقوقيين، والأطباء والصحفيين والشخصيات العلمية، التيارات في الفكر الفلسفي والديني، الجامعات والخبراء والمؤهلون، البرلمان، الإدارات الحكومية"، وفي حالة حضور ممثلين لها، فإنهم لا يشتركوا في المناقشات إلا بصفة استشارية، كما ينبغي أن يتفاعل تشكيل المجلس واختيار أعضائه مع التكوين الاجتماعي والاثني واللغوي للمجتمع المصري، دون إخلال بتحقيق التوازن بين الجنسين. وشددت الورقة، على ضرورة السعي نحو تحقيق استقلالية حقيقية وفعلية للمجلس القومي لحقوق الإنسان، وإنهاء تبعيته لمجلس الشورى المنوط به اختيار أعضاء المجلس، والذي يحتمل ممكنات التدخل في التشكيل لخلق هيمنة عددية لممثلي التيار المسيطر على المجلس "متى وجد"، والذي يتحول لكارثة على قدرة المجلس القومي القيام بمهامه المنوط به التفاعل معها إذا ما كانت السيطرة على مجلس الشورى لذات الحزب أو التيار المسيطر على السلطة التنفيذية، ويرتبط باستقلالية المجلس تمكن الأعضاء من أداء دورهم، فيما يتعلق بحماية حقوق الإنسان، وهنا تجدر الإشارة إلى أن من أهم أسباب دفع نائب رئيس المجلس الحالي إلى تقديم استقالته، هو عدم وجود استقلالية كافية عن الحكومة، والذي تجلى في عدم إعلان المجلس رسميا رفض الإعلان الدستوري الصادر من رئيس الجمهورية، والذي يتعارض مع حقوق الإنسان في المواد 2،3،5،6 ويخالف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، التي صدقت عليها مصر وفقا لما جاء في مشروع قرار بشأن الإعلان الدستوري الصادر فى 21 نوفمبر 2012، والمقدم من نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان. ورصدت الورقة أيضا، ضرورة العمل على إيجاد آلية حقيقية للتعاون القائم على التكامل بين المجلس القومي لحقوق الإنسان وبين مؤسسات المجتمع المدني، أو المؤسسات والهيئات غير الحكومية في إطار أجندة عمل مشتركة تتيح استفادة كل طرف من قدرات وممكنات الطرف الثاني، بعيدا عن الصيغ التنافسية القائمة على صراع الإرادات، أو الرغبة في فرض علاقة محددة ومحدودة، وهو ما لا يمكن الوصول إليه إلا بإدراك المجلس القومي لمكانته الحقيقية ومساحات العمل والتعاون التي يستطيع أن يخلقها، مع اعتماد آلية عقد اللقاءات التشاورية حول قضايا محددة واشتراك المنظمات مع المجلس في رسم الخطة الوطنية لحقوق الإنسان، وعقد ورش العمل والملتقيات بشكل دوري مع تقديم الدعم الفني، وتنفيذ أنشطة متواصلة بالشراكة بين الطرفين. وأكدت الورقة على وجوبية تطوير البنية المؤسسية للمجلس فيما يتعلق بصياغة الرسالة الإعلامية، وطرق استخدامها والتواصل بها مع الطبقات المجتمعية المختلفة، وعبر العديد من القنوات والوسائل التعبيرية مع امتلاك قدرات تحليلية ونقدية تسعى بشكل مستمر لتطوير الرسالة وتحليل المواقف المجتمعية منها، بعيدا عن سياسات الفساد والإفساد التي سيطرت على علاقة المجلس مع الإعلام لفترات سابقة، وتسببت في غياب العمق المجتمعي والالتفاف الجماهيري والشعبوي حول أداء وأنشطة المجلس، والعمل على تسيد ونشر ثقافة حقوق الإنسان داخل المجتمع بشكل حقيقي وفعال، من منطلق أحد الاختصاصات الأساسية للمجلس، وهو العمل على نشر ثقافة حقوق الإنسان، وتوعية المواطنين بها وذلك بالاستعانة بالمؤسسات والأجهزة المختصة بشئون التعليم والتنشئة والإعلام والتثقيف، مع الاستفادة من أشكال المبادرات المجتمعية التى تعتمد على "الرياضة، المسرح، الأفلام، الأغاني" والمساهمة في تطوير المناهج التعليمية لمختلف المراحل بالشراكة مع الهيئات المسئولة والتفاعل مع الإعلام.