السينما والموسيقى علاقة السينما بالموسيقى تتوثق وتتعضد يومياً، الأمر أشبه بالعلاقة بين الملح والطعام، إنك تستطيع تناول وجبة كاملة دون ملح ولكن لن يكون لها طعم أو نكهة، كذلك الموسيقى وصناعة الأفلام، فبدونها لا طعم ولا عمق ولا تأثير للأفلام. فى السينما العالمية بعشرينات القرن الماضى وقت أن كانت السينما صامتة، لم يكن للموسيقى أى وجود أو احتياج، ومع الوقت لجأ السينمائيون للموسيقى والأنغام على سبيل التجريب وإضفاء جو مختلف، لم يهدف الأمر فى البداية للتأثير على دراما العمل الفنى، وكان العزف يتم منفصلاً عن الفيلم، إلى أن بلغ الأمر بتشغيل أوركسترا كامل داخل قاعات العرض السينمائى، وكان اختيار المقطوعات المعزوفة بالتزامن مع العرض متروكاً للموسيقيين، أما مع تطور السينما وبداية استخدام الموسيقى درامياً فقد بات الاختيار من حقوق المخرج الخالصة. وقد استعين بمقطوعات عالمية مشهورة للظهور فى مواقف معينة بغية التأثير، إلا أنك ربما تندهش أن علمت أن شارلى شابلن كان يؤلف موسيقى أفلامه الصامتة بنفسه وتطور الأمر على يد الموسيقِى (ماكس ستينر) حيث أوجد دوراً جديداً للموسيقى بالأفلام، حتى وصلت أهمية الموسيقى درجة المقاربة من أهمية الأبطال فى أفلام مثل «كزابلانكا» و«ذهب مع الريح» Gone With The Wind، فأصبح مجرد سماع موسيقاها اليوم بمثابة رؤيتك للفيلم كاملاً. وتطور الأمر بهوليوود فى الأربعينات بظهور موجة الأفلام التى تحمل أجواء الحرب العالمية الثانية فظهرت الألحان الوطنية، والتأثيرات الحماسية أما الخمسينات فكانت أفلام «مونرو» وإلفيس بريسلى وكليف ريتشارد وفرقة البيتلز، ثم جاءت الستينات والسبعينات اللتان امتلأتا بالأغانى الاستعراضية مثل أفلام «مارى بوبنز» Mary Poppins، و«صوت الموسيقى» West Side Story - 1961، Saturday night Fever، ثم جاءت الثمانينات بموجة الألحان الهادئة الرومانسية ولحقتها التسعينات بالموسيقى الإلكترونية المتميزة بأفلام كThe Godfather و«سيد الخواتم» The Lord of the Rings. وبمناسبة الحديث عن السينما الهوليوودية، إلا أن بوليوود أو السينما الهندية كانت وما زالت الأثرى غنائياً واستعراضياً، ربما لأن الرقص التعبيرى بالهند من تراثيات المواطن، أن للغناء والموسيقى والرقص هناك طقوس كالعبادة، ففى الهند كذلك بدأت السينما صامتة، ثم تطورت إلى ناطقة صادحة بالغناء متزلزلة بانثناءات أمهر وأبرع الراقصين بالعالم الذى جعل من جمهور بوليوود بالمليارات حول العالم، إنه سحر الألحان والاستعراض الفتان. وهنا لك أن تتخيل أننا فى السينما المصرية قد تميزنا كذلك موسيقياً وبدأنا بداية قوية بإدخال الغناء وفن المونولوج على الأفلام فى تجارب متزامنة مع هوليوود وبتكثيف موسيقى أكبر، ربما كان ذلك بسبب تأثرنا نحن الشرقيين بالطرب و(السلطنة)، ثقافتنا الإقليمية التى امتزج بها دوماً الموشح الأندلسى الغربى بالطقاطيق العثمنلى التركية، لتهضم مصرياً وتخرج لنا أنغاماً مصرية مختلفة تصدرت المسرح الغنائى الحديث وطبعت على أسطوانات الجراموفون بصوت وألحان الشيخ سلامة حجازى وعبده الحامولى وسيد درويش وصولاً لمنيرة المهدية وعبدالوهاب وأم كلثوم، إلى أن سحبت المحاولات السينمائية المصرية الأولى البساط من المسرح بأفلام فى أواخر عشرينات القرن الماضى كفيلم أنشودة الفؤاد الغنائى بطولة زكريا أحمد ونادرة، وفيلم عبدالوهاب الأول (الوردة البيضاء)، عبدالوهاب الذى بدا طفلاً مغنياً على مسارح الفرق التمثيلية المختلفة، ذهب بجمهوره العريض إلى السينما وأكمل ملحمته بسلسلة أفلام غنائية هى الأسبق والأميز منها: دموع الحب سنة (1935)، يحيا الحب (1937)، بورسعيد (1939)، ممنوع الحب (1943) ورصاصة فى القلب (1944)، لست ملاكاً 1946، وكان فى كثير من الأحيان يستعين بمطربات شابات يكتشفهن هو ويعطيهن الفرصة أمامه إلى أن يصبحن فيما بعد نجمات غنائيات، كنور الهدى ونادرة وليلى مراد وجاءت تالية له أم كلثوم بأفلامها الغنائية، وتوالت السنوات السينمائية الغنائية المزدهرة بنجوم مطربين كأسمهان وعبدالحليم وصباح وشادية ومحمد فوزى وفريد الأطرش ومحمد عبدالمطلب وعبدالوهاب ومحرم فؤاد ورجاء عبده وهدى سلطان وسعاد محمد ونجاة على وثريا حلمى وحورية حسن وفايزة أحمد. كذلك ظهرت الأفلام الاستعراضية الغنائية فى الستينات كأفلام «غرام فى الكرنك، إجازة نصف السنة، أبى فوق الشجرة» وفى السبعينات أفلام ك«مولد يا دنيا وعودة الابن الضال»، وفى الثمانينات «إسكندرية كمان وكمان» وفى التسعينات كان فيلم «سمع هس ويا مهلبية يا»، وفى عام 2004 كان فيلم «مفيش غير كده» الاستعراضى. لعلنا نلاحظ أن السينما المصرية بدأت بزخم وثراء غنائى استعراضى ضخم أصبح يتضاءل تدريجياً، ولسوف أضطر بالأمر الواقع اختتام تلك الحقبة الموسيقية السينمائية المصرية بذكر موجة الأفلام الموسيقية الحديثة جداً والتى تنتمى للعصر السوبكى والتى تتمثل بمطرب شعبى أو أقرب للشعبية وراقصة، وأغان ذات طابع كان غريباً إلى أن أصبح شائعاً ذائعاً مسيطراً، إنه الواقع المر، أعاذنا الله وإياكم منه وأخرجنا من هذه النكبة الغنائية السينمائية على خير. وتبقى الموسيقى وتأثيراتها على السينما ويرتبط الاثنان ما دام أحدهما قائم، إلى أن أصبحت الموسيقى التصويرية وصانعوها من أهم عناصر المنتج السينمائى فغدت تحصد جوائز بحجم الأوسكار.