أسلاك شائكة تحيط بالمكان الذى تحول لثكنة عسكرية، دبابات تقف هنا وهناك، ومدرعات تحمى مداخل المنطقة المحيطة بقصر الاتحادية، عساكر من الحرس الجمهورى قابعون إلى جوار حوائط البنك الأهلى المصرى، وجودهم لم يمنع المتظاهرين من المرور، فقد اجتاز العديد منهم الأسلاك الشائكة للتظاهر، مدركين طبيعة الموقف وحساسيته، بينما يقف الآخرون خارج الأسلاك مكونين حلقات نقاش مطولة حول الوضع الراهن. «العساكر نازلين من غير سلاح، بنحمى القصر بأجسادنا فقط»، قالها العميد ياسر قائد قوات الحرس الجمهورى التى تؤمن محيط قصر الاتحادية، واجبه حتم عليه النزول مرة أخرى إلى الشارع، فشرعية الرئيس المنتخب يجب حمايتها قال ل«الوطن»: «هافدى الرئيس بروحى حتى لو كنت مختلفاً معه، لكن فى الوقت نفسه مش هأقدر أرفع سلاحى فى وش أى واحد مصرى».. وجود الدبابات والأسلاك لحماية الثوار من الهجمات عليهم -حسب القائد- الذى يقول: «احنا فتحنا فتحات فى السلك عشان الناس تعدى منها وتتظاهر براحتها، الدبابة اللى واقفة دى مش هتقدر تقف ضد إرادة الناس، الشعب لما يقرر كل الجيوش متقدرش تقف ضده». الأعداد تبدأ فى التزايد، الجو كرنفالى بامتياز، فالعائلات تتجمع، والكثير منهم يتبادل الضحكات والكلمات مع جنود خدمة الدبابة «ما تجيب الواد ده يتصور جنبى» يقولها جندى فوق دبابة فيرفع والد الطفل فلذة كبده ويسلمه إلى يدى الجندى، يبتسم الطفل ويحتضنه «العسكرى» بود وحب، الأمر الذى يعلق عليه قائده «الجيش بتاع المصريين وملكهم، كل بيت مصرى فيه واحد حارب وواحد مات وواحد بيخدم فى الجيش، الله يرحمه محمد على باشا اللى خلى جيش المصريين للمصريين، وربنا قادر ياخد كل واحد يعكر الميه الصافية اللى بين أهل مصر وجيشهم». القائد الذى نال شهرة وسط صفوف متظاهرى قصر الاتحادية لا تفارق الابتسامة وجهه، يتبرع بإسداء النصائح لمن يجاورنه، النقاشات حول الموقف تصيبه بالإرهاق «أنا بتعب من كتر الكلام، بس سعيد أن الناس بقى عندها وعى»، يمسك بيديه كتاباً يحوى نصوص الدستور المصرى الجديد الذى لن يقوم بالتصويت عليه «القوانين العسكرية تمنع الجنود والضباط من التصويت، عشان الجيش لازم يبقى بعيد عن السياسة، بس ده ميمنعش أنى أقرأ الدستور وأناقشه مع الناس» يقولها ضابط الحرس الجمهورى ياسر..تزداد الحشود وتعلو الأصوات فيما يقول «يا جماعة إحنا عايزين نتناقش بشكل حضارى، لازم كل واحد يقرأ الدستور مادة مادة، اللى عجبه ينزل يقول آه واللى مش عاجبه ينزل يقول لأ، بس اللى مش هينزل هيبقى غلطان لأن الناس اللى عايزه الدستور هتحشد وتصوت بنعم» أحداث الأربعاء مرت على خاطره كالكابوس، فالرجل الذى لا يجزع من الدماء بحكم «عسكريته» أرهبه وآلمه مشهد اقتتال المصريين مما جعله يسارع بتنفيذ الأوامر الصادرة له بالنزول إلى الشارع «مش المفروض أن الجيش ينزل الشارع كل شوية، بس أنا نازل عشان أحمى الناس وأمنع الاشتباك» كل ما دار فى نفسه يوم صدور الأوامر هو الخوف من الموت على يد مجهول وإلصاق التهمة بالمتظاهرين، فالأزمة تشتد، ولا أحد يعلم من أين تأتى الضربة «المشكلة أن لو حد طعنى أو ضرب عليّا نار وحصلى حاجة، هيقولوا الثوار هما اللى بيقتولوا فى الجيش وده مش هيبقى حقيقى لأن الجيش مع الثوار وكلهم ناس سلميين» يذهب القائد ليستعلم عن بعض الجنود فيما يهتف العديد من الشباب: «الجيش والشعب إيد واحدة».