جاءت نتائج المرشحين للرئاسة في محافظة الأسكندرية صادمة ومفاجئة للعديد من أطراف العملية الانتخابية، سواء الأطراف أصحاب الشأن من المرشحين المباشرين، أو الأطراف ذات الصلة من القوى والتيارات الداعمة لهم، فعلى خلاف التوقعات لم يتصدر أي من المرشحين المحسوبين على الإسلاميين المركز الأول فى النتيجة النهائية، حيث حل حمدين صباحى ذو الميول الاشتراكية في المركز الأول ب 602634 صوتا، قبل عبد المنعم أبو الفتوح المدعوم من الدعوة السلفية - مدرسة الأسكندرية – والذي حقق قرابة نصف أصوات صباحي ب 387747 صوتا، فى حين حل محمد مرسي مرشح حزب الحرية والعدالة، وجماعة الإخوان المسلمين رابعًا بعد عمرو موسى ب 269455 صوتا فقط، وقبل أحمد شفيق الذي حل خامسًا. لعل أسباب الدهشة والصدمة المفاجئة التي نالت من أنصار المرشحين الإسلاميين وبعض الداعمين لحمدين صباحي، هو تفوق حمدين صباحى في 15 لجنة عامة من بين 17 أخري في مدينة ظلت طوال الثلاث عقود الماضية، تعرف بأنها معقل للإسلاميين، سواء الدعوة السلفية التي تأسست بها فى سبعينات القرن الماضي، أو للإخوان التي احتضنت المدينة أعضاء من أهم نوابها وقياديها في مجلس الشعب، أو الهرم التنظيمي للحزب والجماعة، على مر تاريخها منذ نشأتها، وحتى الآن. عبد الرحمن الجوهرى، المنسق العام لحملة صباحي بالمحافظة، اعتبر أنه ليس هناك أسباب تدعو للدهشة لمن يطلع على طريقة عمل حملة حمدين في الأيام الأخيرة، وقال:"نحن اعتمدنا آلية طرق الأبواب المباشرة للناخبين في مناطقهم، بكل الأسكندرية، وركزنا على المناطق الشعبية والعشوائيات، والفقراء، دون أن يعنينا هل تمثل المنطقة نفوذا للإسلاميين أم لا". واعتبر الجوهري أن الطبيعة "الثورية" للشعب السكندري جعلته يمنح أصواته للمرشحين الأقرب للثورة، والذي كان حمدين في مقدمتهم، وفق النتائج النهائية، حيث شاركت الأسكندرية في الثورة من بدايتها وفي كل فاعلياتها، بما يعني أن الوعي الثوري لديهم كان حاضرًا طوال الفترات الماضية، وحال دون تأثرهم بالشعارات التي ترفعها التيارات الدينية". ورجح البعض خلال سير العملية الانتخابية أن بعض شباب التيار السلفي منح صوته لصباحي، بعدما أعلن د.محمد يسري سلامة المتحدث السابق لحزب النور بالأسكندرية انتخابه له عبر صفحته على موقع "تويتر"، وبعدما رُصد بعض الشباب الملتحين يعلنون انتخابهم لصباحي أمام اللجان، حيث ذهب سليمان شفيق الباحث في شئون المواطنة أن "شباب الأقباط وبعض شباب من التيار السلفي غير المنتمين تنظيميا للدعوة صوتوا لصباحي، لاعتباره مرشحًا للثورة، وتماشيًا مع الجو المحيط بهم الرافض لسلطة القادة الدينين"، حيث كشف أن اللجنة المركزية لتوعية الأقباط مُنعت وضُيق عليها من قبل قيادات ورجال أعمال تابعين للكنيسة الأرثوذكسية بالأسكندرية لمنعها من عقد مؤتمرات توعية للأقباط، بما أدى إلى سخط الشباب". ورجح شفيق أن يكون تم التصويت لصباحي من بعض قطاعات الإخوان لإخراج أبو الفتوح من السباق الرئاسي، ولا يضطر مرسي لمواجهته في الإعادة على حد قوله. أما الجوهري، فنفى ما تردد حول دعم قطاعات من الدعوة السلفية لصباحي، لافتا إلى أن المنافس التالي له عبد المنعم أبو الفتوح حصد أصواتاً أعلى من صباحي في بعض مناطق غرب الأسكندرية التي تقع تحت سيطرة التيارات السلفية بالمحافظة كالعامرية وبرج العرب، معتبرًا أن هذا الكلام "مجرد محاولة إضفاء فضل على صباحي من قبل تيارات غير التي صوتت له". ونفى مصدر مطلع داخل الدعوة السلفية بالأسكندرية – فضل عدم ذكر اسمه - دعم الدعوة أو الحزب لصباحي مؤكدا التزام الدعوة بما أعلنته من دعم أبو الفتوح ثم مرسي ثم العوا حال دخولهم الإعادة، لافتا إلى أن الدعوة كانت ستمنح أصواتها لصباحي حال دخوله الإعادة أمام أحد مرشحي الفلول. محمد العربي، الباحث في الشئون السياسية والاستراتيجية بوحدة الدراسات المستقبلية بمكتبة الأسكندرية أكد على أن "الوجود المنظم للإسلاميين لم يؤثر على المزاج العام للجماهير السكندرية فهي في عمومها معتدلة كاعتدال المزاج المصري العام، وبالتالي سلوكها السياسي يتصف بالبراجماتية المصلحية المحضة ويعزز هذا المزاج ارتفاع نسبة الوعي الناتجة عن ارتفاع نسبة التعليم ودينامكية الحركة الاجتماعية، والمحصلة النهائية لكل هذه العوامل أن السلوك السياسي للسكندريين لم يقع فريسة الثنائية الجامدة "العلمانيون في مواجهة الإسلاميون"، ولم يستسلم للثأر التاريخي بين الإخوان والناصريين". واعتبر العربي أن أداء الإسلاميين الذين سيطروا على مقاعد مجلسي الشعب والشورى الممثلة للإسكندرية،"لم يكن مُرضيا"، ومن ثم اتجه السكندريون "للتصويت العقابي" لمرشح الرئاسة المدعوم من السلفيين "عبد المنعم أبو الفتوح" ومرشح الإخوان "محمد مرسي"، وبطبيعة الحال – والحديث للعربي - كان الاتجاه نحو اختيار حمدين حتميًّا مع رفض السكندريين للفلول فهي مدينة "زيرو فلول" في انتخابات البرلمان وفي الرئاسة، حيث جاء شفيق وموسى في ذيل قائمة تفضيل السكندريين. وداخل المشهد السكندري نفسه، نجد أن حمدين المناسب لهذا المزاج العام البراجماتي وربما العلماني اكتسح في الدوائر الحضرية في شرق والمنتزة، في الوقت الذي تقدم فيه مرشح السلفيين أبو الفتوح في منطقة داخلية مثل العامرية". أما أنس القاضي المتحدث الرسمى باسم حملة "مرسي" فى الإسكندرية فاعتبر أن ما حصل عليه مرسي فى الإسكندرية "نتيجة مرضية في ظل الهجمة الشرسة التى تعرض لها مرسى فى وسائل الإعلام وقصر مدة الحملة الدعائية التى لم تبلغ شهر بأكمله"، معتبرا أن اتجاهات التصويت الفردى بالمحافظة، وعدم وجود تكتلات متماسكة شتت الأصوات على مرشحى الثورة جميعهم،لافتا أن صباحى له اتجاه إصلاحى وثورى وهى إحدى معايير الناخبين فى الاختيار وبالتالى لم يكن بالضرورة أن يختار الناخب مرشح ذو خلفية إسلامية، فالمهم أن ينجح مرشحو الثورة – على حد تعبيره.