المنظر مؤسف فى مصر بعد سنتين تقريباً من الثورة السلمية العظيمة التى كان الشعب يعوّل عليها كثيراً للخروج من المأزق الذى استمر عقوداً من الفساد والتزوير والظلم والديكتاتورية والخضوع للهيمنة الغربية، والوقوف إلى جانب إسرائيل ضد مصلحة الوطن والإخوة والأشقاء من العرب والفلسطينيين. المؤسف فى الأمر أن الحوار الجاد الحقيقى مفقود، مما يعمّق الصراع وضياع الثقة تماماً. هناك أخطاء فى الناحيتين، وهناك فساد موروث فى جميع المؤسسات، وكلها تزعم الشفافية والملائكية وتصف الطرف الآخر بالشيطانية. الحوار الجاد وإعادة بناء الثقة بين الطرفين هو المخرج الحقيقى من الأزمة، وليس الاستفتاء والتصويت بنعم أو لا، رغم أنه مهم. الحوار الجاد ليس فقط بين مرسى وزعماء ما يُسمى بالقوى المدنية، وكأن القوى الإسلامية غير مدنية، فهذا لقاء أو حوار ضيق. وفى الجانب الآخر يرى بعض الإسلاميين أن من بين القوى الأخرى، أى من بين العلمانيين والليبراليين مَن هم كفار أو فسقة أو منافقون، والآخرون منهم مَن يرى أن القوى الإسلامية قوى إرهابية أو على الأقل وهابية، إلى غير ذلك من الأوصاف، وإضفاء التهم كالحقائق التى لا يعلمها إلا الله تعالى. قد تكون مشكلة الدستور وحدها قابلة للحل السريع، ولكنها ليست المشكلة الوحيدة والأعقد. وأهم المشكلات هى الانقسام فى المجتمع، ومثالاً على المثالب التى يجب تصحيحها، أن نقرأ فى أول سطر فى ديباجة الدستور: «هذا هو دستورنا.. وثيقة ثورة الخامس والعشرين من يناير». هذا الدستور لا يمكن أن يكون وثيقة ثورة يناير، لأن الجمعية التأسيسية لم تجتمع لتضع وثيقة ثورة يناير. كما أن وثيقة وثورة يناير، يجب أن يكتبها الثوار جميعاً بالكيفية التى تناقش بينهم أيضاً جميعاً، حتى توضح حقيقة الثورة وتطورها، والشهداء الذين قضوا من أجلها والمبادئ والأهداف التى رفعتها والشعارات التى خدمتها. هذا على سبيل المثال لا الحصر، أما المواد فى الدستور، وهى 236 مادة، ففيها ما يحتاج تعديله أو تحسينه وفق ما يقول الأصفهانى «إِنِّى رَأَيتُ أَنَّهُ لاَ يَكْتُب أَحَدٌ كِتَاباً فِى يَومِهِ إِلاّ قَالَ فِى غَدِهِ، لَو غُيِّرَ هَذَا لَكَانَ أَحْسَن، وَلَو زِيدَ هَذَا لَكَانَ يُسْتَحسَن، وَلَو قُدِّمَ هَذَا لَكَان أَفْضَل، وَلَو تُركَ هَذَا لَكَانَ أَجْمَل، وَهَذَا مِن أَعْظَمِ العِبَرِ، وهُوَ دَلِيلٌ عَلَى اِستِيلاَءِ النَقصِ عَلَى جُملَةِ البَشَرِ». أما المشكلة الأعمق فى ظنى، فهى كما قلت سابقاً، الانقسام والاستقطاب فى المجتمع الواحد، مما أدى إلى فقدان الثقة بين الطرفين حتى هتف بعضهم أمام الدستورية هتافاً غريباً يدعو إلى الصراع ويعبر عن الاستعلاء بالقوة «يا مرسى إدينا إشارة واحنا نجيبهم لك فى شيكارة». وهذه الهتافات لا تصلح بين أبناء وطن واحد فى القرن الواحد والعشرين. الجانب الآخر لا يمكن أن يقبل الشعب الدعوات الموجهة للقوات المسلحة بالتدخل فى السياسة أو دعوة المجتمع الدولى أيضاً للتدخل فى المشكلة، والبحث عن حل من الخارج، وكأننا لا نستطيع التوصل إلى حل وطنى داخلى.