1. المقدمة: وضعت مشروع الدستور جمعية تأسيسية أحاطها منذ لحظة تشكيلها الكثير من الشكوك المجتمعية والسياسية والإجرائية والقانونية؛ مجتمعيا: همش بعضوية التأسيسية قطاعات فعالة فى مصر كالمرأة والمجتمع المدنى والمبدعين والمفكرين والعلماء، وهيمن المكون الحزبى الذى اختزل وضع الدستور إلى ترجمة أهداف سياسية وتسديد فواتير انتخابية. مجتعيا: لم تتواصل التأسيسية وهى تضع الدستور مع الرأى العام، بل مارست الاستعلاء عليه، ولم تتعامل بجدية مع النقاش الدائر بشأن مواد الدستور المختلفة ومررتها بليل فى مشهد ختام عبثى. سياسيا: سيطر الإخوان والسلفيون ومعهم طائفة مبررى الاستبداد (من مدعى الوسطية إلى مدعى الليبرالية وتمثيل الكنيسة بعد انسحابها) على تشكيل التأسيسية، وهو ما دفع بعض الأحزاب الليبرالية والسياسيين الليبراليين للابتعاد عنها منذ اللحظة الأولى (وكنت من بين هؤلاء)، ثم رتب الانسحاب التدريجى لمن قبل الانضمام لها ورفض الانضواء تحت عباءة الإخوان والسلفيين. إجرائيا: أدير العمل بالتأسيسية بأدوات غابت عنها الشفافية، واتسمت، كما أكد بعض الأعضاء المنسحبين وبعض المتابعات الإعلامية الموضوعية، بإدارة ديكتاتورية من رئيس التأسيسية والخلية الإخوانية - السلفية التى طوقته. لذا لم يكن مشهد الختام العبثى والمواد الدستورية المفصلة لتحقيق أهداف الإخوان والسلفيين السياسية والانتخابية بغريبين أو غير متوقعين. قانونيا: منذ اللحظة الأولى لتشكيل التأسيسية (على ذات النحو الذى شكلت به الجمعية التأسيسية الأولى التى أسقطها القضاء الإدارى) أحاطت بها شكوك البطلان من كل جانب ونظر بها القضاء الإدارى والدستورى. وفى إجراء استبدادى بامتياز، عمد رئيس الجمهورية إلى تجاوز الشكوك بتحصين التأسيسية من أحكام قضائية متوقعة فى إعلانه «غير الدستورى» فى 22 نوفمبر 2012، وكأن التحصين الرئاسى غير القانونى لا يكفى. تحركت منذ أيام حشود الفاشية الدينية لمحاصرة المحكمة الدستورية العليا ومنع قضاتها من مباشرة أعمالهم، وكان من بينها النظر فى مصير التأسيسية. النتيجة: مجتمعيا وسياسيا وإجرائيا وقانونيا؛ عانت الجمعية التأسيسية من نواقص فاضحة، ومن ثم اتسمت عملية وضع دستور مصر الجديد بعوار بيّن وبغياب للجوهر الديمقراطى، يستدعيان العمل بجميع الوسائل السلمية لإسقاط المنتج، مشروع الدستور. 2. المقدمة: بعد أن حنث بالوعد الذى قطعه على نفسه قبل جولة الإعادة بالانتخابات الرئاسية وكان جوهره العمل على إعادة تشكيل التأسيسية لإضفاء التوازن المجتمعى والسياسى عليها، عاد رئيس الجمهورية المنتخب الدكتور محمد مرسى بدفعه مشروع الدستور للاستفتاء مجددا للحنث بوعوده تجاه المصريات والمصريين. قبل أسابيع من انتهاء أعمال التأسيسية، شدد الدكتور مرسى على عزمه عدم دعوة الناخبات والناخبين للاستفتاء على مشروع دستور لا يحظى بتوافق وطنى. السبت الماضى وبعد انتهاء التأسيسية من تمرير مواد الدستور بليل وفى ظل حالة خطيرة من الانقسام المجتمعى والاحتقان السياسى، قرر الرئيس الدعوة للاستفتاء على الدستور غير التوافقى، وضرب عرض الحائط بمطالب قطاعات شعبية واسعة بتأجيل الاستفتاء ورعاية حوار وطنى للوصول لتوافق بشأن مشروع الدستور. لم يكن السبت الماضى يوم حنث الرئيس بوعد التوافق وحسب، بل أيضاً يوم الانقلاب على وعد آخر هو إعطاء مساحة زمنية كافية للناخبات والناخبين لقراءة وفهم الدستور والوصول لرأى موضوعى بشأنه، فالرئيس أمهلنا أسبوعين فقط للنقاش حول الدستور وحدد 15 ديسمبر 2012 للاستفتاء، ومثل هذه المساحة الزمنية الضيقة تفتح الباب واسعا لتزييف الإسلاميين المعتاد لوعى الناخبات والناخبين بشعارات كالشرعية والاستقرار والشريعة. النتيجة: يعنى حنث رئيس الجمهورية بوعوده بشأن إعادة تشكيل التأسيسية وعدم طرح دستور غير توافقى للاستفتاء، وهو هنا تصرف كرئيس لجماعة الإخوان والسائرين فى ركابها فقط، التحايل على المصريات والمصريين وممارسة الخداع المنظم لهم، ولذلك يتعين إسقاط مشروع الدستور. 3. المقدمة: يعصف مشروع الدستور الذى مررته التأسيسية بليل بالحقوق والحريات الشخصية والمدنية للمواطنات وللمواطنين، إن بسبب لغة مطاطية تدعى الأخلاقية وتقيد حقوقنا وحرياتنا أو بسبب نصوص تقييدية صريحة أو بسبب الامتناع عن النص على ضمانات بعينها للحقوق والحريات. تلزم المادتان10 و11 الدولة برعاية الأخلاق والآداب والنظام العام والطابع الأصيل للأسرة المصرية وتقاليدها، بل وتلزم المجتمع بترسيخ القيم الأخلاقية للأسرة وحمايتها. المضمون الوحيد لمثل هذه الصياغات المطاطية التى يستحيل تعريفها بمعنى دستورى وقانونى منضبط، شأنها هنا شأن المادة 81 التى ترهن ممارسة الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن بعدم التعارض مع مقومات الدولة والمجتمع، هو تقييد حقوقنا وحرياتنا وفتح الباب واسعا لتدخل الدولة والمجتمع وجماعات فى المجتمع (جماعات للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر) فى حياتنا الخاصة. أما المادة 43 فتحمل نصا تقييديا واضحا يتعلق بحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة التى تكفلها الدولة للأديان السماوية فقط مستبعدة الأديان الوضعية. وينطبق ذات النزوع التقييدى على المادتين 48 و49، وبهما يسمح بمصادرة إو إيقاف أو إغلاق وسائل الإعلام بأحكام قضائية ويحظر إنشاء محطات البث الإذاعى والتليفزيونى ووسائط الإعلام الرقمى بالإخطار، وكذلك على المادة 215 التى تكلف مجلسا وطنيا للإعلام بوضع ما تسميه بضوابط ومعايير كفيلة بالتزام وسائل الإعلام بأخلاقيات المهنة وقيم المجتمع وتقاليده البناءة. ثم تأتى مجموعة من المواد الدستورية التى امتنعت بشأنها تأسيسية الإخوان والسلفيين عن النص على ضمانات للحقوق وللحريات الشخصية والمدنية؛ فالمادة 33، مادة مواطنة الحقوق والواجبات المتساوية، لم تنص على حظر التمييز بسبب الدين أو النوع أو العرق أو المكانة الاجتماعية، واكتفت بإشارة عامة إلى حظر التمييز. ولم يرد بالمادة 70، مادة حقوق الطفل، تحديد للامتداد العمرى لمرحلة الطفولة التى تنتهى (وفقا للدراسات العلمية والاجتماعية والنفسية) مع العام الثامن عشر، وغاب كذلك حظر عمالة الأطفال. بل إن هذه المادة الكارثية أضفت، وفى سابقة دستورية، شرعية على عمالة الأطفال بالصيغة التالية: «ويحظر تشغيل الطفل، قبل تجاوزه سن الإلزام التعليمى، فى أعمال لا تناسب عمره، أو تمنع استمراره فى التعليم». كذلك حذفت من المادة 73، التى تنص على حظر كل صور القهر والاستغلال القسرى للإنسان وتجارة الجنس، الإشارة إلى حظر الاتجار بالبشر وللسبب المعلوم؛ تعرف المواثيق الدولية زواج وتزويج القاصرات كجريمتين من جرائم الاتجار بالبشر وتحظرهما، وتأسيسية الإخوان والسلفيين رفضت حظرهما. النتيجة: يترجم مشروع الدستور نظرة الإخوان والسلفيين الرجعية للحقوق والحريات الشخصية والمدنية، ويعصف بها على نحو يحول بيننا وبين التأسيس لدولة ديمقراطية ومجتمع عصرى، ويجعل من الدستور مطية لتحقيق الأهداف السياسية وتسديد الفواتير الانتخابية، وفى هذا ما يبرر أيضاً إسقاط مشروع الدستور. 4. المقدمة: فى مجتمع يعانى من غياب العدالة الاجتماعية، ومن الفجوة العميقة بين أقليته القادرة وأغلبيته محدودة الدخل، ومن احتجاجات اجتماعية تتصاعد، يخلو مشروع الدستور الذى أعدته تأسيسية الإخوان والسلفيين من ضمانات فعالة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية؛ فالمواد الدستورية من 58 إلى 67 تشير لحقوق العمل والتعليم والرعاية الصحية والتأمين الاجتماعى والمعاش اللائق بصياغات فضفاضة لا يستفاد منها التزام الدولة بكفالتها لجميع المواطنات والمواطنين، وكذلك يغيب تقرير سياسات وإجراءات ضرورية كالضرائب التصاعدية والتمييز الإيجابى لصالح الفئات المعدمة والفقيرة والمتوسطة، لتضييق فجوة الدخل فى مصر والاقتراب تدريجيا من عدالة اجتماعية يتوق لها مجتمعنا. كذلك يتعاطى مشروع الدستور مع حقوق ذوى الاحتياجات الخاصة وواجبات الدولة والمجتمع تجاههم باستهتار شديد وبمحدودية بالغة (المادة 72)، ويتكرر ذات النهج فيما خص الحقوق البيئية وحقوق الأجيال القادمة فى الثروات الطبيعية وضمانات الملكية العامة. النتيجة: بعد ثورة عظيمة كان من بين مطالبها الرئيسية العدالة الاجتماعية، وضعت تأسيسية الإخوان والسلفيين مشروعا للدستور لا ينص على ضمانات فعالة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ويمتنع عن تقرير إجراءات ضرورية لتجاوز معاناة الأغلبية محدودة الدخل، وهنا عنصر إضافى لإسقاط مشروع الدستور. 5. المقدمة: يصنع مشروع الدستور، فى بابه الثالث المتعلق بالسلطات العامة، نظاما للحكم يطلق سلطات رئيس الجمهورية ويبقى على الوضعية الاستثنائية للقوات المسلحة وينتقص من سلطات البرلمان واستقلالية السلطة القضائية ولا يصلح جذريا من نظام الإدارة المحلية بالغ الفساد. بعبارة بديلة، يصنع مشروع الدستور نظاما للحكم تغيب عنه الكثير من مقومات الديمقراطية وقد يعيد إنتاج الاستبداد الرئاسى فى مصر. بجانب صلاحياته التنفيذية الواسعة، للرئيس الحق فى تجاوز السلطتين التشريعية والقضائية إن لم تكن قوانين الأولى أو أحكام الثانية محل رضاه، عبر استفتاء الناخبات والناخبين دون ضوابط وإلزام «جميع السلطات والكافة» بنتيجة الاستفتاء وعدم اضطرار الرئيس للاستقالة من منصبه حال خسارته للاستفتاء (المادة 150). للرئيس أيضاً الحق فى تسمية رئيس الوزراء بمعزل عن الأغلبية البرلمانية، وله أن يبرم معاهدات ذات صلة بحقوق سيادة الدولة المصرية (مع اشتراط موافقة البرلمان)، وله أن يعلن حالة الطوارئ لمدة ستة أشهر (مع اشتراط الموافقة اللاحقة للبرلمان)، ويعين جميع الموظفين العموميين الرئيسيين فى مؤسسات الدولة وهيئاتها. وفى المقابل، يصمت مشروع الدستور عن أدوات الرقابة الجادة على الرئيس وعلى ممارسته لسلطاته واضطلاعه بمهام منصبه، ويكتفى بمادة وحيدة ذات صلة بجريمة الخيانة العظمى (المادة 152). أما البرلمان، فينتقص من سلطاته واختصاصاته التشريعية والرقابية بشأن القوات المسلحة وميزانيتها، عبر إعطاء مجلس الدفاع الوطنى (يشكل من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وبعض الوزراء وقيادات القوات المسلحة، ويضاف لهم من خارج السلطة التنفيذية رئيس مجلس النواب ومجلس الشورى فقط، المادة 197) حق الفيتو على تشريعات القوات المسلحة، ومنع البرلمان من مناقشة ميزانيتها إلا كرقم واحد يدرج فى الموازنة العامة (أى دون تفاصيل). كذلك يتدخل رئيس الجمهورية فى أعمال السلطة القضائية بتعيين رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية العليا، التى فصلت المادة الخاصة بها تفصيلا يوائم رغبة الإخوان والسلفيين فى استبعاد بعض قضاتها (المادة 176)، وكذلك بتعيين النائب العام (المادة 173)، وفى السياقين برأى استشارى للهيئات القضائية ودون رقابة برلمانية. النتيجة: يصنع مشروع الدستور نظاما للحكم به رئيس مطلق السلطات وبرلمانا وقضاء ينتقص من سلطاتهما، ويبقى على الوضعية الاستثنائية للقوات المسلحة كدولة داخل الدولة. كل هذا يتناقض جذريا مع هدف بناء نظام ديمقراطى، الذى أنجز من أجله المصريات والمصريون ثورتهم العظيمة، وهو ما يبرر إسقاط مشروع الدستور. 6. المقدمة: يضع مشروع الدستور هيئة دينية، هى الأزهر الشريف، فوق السلطات العامة التشريعية والتنفيذية والقضائية وفوق المواطن وحقوقه وحرياته؛ فالمادة 4 تقضى بعمومية بأن «يؤخذ رأى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فى الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية»، وهو ما يعنى عملا إلزام البرلمان المنتخب والرئيس المنتخب والقضاء المستقل برأى وتفضيلات الأزهر، ويسمح لمواطنين بالتدخل فى الحياة الخاصة لغيرهم باستدعاء رأى الأزهر. تفتح هذه المادة المجالين المجتمعى والسياسى على مصراعيه لبناء الدولة الدينية والعصف بالحقوق والحريات. النتيجة: نحن أمام مشروع دستور يضع هيئة دينية فوق السلطات والمجتمع، ويدفع مصر باتجاه الدولة الدينية، وهنا أيضاً مبرر لإسقاطه. 7. المقدمة: للمقدمات السابقة ولرفض قطاعات واسعة لاحتكار مصر من قبل الإسلام السياسى، ولاتجاره بالدين فى السياسة، ولسيطرته على التأسيسية ووضع الدستور، وتوظيف ذلك لتسديد فواتير انتخابية، تتصاعد اليوم المقاومة الشعبية والمجتمعية لمشروع الدستور. ميادين التحرير خلال الأسبوعين الماضيين، الاتحادية أول أمس، عموميات القضاة الرافضة للإشراف على الاستفتاء، احتجاب الصحف وتسويد شاشات الفضائيات، وغيرها الكثير من الشواهد الدالة على المقاومة، وعدم استعداد قطاعات واسعة لقبول الابتزاز المرتبط بطرح مشروع دستور غير ديمقراطى للاستفتاء الشعبى ومن ثم إجبار المواطنات والمواطنين على الوقوف أمام اختيارين يفتقدان فى النهاية للشرعية؛ المقاطعة والتصويت بلا. النتيجة: تلزم المقاومة الشعبية والمجتمعية على مواصلة العمل لإسقاط مشروع الدستور الذى أعدته تأسيسية الإخوان والسلفيين وانتزاع تشكيل جمعية توافقية لوضع الدستور يليق بطموحنا نحو الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية والدولة المدنية.