في حلب، انحسر تدريجيا وجود المجموعات المنضوية تحت لواء الجيش الحر، مقابل تزايد نفوذ وانتشار المجموعات الأصولية وأبرزها جبهة النصرة، على ما يروي سكان المدينة التي تشهد منذ أكثر من أربعة أشهر معارك دامية بين قوات النظام ومقاتلين معارضين له. ولم يخفف الشعور بالرهبة الذي يثيره المقاتلون الإسلاميون، وغالبا الخوف، من النقمة التي يشعر بها سكان حلب تجاه مقاتلي الجيش الحر، حيث عبروا أخيرا عن ذلك في تظاهرات تطالب الجيش الحر بالذهاب إلى الجبهة، وتدعو إلى "تطهيره"، في أول انتقادات بهذا الوضوح للمقاتلين الذين غزوا بسهولة نصف المدينة في يوليو. وهناك شبه إجماع على أن المقاتلين الإسلاميين أفضل تنظيما وتدريبا من الكتائب والألوية التابعة للمجالس العسكرية أو تلك التي تقاتل تحت مظلة الجيش الحر، وعلى أنهم يركزون على القتال ولا يتدخلون في شؤون الناس. وفي حين يؤخذ على شريحة واسعة من مقاتلي الجيش الحر قيامهم بعمليات ابتزاز أو خطف مقابل فديات وعمليات اعتقال وتحقيق مع سكان استنادا إلى شبهات وأحيانا وشاية كاذبة. ويروي مجاهد، موظف حكومي، أن اشتباكات متواصلة لأكثر من أربعة أيام وقعت في حي الفردوس بين مجموعتين من الجيش الحر "بسبب خلاف على تقاسم بضائع مسروقة من أحياء أخرى". وفي حي الكلاسة في جنوبالمدينة، يروي سائق سيارة شاحنة يقدِّم نفسه باسم مأمون أن "هناك مجموعة صغيرة من جبهة النصرة في شارعنا، لكننا لا نراها سوى أثناء التحضير للهجمات أو صد هجوم للجيش السوري. عناصرها لا يقفون على الحواجز ولا يتواصلون مع السكان أو المارة، بل يفضلون التزام مقرهم قرب جامع في المنطقة". ويروي عبدالله، وهو اسم مستعار لموظف حكومي (32 عاما) يقطن حي باب الحديد في حلب القديمة، أن "أغلب عناصر الجيش الحر شبان في مقتبل العمر وأحيانا مراهقون يحملون أسلحة رشاشة، في حين أن عناصر جبهة النصرة أكبر سنا ويحملون بنادق حديثة ويرتدون الدروع ومعهم قنابل يدوية ومسدسات ويحملون أجهزة لاسلكية". ويتابع عبدالله: "في أيام رمضان كان عناصر جبهة النصرة يقيمون موائد إفطار تحوي أنواعا من المشاوي واللحوم، في حين أن عناصر الجيش الحر قرب منزلي مثلا كانوا يكتفون بساندويش". ويرى عبدالله أن كل هذا "يجعل العديد من الشبان المجندين في مجموعات تابعة للجيش الحر يرغبون في الانتقال إلى صفوف المجموعات الأصولية". ويوضح صحفي من حلب متابع لأمور المجموعات المسلحة أن عنصر المال يلعب دورا كبيرا داخل كل المجموعات المقاتلة المعارضة، ولعل هذا ما يعطي المجموعات الأصولية عنصر التفوق على الآخرين. وأضاف: "أما مجموعات جبهة النصرة فلكل منها أميرها، وإن كانت تقوم بعمليات خطف فلا تفعل ذلك من أجل المال. ولم تسجل حادثة واحدة للتفاوض على إطلاق مخطوف لديها مقابل فدية مالية". وإذا كان ذلك يعني أن الجبهة تعتمد في تمويلها كليا على الأموال الخارجية، إلا أنه يؤشر أيضا إلى أن العديد من المخطوفين على أيدي هذه الجبهة يظل مصيرهم مجهولا.