لن أكتب اليوم فكراً ولا رأياً ولا تحليلاً، فقد كَثُرت الآراءُ والتحليلات، ولن أحرك اليوم قلمى بنقدٍ ولا تجريح، ولن أعلق على حدثٍ معين، رغم كثرة الأحداث وتتابعها، فقد كثر الصياح والضجيج، وأُلقيت الاتهامات المتبادلة، وحصل الاستقطاب الحاد، وتترّس كل فريق بوجهته الخاصة، فلن أُدلى اليوم برأى جديد، ولكنى سوف أدعو، سوف أدعو الله تعالى دعاء حاراً خالصاً، نابعاً من أعماقى، محملاً بكل آيات محبتى لهذا الوطن، سوف أدعو لمصر، وللمصريين، بكل فئاتهم، وأطيافهم، وتوجهاتهم، ومشاربهم، سوف أجعل مقالتى هذا الأسبوع توجهاً وضراعة إلى الله تعالى، عسى أن ينزل هذا الدعاء رحمة وسكينة على الجميع، وأرجو من كل مصرى مخلص أن يصطحب هذا الدعاء، فى أصفى أوقاته، وأن يدعو به من أعماقه، وأن يسترشد بمعانيه وقيمه: اللهم يا ذا المجد القديم، والسلطانِ العظيم، والمُلْكِ الفخيم، والجُودِ العميم، والتدبيرِ الحكيم، يا جليل الإحسان، يا عظيم الشان، إن مصرَ بلدٌ عزيزٌ، كريمٌ عليك، قد ألقيت محبته فى قلوب أنبيائك وأوليائك وأصفيائك، حتى نشأ فيه نبيك إدريس، وسار إليه خليلك إبراهيم، وتولى تدبير خزائنه نبيك يوسف، وصال وجال فيه كليمك موسى، وعَبَرَ عليه عبدك وكلمتك عيسى، وأوصى به حبيبك ونبيك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ونَزَل فيه الصحابة الكرام، وأهل البيت النبوى العظام، واستوطنه الصالحون من عبادك، وقصده الخلق من المشارقة والمغاربة لطلب العلم والحكمة فيه، ولم تزل راية هذا البلد بفضلك مرفوعة، ولم تزل كلمته فى أذن الدنيا مسموعة، فبحقّ سابق عنايتك، وعظيم رعايتك لهذا البلد الأمين المكين، أنزل السكينة على أهله، وحُفَّهم بلطفك، وأبرم لهم الرشد، واسلل سخيمة قلوبهم، وانزع الغل من بينهم، واصرف الفتن عنهم، ولا تجعل للشيطان بينهم مسلكاً، وصُنْهُم وانصرهم وبصِّرْهم، وكفّ أيدى الأمم عنهم، واقصم من نزغ بينهم بالسوء، أو سعى بينهم بالوقيعة، أو أراد بهذا البلد وأهله مكراً وكيداً، وأخلف عليهم خلف الخير والرشد، ولا حول ولا قوة إلا بك، اللهم أنزل السكينة على مصر وأهلها، واحفظهم بحفظك، وكن لهم ولياً، وبهم حفياً، وافتح لهم بركات من السماء والأرض، ووسّع أرزاقهم، واصرف الشر والسوء عنهم، وأخرجهم من أزماتهم مخرج صدق، ونوّر بصائرهم، وألهمهم الرشد، واشملهم بعافيتك، وأطفئ كيد كل من أراد بهم شراً وسوءاً، وأدم عليهم أمانك ومعافاتك، إنك على كل شىء قدير، يا نعم المولى ويا نعم النصير، اللهم احفظ مصر وأهلها بحفظك الجميل، وانشر فيها الأمان والسكينة، ووسّع أرزاق أهلها، وأَدِمْ عليهم بركتك وعافيتك، وابسط فى ربوعها بساط الأمن والهدى والسداد، وانشر فى نواحيها اللطف والنور والرشاد، واحفظ أهلها من الجور والظلم والأكدار والسوء والفساد، اللهم فارج الهمّ، كاشف الغمّ، مجيب دعوة المضطرين، فرّج عن مصر كرباتها، وظلماتها، وأزماتها، وشدائدها، وعللها، ومضايقها، ومصائبها، ومعاناتها، وحيرتها، وتخبطها، وامنن عليها بفرج عاجل قريب، تنجلى أنواره كفَلَقِ الصُّبْح المبين، وتلوح بشائره مسفرةً حتى تسكن إليه قلوب الصادقين، وأَقِلْ عثرته بفضلك العظيم، اللهم حقق لنا ولأبناء مصر جميعاً موعودك الكريم، وضمانك الإلهىَّ العظيم، المودع فى قولك: (سيجعل الله بعد عسر يسراً)، فأبدل عُسْرنا بيُسْر، وضيقَنا بسعة، وكربنا بفرج، ومصائبنا بلطف، وشتاتنا بعصمة، وحيرتنا بحكمة، حتى تسطع أنوارُ الفَرجِ العاجل بعد هذا الليل المظلم البهيم، وحتى تشرق معالمُ اللطف بعد هذا الكرب العظيم، ولا حول ولا قوة إلا بك، اللهم احفظ مصر وأهلها من الشقاق والفرقة والتناحر، واحفظهم من غيظ القلوب، ووَحَرِ النفوس، واصرف عنهم الأحقاد والضغائن، وامنن عليهم بسعة صدورهم، وجَمِّلْهم بالحلم، وأوقع بينهم الوفاق والمناصحة، ونوّر عقولهم بسداد الفكر، ورشاد التدبير، وانشر فى ربوع هذا البلد الأمان العام، والرزق الواسع، وأعِدْ عليهم عوائد لطفك، وبصّرهم بما يحقق للوطن أحسن مآل، وأرشد عاقبة، واكشف عنهم ظلمات التعدى، واحفظهم من الجور والظلم والميل والمطامع والأهواء والشتات، اللهم انصرهم على أنفسهم، ووفقهم إلى كلِّ رأىٍ سديد، وإجراءٍ حميد، واقتراح رشيد، حتى تنحسر عنهم الأهواء والأوهام والأحقاد، وتستنير منهم منافذ الفكر، وتتألق أمامهم مسالكُ التعقل، ويتأتى لهم السداد فى المواقف، اللهم هذا الدعاء ومنك الإجابة، وبيدك الأمر كله، وإليك يرجع الأمر كله، ولا حول قوة إلا بك.