دخل «الحمار» معترك السياسة يوم السبت الماضى.. صحا كعادته مبكراً مع كل حيوانات «حديقة الجيزة».. لم يلحظ أن فى الأجواء شيئاً مختلفاً عن كل صباح.. غير أنه سرعان ما شعر بالجوع، فسأل نفسه: لماذا تأخر الإفطار اليوم؟! هل حدثت فى مصر أزمة «برسيم»؟!.. ولكنه استبعد الأمر حين وجد كل الحيوانات تشكو من تأخر الإفطار، حتى إنه ارتجف خوفاً وهو يمر أمام قفص «الأسد»، فقد رمقه الأخير، وهو يزأر ويُخرج لسانه بشهوة واضحة، فقال «الحمار» لنفسه: الشر برة وبعيد! كان «برة» حديقة حيوانات الجيزة مشهد مختلف.. لم تعرف الحيوانات شيئاً عنه، إلا حينما تطوع «القرد» وتسلق شجرة عالية، وقال لهم: «سوف آتيكم بالنبأ».. وكان هذا كافياً ل«الحمار» وباقى الحيوانات، لأن القرد «ميمون» يتمتع بذكاء حاد وإحساس صادق بضرورة ترابط وتكاتف الحيوانات، لاستمرار العيش المشترك على أرض «الجنينة».. وكان على «ميمون» أن يجيب عن 3 أسئلة فجّرت الحيرة بين الحيوانات: لماذا لم يأتِ طعام الإفطار؟.. لماذا لم يحضر زوار الحديقة اليوم، رغم أن «السبت» إجازة؟! وما سر الأصوات والهتافات العالية خارج «الحديقة»؟!.. وأنصت الجميع، حين وصل القرد الحكيم إلى أعلى الشجرة العتيقة! نظر «ميمون»، فشهق بصوت يملأه الرعب، وقبل أن ينطق صرخ «الحمار»: فيه إيه؟!.. فأجاب «القرد»: يا نهار كوبية، ناس كتير قوى ماليين الميدان وشايلين يفط عليها كلام كتير!.. هتف «الحمار» وهو يرتجف: يبقى جايين يموّتونا! ثم نظر للحيوانات وقال: حد فيكم عمل حاجة وحشة.. حد امبارح كشّر فى وشّ زائر من اللى بيحكموا البلد؟!.. صرخ فيه «القرد» قائلاً: اخرس يا حمار.. الموضوع أكبر من كده بكتير.. أنا حاسس إن فيه حاجات كتير حصلت برة، واحنا نايمين وبناكل سودانى وموز! انطلق «فأر» كثيف «الشعر» من جحر، وسأل «القرد»: إيه اللى حصل يا «ميمون باشا»؟!.. فنظر إليه «القرد» من أعلى، وقال متهكماً: إنت طلعت من «الجحر» ليه؟!.. فرد «الفأر»: مفيش زوار ولا حد ممكن يتكلم معايا.. فنهره «الحمار» قائلاً: سيبك منّه يا «ميمون» وقل لنا «إيه اللى حصل».. أمعن «القرد» النظر وأنصت للهتافات والخطب، واستطرد: «اسمعوا يا جماعة.. واضح إن إحنا مالناش عيش فى البلد دى.. مصر اتغيرت واحنا مش عارفين.. الناس بقت كافرة.. الهتافات واليفط بتقول كده، الآلاف بيطالبوا بعودة الإسلام لمصر، معقولة مصر المسلمة تتقلب فجأة، وتبقى زى «كفار قريش»، لا حول ولا قوة إلا بالله.. ربّنا ينصر الناس اللى برة، دول القلة الباقية من المسلمين فى البلد، عايزين «يقتلوا» الكفار.. وزعيمهم هوّه الريّس «محمد مرسى»، واضح إنه «نبى» جديد.. فكركم يقدر يرجّع مصر للإسلام؟! «يا عم إيه الهبل اللى بتقوله ده.. مصر بقت كافرة؟».. قال «الفيل» العجوز وهو يحرك «زلومته» ببطء وتكاسل.. فرد عليه «القرد»، وهو يتسلق فرعاً عالياً بالشجرة: «إيه ده؟.. أنا شايف خيم وناس كتير قاعدة فى التحرير، ورافعين يفط برضه، واضح إنهم مش مع الجماعة اللى برة»، تصرخ «غزالة شاردة» وهى تقفز فزعاً: «آه.. دول اتقسموا يا معلم.. مسلمين وكفار، يبقى الدم جاى جاى.. واحنا هنروح فى الرجلين»! هبط «ميمون» سريعاً إلى الأرض، وهتف فى الحيوانات بحدة: خلاص.. أنا فهمت كل حاجة.. الجماعة اللى برة عايزة تغيّر البلد على مزاجها.. والجماعة اللى فى التحرير عايزين يشاركوا فى التغيير.. ولأنهم بنى آدمين، وكمان مصريين مش هيتفقوا خالص، يبقى إحنا نعمل إيه؟!.. فصرخ «الحمار»: أيوه يا ميمون بك.. قل لنا نعمل إيه؟!.. أمعن القرد فى التفكير للحظات، وقال: «إحنا كمان لازم نستعد للحظة دى.. اللى مع دول يقف على اليمين، واللى مع دوكهما يقف على اليسار!». أسرعت الحيوانات يميناً ويساراً.. وانتظمت الصفوف، باستثناء الحمار الذى ظل فى المنتصف، فصرخ فيه القرد: «واقف هنا ليه يا حمار»؟!.. فرد مرعوباً: «أنا محتار يا أفندم، خايف أقف فى أى ناحية، أضيع لما الناحية التانية تكسب».. فأجابه «القرد»: أصلك حمار.. ما كلنا ضايعين يا أهبل يا ابن الأهبل!