بين يونيو 67 وأكتوبر 73 مساحة من زمن كانت دهراً، بدأت بصدمة عاتية فى لحظة اكتشاف لمرارة واقع اختبأ خلف صخب سياسى انقطع عن أسباب التقدم الحقيقى، وأجاد نحت شعارات مبهرة دون ترجمة على الأرض، وتتوالى الأحداث الدرامية لتصل إلى إحدى ذراها، 28 سبتمبر 1970، برحيل مفاجئ للزعيم، يختطفه الموت بعد مؤتمر قمة يسعى لرأب الصدع بين إخوة فرقاء من زعماء العرب، كان رحيله من أبرز تداعيات هذه القمة التى اكتشف فيها استحالة تحقيق حلمه بتوحيد جماعات يجمعهم اللسان والجغرافيا وبعض من تاريخ، وتفرقهم الكراهية والذاتية وغياب الرؤية. يموت الزعيم ولا تموت الأمة المصرية، تلملم أطرافها وتطبب جراحها، وتستدعى مخزونها الحضارى، وتنتبه لقواعد الخروج من نفق الهزيمة، التخطيط والجدية والالتزام واستثمار التنوع وبناء الاندماج الوطنى، وشحذ الإرادة والإصرار، لتصل إلى استرداد الكرامة فى نصر أكتوبر 73 المجيد. وبين أكتوبر 73 وأكتوبر 81 نتواجه مع تقلبات عاتية، تنتهى باغتيال السادات لندخل فى بيات شتوى تسلل إلينا ثم صار واقعاً ثقيلاً يمتد حتى 25 يناير 2011 يزاح بثورة تجمعت فيها إرادات الغضب، ثم نتواجه مجدداً مع خطر الذوبان فى مشروع الخلافة الذى يحاصرنا مع حكم الجماعة الإرهابية لينتفض الشعب وقد انتبه لهذا الخطر الداهم فيعيد الوطن إلى مساره الصحيح مع 30 يونيو 2013. واليوم، ونحن نستعيد لحظات الانتصار، نجدنا بحاجة إلى الدعوة لعودة روح أكتوبر وانتصارها الذى لم يكن رمية بغير رام بل كان نتاج مقدمات بدأت عقب لحظة الانكسار، بدأت بالاستفاقة والاعتراف بالأخطاء التى قادت للهزيمة، والأخذ بالأسباب وإعادة هيكلة الجبهة الداخلية والعسكرية، واعتماد التخطيط منهجاً، واستثمار التنوع والتعدد والتكامل بين الجبهات، وتوظيف الطاقات فى مواقعها الصحيحة، والاعتراف بأجيال الشباب وإتاحة الفرصة لهم، ومواجهة موجات التشكيك بالقدر الذى لا يكشف أسراراً، وبالصبر والاحتمال الذى يدرك حساسية المرحلة. نحن نواجه معارك لا تقل فى تحدياتها عن معارك العبور والتحرير تلك، لأنها معارك التحرر من قيود التخلف والعبور إلى المستقبل، ومقاومة دعوات الردة إلى ما قبل الدولة والتى تسعى لتفكيك الوطن وتفتيته، ومعها لا تكفى النيات الطيبة وأطياف التمنيات المخملية التى تسلمنا إلى نشوة مخدرة تفصلنا عن واقعنا. نحن بحاجة إلى روح أكتوبر فى إعادة الاعتبار لقيم العمل والمهنية والإجادة والالتزام بما يستدعى مراجعة وإعادة صياغة منظومة التشريعات بجدية ومشاركة مجتمعية حقيقية عبر دوائر الحوار والبحث والدراسات الأكاديمية فى مسارات متكاملة بعيداً عن نسق الجزر المنعزلة. نحن بحاجة إلى روح أكتوبر فى إعادة بناء منظومتنا التعليمية بجملتها وفق رؤية تربطها بالتطور الذى لحق بمثيلتها فى العالم وباحتياجات المجتمع وهو ما سبقتنا إليه دول جنوب شرق آسيا (الهند وسنغافورة وقبلهما اليابان)، وانطلقوا منها إلى دوائر التنمية وقفزوا بها إلى مصاف العالم الأول واقتحموا مجال التنافسية ونجحوا فيه. نحن بحاجة إلى روح أكتوبر فى الالتفات إلى الجامعات بالاتجاه إلى تقليص الكليات النظرية لحساب الكليات والمعاهد ومعها التعليم المتوسط لمد المجتمع بالتقنيين، فى مختلف مسارات العمل والإنتاج، حتى نواجه البطالة التى يشهدها خريجوها من المحامين حتى الأطباء وما بينهما. نحن بحاجة إلى روح أكتوبر فى إزالة الورم المزمن والمتنامى الذى أصاب الدولاب الحكومى وقفز بعمالته إلى أرقام تجاوزت حد الخطر بتضخم معوق للعمل، فضلاً عن تضخم الإنفاق الحكومى تبعاً لهذا، وظهور مؤشرات تراجع الكفاءة والفاعلية، وانخفاض جودة الخدمات المقدمة إلى المواطن، فى مقابل تزايد الضغوط المتنوعة على الأجهزة الإدارية، والتعامل العشوائى مع آليات الميكنة الإلكترونية فى كثير من الإدارات، ولدى كلية العلوم السياسية دراسات مهمة فى هذا الشأن. أكتوبر.. عد إلينا.