كنت لا أريد أن أشغل القارئ كثيراً ولا قليلاً بأمر يخص كمال الهلباوى، ولكن كثرة الاتصالات والاستفسارات عن سبب منعى من دخول الأردن، عصر يوم الاثنين 7 سبتمبر 2015، جعلتنى أفكر فى هذا الأمر ومحاولة إيجاد سبب له إذ إن المنع كما كتبوا فى ورقة الترحيل «عدم تمكين د. كمال الهلباوى من دخول الأردن لأسباب أمنية». أذكر هنا بعض أهم جوانب القصة الأليمة: وصلت الطائرة الأردنية التى ركبتها من مطار القاهرة إلى مطار عمان (الملكة علياء) الساعة الرابعة عصر يوم الاثنين الماضى. كنت قد عزمت على تقديم واجب العزاء شخصياً فى ابن الشيخ هاشم قيسية الذى توفاه الله تعالى فى حادث سيارة أليم، وذلك العزاء كان واجباً للصداقة التى جمعت بيننا. مطار عمان مثل العديد من المطارات فى العالم العربى، وملىء بالمهاجرين أو اللاجئين، خصوصاً من السوريين والليبيين. ضباط الجوازات والأمن فى المطار، كثير منهم يقدرون المواقف والظروف ويبتسمون وهم يتحدثون مع أصحاب المشكلات مما يخفف الهموم، ولكن عدداً قليلاً منهم فيهم فظاظة وعنجهية لا مثيل لها وكأنهم فى أمان.كانت سوريا فى أمان مع بعض المظالم السيئة وكانت ليبيا مع المظالم فى أمان واستقرار وصراع، وكانت العراق فى أمان واستقرار، وكانت هناك دولة رغم المظالم العديدة. ولكن جاءت لحظات انقلب فيها السحر على الساحر، وضاعت الدولة وضاع مع غياب الدولة الاستقرار والأمان، ورأينا الجماعات العنيفة والتكفيرية، و«داعش» فى كل البلاد التى ظلمت أو قصرت. و«داعش» هذه هى الصيغة المتطورة من «القاعدة»، تفسد وتدمر ولن يكون لها الذى تريد ولكن إرادة من وراءها قد تتحقق للأسف الشديد. رأيت، وأنا أنتظر الإفراج عن جواز سفرى، أسرة سورية -على سبيل المثال لا الحصر- جاءت لتعالج ابنتهم التى تبلغ من العمر ثلاث سنوات وعندها ورم فى المخ.. الضابط المسئول -وحسب التعليمات- أعطاها تأشيرة للدخول مشكوراً، ولكن بمفردها، ورفض تأشيرة دخول الوالدين أو أحدهما وكله حسب التعليمات. انتظرت حتى خرج ضابط من الغرفة السحرية بجواز سفرى من غرفة الكشف على المجرمين وأصحاب السوابق، ونادى اسمى بأدب شديد وابتسامة لا تدرى هل هى ابتسامة شفقة أم استهزاء. أبلغنى الضابط أن المخابرات عندما عرض عليها الأمر قالت بعدم تمكينى من دخول الأردن. أنت لا ترى المخابرات للتفاهم معهم، ولا شرح الأمور أو معرفة تلك الأسباب الأمنية. أخذ الرجل بيدى وظل يواسينى كأننا فى مأتم أو كأننى فقدت عملى أو صحتى، أو ليس لى وطن، شكرته بكل ود وقوة وقلت له باب مصر مفتوح لى ولكم ولكل العرب. ذهبنا معاً إلى غرفتين متداخلتين (من داخل بعض كما يقول المصريون) غرفة واسعة للرجال المطلوب ترحيلهم، وغرفة من داخلها للنساء المطلوب ترحيلهن، الغرفة واسعة وقذرة لأن بعضهم ينام فيها حتى تأتى طيارته بعد يوم أو يومين أو يجد قيمة التذكرة، وفيها من يدخن السجائر وغير ذلك. رفضت الجلوس أو دخول الغرفة، وطلبت الذهاب إلى صالة السفر فهناك مقاهٍ ومطاعم وأماكن للجلوس، ولكن التعليمات لا تسمح بذلك إلا قبل إقلاع الطائرة بنصف ساعة. من يريد الحمام يذهب إليه مخفوراً، ومن يريد الطعام يذهب ليشتريه مخفوراً. حدثتنى نفسى أن أكلم بعض الأصدقاء مثل الدكتور إسحاق الفرحان (عضو مجلس الأعيان ورئيس جامعة الأردن سابقاً وجامعة الزرقا)، أو الأستاذ بلال التل الإعلامى المعروف صاحب جريدة «اللواء» المحترمة. ولكننى فى النهاية اقتنعت بأن العودة إلى مصر فى ظل هذه الظروف أولى وأفضل، حتى من الدخول مع الاعتذار. تذكرت بعض الأمور ذات الصّلة وأنا جالس أنتظر الطائرة وكانت معى تذكرة العودة وحمدت الله على ذلك، وإلا فلا أدرى أين كنّا سنقضى الليلة أو الليالى. تذكرت مقالاً كتبه صحفى يسمى أسامة الرنتيسى فى جريدة «الغد» منذ سنتين يتهمنى أنا والدكتور همام سعيد، مراقب الإخوان فى الأردن وقتها، بأننا تقابلنا سراً مع ستيفن كابس رئيس المخابرات الأمريكية سابقاً والسيدة إليزا بولر رئيسة الاستخبارات البريطانية سابقاً، وكان اللقاء فى تركيا، وتذكرت أيضاً ما كتبه الإعلامى على يونس من واشنطن فى «العربية نت» بعد استقصاء دقيق للأمر، حيث اتضح له أن هذه الاجتماعات المزعومة «مفبركة» حتى مع الصور المرصوصة التى تبدو حقيقية لأول وهلة. رفعنا مع الدكتور همام سعيد قضية ضد جريدة «الغد» الأردنية وسافرت إلى الأردن مرتين لتوكيل المحامى الشهير محمد الرشدان ولحضور المحكمة، لم يكن الظهور فى المحكمة ولا الحديث مع القاضى مريحاً، ثم اعتذرت إدارة جريدة «الغد» ومنعت نشر الجزء الثانى -كما أتذكر- من المقال الكذب الذى كتبه أو فبركه أسامة الرنتيسى، ومن ثم تنازل إخوان الأردن عن القضية. تذكرت هذا الأمر وتذكرت ما قيل لى وقتها أن الفبركة جاءت للرنتيسى من داخل فلسطين، قلت لهم ذلك وربما من المحتلين المجرمين وأعوانهم، وقلت مع نفسى ربما كان السبب هو الظهور فى المحكمة والحوار مع القضاة. ولا يزال السبب غامضاً حتى اليوم وربما نصل إلى تفسير لهذا الأمر الغريب فى الأسبوع المقبل فى ضوء الاتصالات الرسمية وغير الرسمية، التى بدأت. والله الموفق.