كان أمامه طريقان، فاختار أصعبهما. بعد «30 يونيو»، وقف الفريق أول عبدالفتاح السيسى -حسبما أتخيل- فى لحظة مراجعة طويلة وصادقة مع النفس، وهدفه تحديد المصير -شخصاً ووطناً- باتخاذ أحد قرارين فى مرحلة أبداً لا تحتمل الخطأ. الأول: الاكتفاء ب«دخول التاريخ» فقط بعد حماية إرادة المصريين فى «ثورة التصحيح» التى أنقذت الوطن من أيادى أخطر جماعة إرهابية فى تاريخ العالم.. جماعة كانت -ولا تزال- تدفع بكل ما أوتيت من قنابل ومؤامرات دولية وكوادر «مغسولة العقول» للسقوط فى مستنقع الشرق الأوسط الجديد. إذن، القرار هنا «البقاء داخل ثكنات الجيش.. والعودة لاستكمال حماية الوطن متى دفعت الحاجة إلى ذلك». الثانى: مواصلة فتح «أبواب التاريخ» للدخول من أوسعها، والبقاء -للأبد- فى وجدان الشعب والوطن، ولكن الطريق إلى ذلك طويل جداً، وشاق للغاية، واجتيازه حتى النهاية صعب ربما لدرجة «الاستحالة». يا إلهى، الشعب مفكك وتائه مع ثورتيه.. الاقتصاد أصبح على نفس درجة ضعف «خيوط العنكبوت».. الفوضى تتوغل وتنتشر وتسيطر.. أعداء الداخل والخارجة يضربون ب«مؤامرات» لم يسبق لها مثيل.. ومؤسسات الدولة وصلت ل«تآكل شبه كامل» من شدة الصدأ. إذن، القرار هنا «الجلوس على كرسى النار والقبول بالمهمة المستحيلة.. والمسألة فى حقيقتها إجبار وليست اختياراً». وهكذا، وجد «السيسى» نفسه فى قلب «المهمة المستحيلة» مع شعب لم يعد يطيق الانتظار، ولا يتحمل الضغوط، ولا يقبل بمبدأ «الواجبات قبل الحقوق». عليه أن يصارع الزمن وينجح فى إعادة الحياة لاقتصاد شارف على الموت.. وإنقاذ الشباب من الإصابة ب«الشيوخة» على مقاهى البطالة.. ومكافحة الإرهاب بالقضاء -بالفكر قبل الأمن- على جماعته.. واستعادة المكانة والدور فى منطقة يصيبها الدمار والتقسيم بأسرع من سقوط حبات لعبة «الكاندى كراش». وفى غضون عامه الأول، حقق الرجل نجاحات كبيرة تقترب من حد الإنجاز، بداية من قطع أيادى الإرهاب الطويلة ووضعه «تحت الحصار»، مروراً ب«إنعاش» الاقتصاد، سواء بالمواجهة الشجاعة مع ملف الدعم أو اتخاذ مشروعات مؤتمر شرم الشيخ طريقها نحو التنفيذ، وحتى أيقونة قناة السويس الجديدة، غير أن كل تلك النجاحات والإنجازات «كوم»، وإعلان الحرب على الفساد والبدء ب«الرؤوس الكبيرة» فى قضية فساد الزراعة «كوم تانى خالص». الإنجاز هنا تاريخى -بكل معنى الكلمة- ويضرب 5 «عصافير» على الأقل ب«هلال» واحد. ■ الرئيس يستعيد «بريق شعبيته» -وليس شعبيته- بمنتهى القوة والسرعة بعد تعرضه لعمليات ومحاولات تشويه، سواء تلك الممنهجة من ميليشيات الإخوان الإلكترونية، أو التى يتكفل بها «دببة» كل نظام. ■ تلك المواجهة المصيرية تفتح «طاقة أمل» لهذا الشعب المغلوب على فساده منذ قديم الأزل فى إمكانية أن يعيش «بنضافة». يحصل على حقوقه دون أن يضطر إلى وضع «شقاه» داخل «الدرج المفتوح» بالمصلحة الفلانية، أو بين «دوسيه» المرور، أو «مكرمشاً» فى يد أمين الشرطة. ■ نحن أمام فرصة حقيقية لإعادة فئات وطنية كثيرة -خاصة من الشباب والمفكرين الذين اتجهوا ل«خانة المعارضة»- إلى «الاصطفاف الوطنى»، الأمر يضاعف من قوة الدولة وقدرتها على النجاح والإنجاز، ناهيك عن تحويل الإخوان إلى «جماعة منبوذة تماماً» تعانى «الانكماش».. وربما تواجه «الانتهاء» فيما بعد. ■ ما يحدث يبعث برسالتين فى منتهى الأهمية. الأولى للفاسدين: عليكم أن تتحسسوا رؤوسكم قبل التفكير فى اللعب بذيولكم، لأن النتيجة ستكون بقطع الرأس والذيل معاً. أما الثانية فهى للشرفاء: حان دوركم لتقدم الصفوف بعد سنوات التهميش والإقصاء. ■ استغلال «الفرصة الكبيرة» يضع البلد على أعتاب مرحلة جديدة من الانطلاق بقوة على كل المستويات والتحديات. إغلاق باب الفساد -وحده ودون مبالغة- يفتح كل أبواب النجاح دفعة واحدة. فقط، تقدموا ب«الفرصة».. ولا تديروا لها ظهوركم.