للثورة تعريفات كثيرة.. لكن ليس من بينها أنها «زر» تضغط عليه فتتغير كل الأوضاع المتردية والمزرية فجأة إلى أحسن حال. بل من الطبيعى والمتوقع أن تسوء الأحوال بعد الثورة على المدى القصير قبل أن تتحسن على المستويين المتوسط والبعيد. طريق الثورة أشبه بمن يسير بمركبة فى طريق، ويلزمه أن يسير فى نفس الاتجاه قبل أن يصل لنقطة الدوران للاتجاه المعاكس. فمَن نظر إليه على المدى القصير صرخ وقال إننا لم نتغير، وإننا نسير فى نفس الطريق الخاطئ، بل تأخرنا وبعُدنا عن النقطة التى كنا فيها، ومن انتظر قليلاً سيرى أن المركبة وصلت نقطة الدوران وبدأت الحركة فى الاتجاه الصحيح، ومن انتظر أكثر سيرى الفرق.. لكن «منين نجيب الصبر يا أهل الله». البعض لا يصبر.. والبعض يدرك ضرورات الأشياء، لكنه يجادل ويمارى. بعد حادث قطار منفلوط، راح البعض يقارن بين حوادث عهد مبارك وحوادث عهد مرسى، وقال مثلما قال بنو إسرائيل لنبى الله موسى «قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا».. لا مبارك نافع ولا مرسى شافع.. إلى آخر التعليقات المحبطة، وكأن مرسى يملك «الزر» الذى إذا ضغط عليه حُلّت مشكلاتنا. نحن فى مصر خُيّرنا بين النظام والفوضى فاخترنا الفوضى، وخُيّرنا بين الأمان والمجازفة فاخترنا الأخيرة. من منا لم ير سبّاكاً يتسلق المواسير الخارجية دون حبل أمان، أو عمال البناء يتحركون على السقالات كالبلهلوانات، أو عمال التكييف معلقين فى الهواء خارج البنايات؟ مَن منا يقوم بتبديل قطع غيار سيارته وفق معدلات المسافة أو الزمن التى يوصى بها المصنع؟ وهل تظن أن سائق الأجرة أو الميكروباص أو جراجات أوتوبيس النقل العام أو النقل بين المحافظات.. أو القطارات أو غيرها يفعلون ذلك؟ الكل ينتظر ولا يقوم بالتبديل إلا بعد حدوث العطل، ويفعل ذلك مضطراً وباستخدام أقل الخامات جودة وأرخصها ثمناً. فماذا تكون النتيجة؟ وماذا لو حدث العطل مفاجئاً أثناء السير؟ مَن منا لم ير الناسَ تقفز إلى الأوتوبيس، أو منه، بينما يسير بسرعة، والسائق لا هو يتوقف ولا هو يغلق الباب؟ مَن منا لم ير السيارات الصغيرة والكبيرة والشاحنات تندفع على الطرقات دون أدنى عقل أو روية أو التزام بقواعد المرور، فإذا وقعت الواقعة قيل إن عجلة القيادة اختلت فى يد السائق! ولماذا لا تختل العجلة إلا فى أيدى سائقينا، أم أن الخلل فى عقولنا؟ مَن منا لم يمر على مزلقان سكة حديد؟ تسمع صوت جرس الإنذار، وهدير القطار، ومع ذلك يشير لك عامل المزلقان بالمرور، وإذا صمّمت على التوقف لم ترحمك ألسنة باقى السائقين، وربما أجبروك على عبور المزلقان. فماذا نتوقع بعد ذلك؟ النتيجة أن معدلات الحوادث فى مصر تزيد بنسبة 20 ضعفاً عن المعدلات العالمية. وهذا قليل.. لأننا شعب يعيش بالستر، ولولا لطف الله لهلك أضعاف ذلك. وبدلاً من البحث عن أصل الداء، نستسهل أن نعلق كل أخطائنا وعيوبنا على شماعة مرسى وقنديل والإخوان!