كانت عقارب الساعة تشير إلى الثالثة عصراً، عندما التقينا أسرة والد الشهيد «أحمد محمود أحمد» وشقيقته، أول شهيد سقط فى أحداث محمد محمود، مساء يوم السبت 19 نوفمبر 2011، يحملون فى أيديهم صورته، ويسترجعون ذكريات ليلة تلقيهم خبر استشهاده، وآخر الكلمات التى قالها قبل أن يغادر المنزل متوجها إلى عمله ثم إلى ميدان التحرير. «هتوحشينى وخلى بالك من نفسك».. آخر كلمات كتبها «أحمد» لشقيقته «أميرة»، الطالبة بالفرقة الثالثة كلية الإعلام جامعة القاهرة، التى عادت مع «الوطن» بذكرياتها مع شقيقها فى آخر مرة رأت فيها شقيقها فى يوم الجمعة 18 نوفمبر، وسط الجو الأسرى المملوء بالدفء تخلله العديد من الكلمات التى قالها «أحمد» وكأنه يودع عائلته، ولكن لم يلتفت إليها أحد من البيت رافضين فكرة فقدانه. وقالت أميرة، إنها تلقت خبر وفاة شقيقها من أحد أصحابه عبر «الفيس بوك»؛ «فنزلت مسرعة إلى ميدان التحرير أبحث عنه وسط أصحابه، إلى أن اتصل بى أحد أصحابه وقال إنه فى مستشفى المنيرة بالسيدة زينب، فتوجهت مسرعة إلى المستشفى، وهناك التقيت بوالدى، وعلمنا أنه توفى نتيجة إصابته بطلق نارى، وأنه لفظ أنفاسه الأخيرة بمجرد وصوله إلى المستشفى، وعدم تمكن الأطباء من إسعافه، بعد أن انتظرنا 45 دقيقة كاملة». وأضافت أن «التقرير الطبى الصادر أوضح وجود جرح تهتكى نافذ شبه دائرى قطره نحو سنتيمتر أعلى الصدر من الجهة اليسرى من عظمة الصدر، وتوجد آثار حروق بجوار الجرح (آثار مقذوف نارى)، وتبين وجود جسم غريب بالأشعة العادية بأسفل الصدر من الجهة اليسرى وسجحات بالكتف الأيسر والمرفق الأيسر والرسغ الأيسر والركبة اليسرى وسجحة بمنتصف الجبهة والأنف». وأوضحت أن ما يزعجها أن هناك من يردد أن من قتل فى أحداث الثورة وما تلتها من أحداث مجموعة من البلطجية، وأن أحمد كان موظفا بإحدى شركات تكنولوجيا المعلومات وليس بلطجيا، مؤكدة أن الدكتور محمد مرسى، أول رئيس بعد الثورة، لم يستطع أخذ حق الشهداء حتى الآن، وأنه «مفيش أمل»، على حسب تعبيرها. وتساءلت أميرة عن حق دم شقيقها ومن المسئول عنه، فى ظل انشغال من يطلقون على أنفسهم «قوى ثورية»، على حسب تعبيرها، الذين انشغلوا بتقسيم التورتة بعد كام شهر من قيام الثورة وتفريطهم فى دم شهداء الثورة، واهتمامهم بالمناصب والانتخابات، وبعضهم وصف الشهداء على الفضائيات بالبلطجية، متسائلة: «أين كنتم وقت ما استشهد أخويا والباقين؟». من ناحية أخرى، قال محمود أحمد محمد، والد الشهيد «أحمد»، إن كل ما يرجوه أن يعيش هو وأسرته فى أمان، وأنه لا يريد شيئا آخر، مضيفا أن النظام لم يسقط بعد وقاموا بتلفيق قضية لابنته بسبب اعتراضها على موظف داخل لجنة انتخابات الرئاسة فى جولة الإعادة، وهددوها أنها لو نزلت ميدان التحرير مرة أخرى سيتم سجنها. «ابنى كان العائل الوحيد لنا وذهب يحمل شاش وقطن للمصابين ورأينا الضابط يضرب جثته بقدمه على شاشة التليفزيون»، هكذا بدأ والد الشهيد عادل إمام، الذى كان يسكن فى منطقة حدائق القبة، حديثه ل«الوطن»، حيث قال: «ابنى توجه مع أصحابه لشارع محمد محمود يوم الأحد لكى يقف بجانب المصابين، وبعد أن قام بشراء شاش وقطن وبعض الأدوية للمصابين ودخل الشارع ليحمل جثة أحد المصابين بالقناصة، تلقى رصاصة اخترقت رأسه وهو يحمل جثة أحد الشهداء، ليلقى أنفاسه الأخيرة معه، وبعد أن ذهبت للبحث عنه وجدته فى ثلاجة مشرحة زينهم مع عشرات الشهداء». والد الشهيد أكد أن المسئولين فى مصر لم يسألوا عنهم، وأنه توجه لمكتب الدكتور كمال الجنزورى لكى يحصل على تصريح كشك صغير، نظرا لأنه لا يعمل وأن ابنه الذى كان يعمل فى ورشة لحام هو العائل لهم نظرا لكبر سنه هو ووالدته، ولكنه أعطى له شهادة تقدير. وأوضحت والدة الشهيد أنها فوجئت، وهى تشاهد الأحداث عبر وسائل الإعلام وأثناء اقتحام قوات الجيش لميدان التحرير، بأحد الضباط وهو يركل جثة ابنها وهو ملقى على الأرض ومعه أعداد أخرى من الشهداء، و«صرخت وبكيت، وقلت: ابنى صاحب ال21 عاما الذى كان صاحب البسمة فى منزلنا والذى لن نتنازل عن دمائه التى ذهبت هدرا، بعد أن لم يحدث التغيير الذى فقد دماءه من أجله». وبمجرد أن تدخل منطقة السيدة زينب وشارع مسكنه بالقرب من مدرسة الخديوية تجد صور الشهيد «أحمد صالح» معلقة على مداخل الشارع الذى يخيم عليه الحزن رغم مرور عام على وفاته، وتقول والدة الشهيد أحمد محمد صالح المعروف بالشهيد أحمد العجوز، وهى تمسك ببرتقالة تظهر عليها علامات التعرية وشحابة اللون، التى أعطاها لها ابنها الذى لقى أنفاسه الأخيرة برصاص القناصة فى شارع محمد محمود يوم الأحد 20 نوفمبر: «ما زلت أحتفظ بالبرتقالة التى أعطاها لى قبل خروجه من المنزل أثناء أحداث محمد محمود وهو يقول لى: خلى البرتقالة معاكى هاكلها لما أرجع، وأصر على النزول مساء الأحد بعد أن عاد فجر ليلة السبت وهو يظهر على وجهه علامات الغاز والإرهاق، بعد أن قضى يوم السبت بأكمله فى الأحداث، وقال لى قبل ساعات قليلة من مغادرته: انتى عاوزاها جنة ولا نار؟ فقلت له: جنة، فقال لى: إن شاء الله هتبقى كده». وأضافت والدة الشهيد: «ابنى كان يحضر لمشروع تخرجه فى كلية نظم ومعلومات، وكانت آخر كلمات أحمد لوالده: لو عايز تعرف الحقيقة انزل محمد محمود ولا تصدق ما تراه عيناك فى وسائل الإعلام، الواقع يشهد أكثر. وقام بوداع إخواته ومر على جميع أصدقائه فى المنطقة قبل ألا يعود مرة أخرى». وأكدت والدة الشهيد أنها حاولت هى وأسرة الشهيد أن تلتقى بالدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية فور توليه رئاسة الجمهورية وإعلان فتح أبوابه للقاء أسر الشهداء، وظلت أكثر من 9 ساعات أمام بوابة قصر الاتحادية، ليدخل فى النهاية والد الشهيد ليقابله مرسى لمدة دقيقتين ويقول له: إن شاء الله حق ابنك فى رقبتى»، الوعد الذى لم ينفذه الرئيس بعد عذاب وإهانة لهم أمام القصر، مؤكدة أن الرئيس مرسى جاء على جثة ابنها ولن تتنازل عن القصاص له. وقال كريم صالح، الشقيق الأصغر للشهيد أحمد: «أنا ذهبت للبحث عن أخى فى شارع محمد محمود بعد أن تأخر عن العودة، ووجدت الضرب وقوات الشرطة تضرب بكل قوة، والغاز منتشرا بكثرة داخل الميدان، وكل دقيقة يسقط مصاب أو شهيد، ونسيت أخى ودخلت مع الشباب إلى الشارع، وتمت إصابتى ووجدت نفسى فى مستشفى المنيرة مصابا باختناق». كريم أكد أنه بعد بحث طويل عن أخيهم الشهيد يستدل والده على جثة أخيه داخل عنبر 5، وهو عنبر الموت فى مستشفى القصر العينى، بعد أن ظل ينزف لمدة أربع ساعات دون علاج، مؤكدا أنه سيستمر فى البحث عن حق أخيه.