«حمدى»: محدش هيدينى أكل لو قعدت فى البيت فى منتصف أحد شوارع منطقة فيصل بالجيزة، يجلس الرجل الستينى، مرتدياً جلباباً رثاً، ذو وجه شاحب، محترق من حرارة الشمس، لا يستطيع الحركة نتيجة كسر فى قدمه اليمنى، ولا يستطيع الرؤية بوضوح، بعدما ضعف نظره من شدة التعب فى عينيه، فجلس فى أحد الشوارع يبيع «خضرة»، حتى يستطيع الإنفاق على زوجته وابنته التى تعيش معه، بعدما استطاع أن يزوج الثلاث الأخريات منهن. حمدى عبدالوهاب الريدى، جاء من المنيا قادماً إلى القاهرة منذ 4 سنوات، يقول إنه فى بداية قدومه إلى القاهرة وجد عملاً كبواب على إحدى الفيلات الواقعة فى منطقة الهرم، لكن لم تمر سنة وفقد الرجل عمله، فاختار الرجل أن يجلس فى الشارع حتى يبيع «الخضرة» من فجل وجرجير وبقدونس، قائلاً: «عربية بتيجى تنزل ليا البضاعة كل يوم وتمشى». تحت منضدة من القماش، يجلس تحتها «حمدى»، إنها سلاحه الذى لا يمكنه الاستغناء عنه، أحضرها له أحد أهالى الخير حتى تحميه من حرارة الشمس، التى ملأت جسده البدين من التسلخات وإحراق بعض مناطق الجسم من شدة الحرارة، فهو يجلس فى الشارع من الساعة السابعة صباحاً حتى الساعة الثامنة مساءً، فيروى «حمدى» أنه كان يعمل «شيالاً» فى محل مولده بمركز مغاغة فى محافظة المنيا، وأنه خسر عمله نتيجة حمولة زائدة فى إحدى المرات تسببت فى ألم شديد بظهره، منعه من العمل مرة أخرى، قائلاً: «كنت بشتغل شيال وفى مكان فى الموقف فى مغاغة لما ييجى المسافرين أو لما تيجى عربيات عايزة تتحمل أى محصول قطن أو فول وغيره، وقعت فى مرة وأنا شايل حمولة تقيلة وقعت على ضهرى وماقدرتش أشتغل تانى». مردفاً أن أهل الخير سعوا له فى الحصول على معاش، حتى تم صرف معاش له 300 جنيه شهرياً. يسكن «حمدى» مع زوجته وابنته الصغرى، فهو لديه 4 بنات منهن اثنتان متزوجتان فى المنيا، والثالثة فى القاهرة، فهو يعمل من أجل الإنفاق على زوجته وابنته، فرغم صعوبة العمل فى طقس شديد الحرارة، فإن «حمدى» يرى أنه لا يستطيع الجلوس دون عمل، فمن الذى سينفق على أهل بيته، قائلاً: «أكل العيش محتاج كدا محدش هييجى ويدينى، لو معملتش كدا هقعد فى البيت ومش هلاقى أصرف على أهل بيتى». يروى الرجل الذى أصابه الضرر فى عينيه، أنه لم يعانِ من المرض إلا عندما جاء للعيش فى القاهرة، فكان يعيش فى راحة ببلدته فى المنيا، قائلاً: «أنا ندمت إنى سبت البلد عندنا فى المنيا، ودى بلدى وبحبها وكنت عايش مرتاح، وناوى أرجع أعيش هناك قريب». فى الناحية الأخرى من الشارع الذى يجلس فيه «حمدى»، تقف امرأة، اقتربت من إتمام العقد الخامس من عمرها، مرتدية جلابية سوداء اللون، تقف أمام طاولة خشبية، تضع عليها «الخبز» الذى تبيعه، فتقول شادية زهران، إنها تعمل فى الشارع منذ 14 شهراً، من أجل الإنفاق على أولادها بعدما مات زوجها، فهى لديها 4 بنات وولدان، لم تستطع تعليمهم، لكنها تحاول أن تنفق عليهم فى المأكل والملبس، قائلة: «أنا بصرف على البيت بعد جوزى ما مات من 18 شهر، وأنا واقفة بطولى فى الشارع عشان أعيش ولادى». «الهدوم ياما تدارى، الجسم كله تسلخات من الشمس»، توضح «شادية» أن درجة حرارة الشمس العالية تتسبب لها فى الالتهابات وحرق وجهها من شدة أشعة الشمس، لكن لا يمكن لها أن تستريح فى البيت، حتى تنفق على أولادها: «أنا بشتغل عشان ألاقى لقمة بالحلال، ومامدش إيدى لحد».