لا يتوقف شريط الأحداث المأساوية التى شهدتها والدة الطفلة «رحمة على محمود»، عن إعادة عرض تفاصيل ساعات «الموت البطىء» الذى أنهى على حياة ابنتها التى لم يتجاوز عمرها 6 أشهر، بسبب «المحلول القاتل»، الذى حقنت به داخل مستشفى «أهناسيا»، لمعالجتها من نزلة معوية حادة، ليصبح الدواء هو الداء القاتل. داخل منزلهم الصغير بأقصى غرب محافظة بنى سويف، جلست الأم تروى تفاصيل ما حدث لابنتها، قائلة إنها استيقظت فى يوم الحادث على بكاء نجلتها المستمر، وارتفاع درجة حرارتها، وإصابتها بإسهال وقىء مستمر، لتبدأ رحلة موت «رحمة» داخل مستشفيات الحكومة. وتتوقف الأم عن رواية القصة، وتوجه اللوم لنفسها قائلة: «إحنا السبب فى موتها لأننا ولاد الفقر، ما نملكش ثمن كشف الطبيب الخصوصى، مكتوب علينا نجرى على مستشفيات الحكومة، الدكاترة والممرضات يشتمونا ويوقفونا فى الصف فى عز الحر، وبعد أكثر من ساعتين يبصوا على ولادنا بقرف، ويكتبوا لنا كلمتين على تذكرة أو يعلقوا لنا المحلول اللى يموت ولادنا». وعادت لتسرد تفاصيل «اليوم المشئوم»، قائلة: المهم أخدت ابنتى وذهبت لمستشفى أهناسيا، كشفوا عليها بعد معاناة وعلقوا لها محلول الجفاف، وبعدها غابت الطفلة عن الوعى، و«لاقتنى مش عارفة أمسكها فى يدى وحاولت أفوقها لكن ما نفعش، فاستدعيت الممرضة اللى أول ما شافتها، طلعت تجرى جابت الدكتور، والخوف ملأ قلبى وحسيت إن فية حاجة غلط، وابتديت أبكى بصوت عالى داخل المستشفى». وتابعت الأم: الدكتور أخذ البنت منى وأعطاها حقنة، وقال «لازم تروح المستشفى العام فى بنى سويف هى وحالات ثانية»، ووقتها دخلت رحمة فى مرحلة «التشنج وطريق الموت». تواصل والدة رحمة: عدد كبير من الأطفال أصيبوا بحالات تشنج بعد ما أخذوا المحلول أيضاً، وسارع أهلهم لنقلهم للمستشفى العام بسياراتهم أو على حسابهم، لكن «أنا ما كانش معى تمن المواصلة، واضطريت أنتظر سيارة الإسعاف لنقلى أنا وابنتى»، وحضرت سيارة الإسعاف بعد فترة، ونقلتنا للمستشفى العام فى بنى سويف. وأضافت: «أول ما دخلنا لقيت حالات تانية زينا كتير، والوضع مقلق داخل المستشفى مع بكاء وصريخ، بعدها اخدوا بنتى وأعطوها حقن، وقالوا لنا البنت محتاجة تتنقل للمستشفى الجامعى، لأن حالتها خطر وهى تعبانة، ونقلوها بسيارة الإسعاف إلى المستشفى وهناك لقينا معاملة أحسن شوية، وأخدوها مننا ودخلوها على جهاز التنفس الصناعى، وقعدنا يوم كامل هناك مستنين قضاء ربنا أو شفائها، وفية ناس حالتها اتحسنت وأخدت ولادها وخرجوا، لكن قضاء ربنا وقدره أنها تموت وتفارقنا». «أنا عارف إن المستشفيات الحكومية خربانة وما فيهاش حتى الحقنة، لكن الفقر وحش، الفلوس هى كل حاجة فى الزمن ده، مش معايا ثمن كشف الدكتور الخارجى هنعمل إيه نصيبنا كدا».. بهذه الكلمات بدأ على محمود والد الطفلة رحمة، (39 سنة - فلاح)، حديثه معنا، قبل أن يضيف: الحمد لله على كل حال أنا معى 4 أبناء غير رحمة، و«أنا كنت فى الغيط لما حصل اللى حصل وزوجتى أبلغتنى، ورحت لهم على مستشفى بنى سويف لما عرفت أن بنتى بتموت». وتابع: «وإحنا فى المستشفى العام الدكاترة قالوا لازم ننقلها المستشفى الجامعى، بس اتأخرنا قوى لحد بالليل خالص، واتنقلت فى الإسعاف بس الحالة كانت متأخرة وقالوا لنا كانت محتاجة تتنقل بدرى شوية، وفضلت رحمة على جهاز التنفس الصناعى لحد ما توفت». ويضيف والد رحمة: «المصايب لما بتيجى بتيجى مرة واحدة، فى نفس اليوم اللى رحمة اتنقلت فيه للمستشفى، أنا سبت الغيط بتاعى وجريت على بنى سويف، وتركت المواشى بتاعتى أنا وواحد شريكى، ولما بعت أخويا يشوف المواشى لقاها اتسرقت، بقى موت وخراب ديار». واختتم الرجل حديثه قائلاً: «مش هنقدر نقول ربنا يعوض علينا، وحقها مش لازم يضيع من اللى أهملوا فيها، البنت تعبت لما دخلت المستشفى وعطوها المحلول، وما كانتش حالتنا إحنا بس، كل الحالات معانا فى المستشفى كانت كده بسبب المحلول اللى خرب بيوتنا وموت عيالنا، إحنا ما لناش إلا ربنا يجيب حقنا، حسبى الله ونعم الوكيل، بنتى كانت لسة طالعة للدنيا ومشفتش منها حاجة، وإهمال المستشفيات وراء موتها بسبب المحلول».