سلم ضيق يسمح بالكاد بمرور شخص واحد، درجات مظلمة بفعل ارتفاع أسعار الكهرباء، ودور ثالث به شقة ضيقة لا تزيد مساحتها على الستين مترا تسكن فيها صباح فواز إبراهيم مع زوجها محمد على وابنيها سارة «15 عاما» وعلى «12 عاما». كل ما فى منزل صباح ينضح ب«الثورة» و«الفقر» فى آن واحد، تحلم ب«عيش وحرية وكرامة إنسانية» كما هتفت بداية من يوم 26 يناير 2011، لكن غلاء الأسعار المستمر لم يسمح لها بتوفير أى من الثلاثة؛ لكى تحصل على «العيش» تستيقظ «صباح» يوميا فى تمام الساعة 5٫30 فجرا تقف فى طابور طويل للحصول على الرغيف «أبو شلن» كما تسميه صباح، تشهد معارك الجيران للحصول على «بجنيه عيش»، أى ما يوازى 20 رغيفا صغيرا، تتطلع بحسرة إلى أفران دون طوابير تبيع الرغيف الواحد ب25 قرشا، لكنها تعود إلى رشدها وتتذكر أنها فى الأساس تملك جنيها واحدا لا غير، لإطعام أسرتها المكونة من أربعة أفراد. غلاء الأسعار الشديد الذى تشهده الأسواق المصرية لم يسمح لصباح بتحقيق الحلمين الباقيين، الحرية والكرامة الإنسانية، فكيف يمكنها تحقيقهما وزوجها لا يعمل نتيجة مرض شديد أصابه، وهى لم تجد عملا تسد به العجز المادى بسبب عدم حصولها على شهادة، وما تحصل عليه من دخل مادى شهرى يأتى من عملها فى تنظيف بيوت ميسورى الحال، وإن كان هذا العمل أيضاً غير منتظم، ودخلها منه لا يزيد على400 جنيه شهريا. تلجأ صباح لعدد من الحيل للتغلب على غلاء الأسعار، وبما أن الطعام هو الملتهم الأكبر لميزانية أى منزل، فإنها تعمل جاهدة على توفيره بشكل ملائم، لأبنائها الذين يأتون يوميا من المدرسة جوعى. «البتنجان والبطاطس هما الحل» تقولها صباح بثقة من عرف طعم الفقر دوما «هما دول صنفين الخضار اللى لسه ما أصابهمش جنون الأسعار المبالغ فيها، رغم إن البطاطس برضه ساعات بتغلى وبتوصل لأربعة جنيه، لكن البتنجان ما بيغلاش.. كل يوم الغدا بتنجان». ليس بوسع صباح أن تقدم لأسرتها سوى نوعين من طبيخ الباذنجان، أحدهما «مقلى» بالخل والثوم، والآخر وهو المسقعة يتوقف على سعر الطماطم و«مساعدات أهل الخير»، كما تحكى صباح «مفيش اختيارات تانية، بتنجان مقلى بالتوم، حتى المسقعة الأورديحى ما بنقدرش نعملها بسبب سعر الطماطم اللى وصل ل 7 جنيه، بس لما الظروف بتسمح بروح أشترى ربع كيلو أقطعهم على البتنجان»، عندما يغيب «الزيت» فى بيت صباح بسبب ارتفاع الأسعار تلجأ إلى «المهروسة»، كيلو من البطاطس تسلقه وتهرسه وتقدمه كوجبة غذاء خاصة فى أيام الشتاء الباردة. أما عندما تفرج الأحوال، يكون لدى صباح «منيو» مختلف لا يتضمن -فى أى من فصول السنة - اللحوم التى لا تزور بيتها إلا مع الأعياد بمساعدات من أهل الخير والصدقة، لكن قائمة الطعام المختلفة تشمل نصف كيلو من المكرونة المحمرة، وفى أيام الازدهار قد تشمل البيض والجبن والفول: «زمان كان الفول والبيض والجبنة بتوع الغلابة، لكن دلوقتى بقوا للبهوات واللى معاهم فلوس بس، أنا ما بعرفش أشتريهم غير كل فين وفين، البيضة دلوقتى بقيت ب 75 قرش، وكيلو الفول ب 10 جنيه، إزاى ده يبقى أكل الغلابة؟، حتى العدس اللى الغلابة كانوا بيشتروه سعر الكيلو منه وصل ل 8 جنيه». لا تتذكر صباح آخر مرة اشترت فيها كيلو فاكهة، لكن لديها يقين أن ذلك كان قبل عدة سنوات، قبل أن يصاب زوجها بمرض فى فقرات الظهر يجعله ملازما للسرير أغلب الوقت. «عايزين الثورة فى الرغيف» تحكى صباح عن أحلامها وأمنياتها من ثورة 25 يناير التى شاركت فيها، تذهب صباح للتضامن مع المواطنين فى جميع الوقفات والاعتصامات، آخرها مظاهرة شاركت فيها للتنديد بغلاء الأسعار، أما ابنها الصغير على، فجعل جدران البيت حائطا للثورة، وباب الشقة مكانا لكل شعاراتها، حيث كتب على خشب الباب «مصر حرة» و«بكره العصر هنروح القصر» و«هو يمشى مش هنمشى»، بالإضافة إلى صور الشهداء وهتافات الألتراس «يوم ما أبطل أشجع.. هكون ميت أكيد».