فى المقال الماضى ذكرنا أن أصحاب الدعايات غير البريئة أو الاحتيالية فى مجالات كالسياسة والإعلام بل وفى الحياة عموماً، يضغطون على معارضيهم باتهامهم أنهم يهدمون تقاليد وعادات ومعتقدات ورموز المجتمع والوطن. يدعى هؤلاء أنهم محايدون ولا يسعون إلا للعدالة وحسب، وبالتالى تشعر الجماهير أن هؤلاء المنتفعين هم الأكثر إخلاصاً لهم وللتقاليد والأكثر حماية وذوداً عن المجتمع والوطن وثوابتهم فى مواجهة هؤلاء الهدامين المدمرين الفوضويين، وتكون الجماهرة أقرب وأيسر فى التصديق دون أن ترهق نفسها بمناقشة عقلية أو فكرية فيما يتعلق بما تؤمن هى به، باعتباره الصواب لأنها تؤمن به، وتعتقد فيه اعتقاداً راسخاً لا يقبل نقاشاً، ثم لأن الجموع نفسها تؤمن به. تزداد قناعة الناس أكثر كلما كان ترديد هذه الحجة صادراً من سلطة سواء سياسية أو دينية أو غير ذلك، نظراً لما تحظى به السلطة من مهابة وخوف وتسليم وتبجيل فى نفوس العموم من الناس. ويجب ملاحظة أن الجماهير على العموم لا تدخل فى مناقشة التفاصيل، ويتبِع أصحاب النوايا غير الطيبة الذين يهدفون إلى تحقيق مصالحهم واستلاب الجمهور، وسائل أخرى للإجهاز على خصومهم، بصب هجومهم المكثف على شخصيات أفراد أو المجموعة التى تعارضهم، لا مناقشة أفكارهم ورؤاهم ولا الموضوع المختلف عليه، أى تطبيق ما يمكن تسميته (شخصنة الحجاج/ الحوار) نتيجة للعجز عن دحض أفكارهم بالعقل والحجة، ويا حبذا لو تم اصطياد هؤلاء المستهدفين فى مسائل أو مجالات تثير خوف وقلق ورفض جمهور المتابعين وغضبهم. يعمدون إلى تصوير الشخص (أو المجموعة) أنه المختلف عن الجموع، المنبوذ، المنفصل عن الناس، الذى يريد بهم الشر. إنهم فى هذه الحالة يمنعون المتلقين، إلا من رحم ربى، من مجرد الاستماع لهذا الشخص الذى ألصقت به صفات كالعميل أو الإرهابى أو الممول أو الشيوعى أو الفوضوى أو الخائن أو الملحد وما شابه، وتسمى هذه الاستراتيجية التى تستهدف الأشخاص ب(تسميم البئر) بما يعنى أن الجمهور سوف يرفض الخصم ويكذبه مهما قال فى دفاعه. إن هذه الحيل الماكرة تنطلى على ذلك الجمهور الذى يجلس متلقياً لا ناقداً ومستمعاً ولا مفكراً، وفارغ العقل لا رأى له ولا سؤال ينتجه، أما هؤلاء من الناس الذين يستخدمون عقولهم فلا بد أن يثيروا الشكوك ويتحروا الحقيقة سؤالاً إثر سؤال. هذه الاتهامات الباطلة والإشاعات المغرضة على الأفراد تحط من قيمتهم وقدرهم فى نظر العامة، وتحقق مكاسب ومنافع مجانية لمن يستهدفون الشخص، وكان السادات وإعلامه قد فعل مثل ذلك مع الكاتب العظيم توفيق الحكيم عندما عارضه ووقع على بيان ضده، وفعله حسنى مبارك وإعلامه مع الكاتب الثورى يوسف إدريس عندما اتهمه أنه عميل ويتلقى تمويلات من ليبيا، وقتها سأل إدريس مبارك: بماذا يرد على ابنه الذى يعيره زملاؤه فى المدرسة فى اتهام زائف؟ تقترن عملية شخصنة الحجاج هذه بخلق اتهامات كاذبة تؤثر على سمعة ومكانة الأفراد فى مجتمعهم، وهى عادة ما تستخدم وسائل ضالة كتسجيلات أو محادثات أو صور، فعل هذا النازى هتلر، وفعلته المكارثية فى أمريكا وفعله مبارك عندما نشر فيديو لخصمه اللدود الدكتور عبدالحليم قنديل وإحدى المناضلات الفاضلات، وفعله نظام أبناء مبارك أعداء ثورة 25 يناير مع كثيرين، ونشر لهم تسجيلات بعد كم ضخم من الاتهامات، وفعله مع البرادعى ودعم اتهاماته له بتقويض القيم والمعتقدات والتقاليد بصور لابنته بالمايوه!!