تعد الزيارة التى يقوم بها الرئيس إلى ألمانيا من أهم الزيارات الخارجية، لا سيما أنها من الزيارات التى تأجلت كثيراً، صحيح سبقتها زيارات مهمة لروسيا وفرنسا وإسبانيا واليونان والسعودية والأممالمتحدة فى نيويورك، إلا أن زيارة العمل للدولة الألمانية تعد مدخلاً لعلاقات مع أهم دول الاتحاد الأوروبى، بالطبع مع فرنسا، حيث تشكل الدولتان قيادة الاتحاد الأوروبى ومركز قوة فيه، فضلاً عما تمتلكه ألمانيا من قوة اقتصادية وتكنولوجية، وتكتسب الزيارة أهمية خاصة لإعادة العلاقات المصرية الأوروبية إلى مرحلة الشراكة الاستراتيجية. ولا شك أن ملفات حقوق الإنسان تشكل أساساً للعلاقات مع الاتحاد الأوروبى، لا سيما أن إعلان برشلونة الأساس الذى تقوم عليه كل اتفاقيات الشراكة التى تطورت إلى سياسة الجوار، هذا الإعلان يضع حالة حقوق الإنسان والحكم الرشيد وحقوق المرأة واحترام حقوق الأقليات كأساس لعلاقات الاتحاد الأوروبى ودول جنوب البحر المتوسط، وقد تضمنت اتفاقات الشراكة على هذه البنود احتراماً متبادلاً لهذه القيم الإنسانية المشتركة، لذلك كانت تصريحات رئيس البرلمان الألمانى تسعى لوضع المستشارة ميركل فى مأزق، والزيارة كلها أيضاً على المحك، لا سيما أنه رغم تسليمنا بحدوث انتهاكات فإنها ليست بالطبع بالصورة التى تحدث بها رئيس البرلمان، على سبيل المثال هو تحدث عن أن عدد المعتقلين 43 ألف معتقل، وهو رقم مبالغ فيه جداً وغير دقيق، ونتاج لبروباجندا سياسية، لا سيما أن استخدام مصطلح اعتقال لا يجوز إلا فى حالة فرض الطوارئ، وهى غير مفروضة فى مصر، وكل المحبوسين إما على ذمة قضية أو تنفيذاً لحكم قضائى. أيضاً تشكل عقوبة الإعدام إحدى أهم العقبات أمام الزيارة، ألمانيا وأوروبا كلها ألغت عقوبة الإعدام من قوانينها، وتقود حملة دولية داخل الأممالمتحدة لحظر هذه العقوبة، وتصادف أيضاً أن أصدرت محاكم الجنايات أحكاماً بالإعدام على عدد كبير، ورغم أن هذه الأحكام التى لم تصدر بعد، حيث إن القرار التمهيدى بالإحالة إلى فضيلة المفتى ليعطى الرأى الشرعى لاص يعد حكماً، فإنها أيضاً إذا صدرت الأحكام فهى من محكمة أول درجة، كما أن الغالبية ممن صدرت ضدهم هذه الأحكام غائبون أو هاربون، وبالتالى فهى أحكام تسقط فور عودة الشخص وتسليم نفسه للمحاكمة، ولا تزال هناك فرص متعددة أمام محكمة النقض ومحكمة الجنايات فى حالة الإعادة، وأخيراً تصديق رئيس الجمهورية الذى يملك العفو الكلى أو الجزئى. إصرار الحكومة الألمانية على إتمام الزيارة كان خطوة مهمة على تجاوز هذه التصريحات، فهناك الكثير من أوجه التعاون بين البلدين الذى يصب فى النهاية فى مصالح الشعوب، كما أن ملفات حقوق الإنسان ستكون حاضرة، ولا شك أن التعاون فى كل المجالات يمكن أن يعمل على تعزيز حقوق الإنسان فى مصر بمفهومها الأشمل الذى يعطى أيضاً الحقوق الاقتصادية والاجتماعية نفس الوزن للحقوق المدنية والسياسية، أيضاً تعزيز التعاون ونقل الخبرات وبناء القدرات يمكن أن يُحدث تطوراً فى مجال حقوق الإنسان، لا سيما أن مصر لديها مؤشرات مهمة يمكن البناء عليها؛ أولها الدستور المصرى الجديد الذى وضع أسس دولة سيادة القانون، وقيم حقوق الإنسان، وتعزيز حقوق المرأة، وحقوق الأقليات والفئات المهمشة، ثانيها التوصيات التى قبلتها الحكومة المصرية فى مجلس حقوق الإنسان أثناء التقرير الدورى الشامل، فهذه التوصيات تشكل أسس الخطة الوطنية لحقوق الإنسان بتعديلات تشريعية مهمة مثل قانون الحماية من التعذيب، وقانون الجمعيات، ومفوضية الصحافة والإعلام، ومفوضية مكافحة التمييز، أيضاً هناك أسس لرفع كفاءة وقدرات المؤسسات الأمنية والقضائية. زيارة ألمانيا، رغم ملفات حقوق الإنسان الساخنة، مهمة للبلدين والشعبين ولحماية حقوق الإنسان، لا سيما أن ملفات حقوق الإنسان على طاولة الحوار.