صورة مهتزة، أنفاس متهدجة تخالط صوتاً رقيقاً امتزج بالدموع، يباغتها صوت ذكورى هامس: «إيه اللى جرا؟.. حاولى تفتكرى اسمك»، لا تتحرك من مكانها لكنها تهرب فى مخيلتها، تمر عليها الذكريات وتتوالى، تتذكر الأسماء وتتساءل: «منى.. سلوى.. نادية.. فاطمة.. سعاد»، تصل إلى «زوزو» فى فيلم «خلى بالك من زوزو»، تواصل الهرب فتجد نفسها «ميرفت»، فتاة ترقص بفستان أحمر لامع فى «بئر الحرمان»، وفجأة يقفز فى ذاكرتها مشهد فتقول: «أيوه.. افتكرتك»، فتجيب سعاد حسنى نفسها عن اختفائها وتقدم نفسها بنفسها فى فيلم المخرجة اللبنانية رانية أسطفان «اختفاءات سعاد حسنى الثلاثة»، الذى يعرض فى سينما «زاوية». يعتبر الفيلم الذى يدور فى 68 دقيقة، تكريماً لفنانة عظيمة بحجم سعاد حسنى، جسدت المرأة العربية العصرية فى تعدديتها وتناقضاتها منذ بزوغها فى الستينات وخفوتها فى التسعينات، ووفاتها تاركة خلفها علامات استفهام وألغازاً حول رحيلها، لتعيد «رانية» إحياءها مرة أخرى من شخصيات عالمها القديم. لم تعتمد المخرجة اللبنانية على الشكل التوثيقى التقليدى، بل قرأت وأعادت النظر فى جميع أعمال «سعاد» ووجدت أن أقرب مصدر توثيقى لحياة «السندريلا» هو أعمالها نفسها، فبحثت فى أرشيفها السينمائى الذى يضم 82 فيلماً، وأعادت تكوين بعض المشاهد لتخلق فيلماً جديداً من رحم أفلامها السابقة، وجعلت الفنانة الراحلة تسرد حكايتها بنفسها: «تناول عناصر خيالية وخلق خيال آخر منها ما هو إلا نزوة، ولم يصدّق أحد إمكانية أن يتحول ذلك إلى فيلم طويل، تجاوز 10 دقائق، لكننى كنت واثقة من قدرة الصور على فعل ذلك». الفيلم يعتمد على ثلاث مراحل فى حياة سعاد حسنى، الأولى شكلت البدايات بمختلف أشكالها: الحب، النجومية، والثورة.. والثانية اعتمدت على النضج الجسدى والوجدانى لدى الفنانة.. أما الثالثة والأخيرة فكانت الأصعب والأكثر حزناً فى حياتها حيث انتهت بالانتحار. 10 سنوات هى المدة التى قضتها «رانية» فى إعداد الفيلم بسبب ضعف الإمكانيات المتاحة والتمويل: «بدأت العمل على الفيلم منذ 2001 كنوع من التكريم لها، تركت العمل على المشروع لفترات لكنه ظل شغفى والفكرة الأساسية لدىّ حتى الانتهاء منه فى يناير عام 2011 تزامناً مع بداية الثورة المصرية وعيد ميلاد سعاد». أما بالنسبة لاختيار الاسم فترى «رانية» أنه يثير دلالات مختلفة لدى كل شخص وآخر، فلا توجد إجابة صحيحة عن سؤال «ما هى الاختفاءات؟»، فهى كانت تقصد بالاختفاءات: «اختفاء السينما المؤثرة بعد فترة التسعينات، واختفاء سعاد حسنى نفسها، بالإضافة إلى اختفاء شرائط الفيديو».