لم يرزقه الله أطفالاً.. لكنه اعتبر كل أطفال شبرا أبناءه. يستيقظ فى الخامسة صباحاً. يتناول الإفطار وينزل فى السادسة. يقف فى دوران شبرا، منتظراً طلاب المدارس، ليقوم بالمهمة التى اعتادها طيلة 36 عاماً، وهى مساعدة الأطفال فى عبور الشارع بأمان حتى الوصول إلى مدارسهم. وقتها يعود «ألفونس» إلى منزله على أن يعود بعد الظهر ليمارس العمل نفسه. عبر السنوات تبدلت معالم شبرا. تغيرت المحال. اختفى التروماى. كل شىء تغير عدا «ألفونس»، الرجل الذى يعبر عن حبه لأطفال شبرا تحديداً بانتظارهم طوال ساعات حتى يؤمن مرورهم خوفاً عليهم لأنهم أبناؤه. ورغم خلعه بدلة «أمين الشرطة» لم يتخل عن عادته التى أصبح يمارسها بزيه المدنى: «العيال بيحبونى.. أول ما يشوفونى بيجروا عليا لدرجة إنى ببقى خايف عليهم.. بأمسكهم بإيدى كويس وأعدى مجموعة مجموعة وبعدين أدى كل واحد بونبوناية وأسيبه وأمشى». لا يكتفى «ألفونس» ب«تعدية» الأطفال بل كبار السن أيضاً، خاصة السيدات اللاتى يحملن أطفالاً: «فيه طفلة كنت بعديها الشارع، كبرت وبقت عروسة واتجوزت وخلفت، دلوقتى بقيت أعديها هى وبنتها، مش هى بس، غيرها كتير». حالة من البهجة والسعادة والمودة تملأ الميدان، بمجرد أن تطأه قدما «ألفونس»، الأطفال يهرولون إليه وسائقو السيارات يلوحون له بأيديهم، والمارة من سكان شبرا يبتسمون فى وجهه معلنين تقديرهم لما يفعله: «بتعدى الأيام والسنين، وفيه ناس بتيجى تسلم عليا، وتقوللى انت عدتنا الشارع وإحنا فى المدرسة، ومرة واحدة قالتلى أنا ساكنة فى المعادى، وجبت بنتى هنا فى مدرسة هنا عشان أشوفك كل يوم». كلمة «جدو» من فم طفل صغير تبهج «ألفونس» وتنسيه آلام الوقوف وتكرار عبور الشارع ذهاباً وإياباً: «باتعب عشان ولادى وأحفادى، بكرة يبقوا مهندسين ودكاترة ورياضيين ويشرفونا، أصل الأمل فى إيدين كل طفل مسكت إيده وعديته الشارع». «إنت بتتعب نفسك ليه؟».. سؤال دائماً ما وجهه سكان شبرا ل«ألفونس» فيفاجأون برده: «الراجل العجوز اللى بيزرع نخلة، ممكن مايلحقش ياكل منها، لكن إحنا بنزرع النخل للى جاى، زى اللى قبلنا ما زرعوا وإحنا أكلنا من خيرهم».