يجلس أمام عشته التى تقع فى منتصف شارع «محمد على»، يسد أذنيه بسماعات الراديو، يسمع أخبار الصباح، وهو يصلح ساعة فى يده. «محمد عبدالله» الشهير ب«الباشمهندس»، يدون كل ما يراه من أحداث يومية فى الشارع المصرى فى ورقة يضعها إلى جواره، أحياناً يكتبها بالعربية وأخرى بالإنجليزية، فهو يجيد اللغة الأجنبية رغم فقر حاله. حياة «عبدالله» مليئة بالأزمات، يخرج من واحدة ليدخل فى أخرى، حتى وصل به الحال إلى الإقامة فى عشة رغم أنه «قعيد» ويحتاج إلى رعاية: «زمان اشتغلت فى أماكن كتير، كنت بصلح حاجات كتير، كان شغلى كله بعقود مع شركات كبيرة، اشتهرت، عملت فلوس وضاعت»: يقول «الباشمهندس» معدداً الأزمات التى مر بها وبدأت بشلل عندما كان طفلاً، أنفق أموالاً كثيرة لعلاجه، لكنه فشل: «سنة 1994 جالى غرغرينا فى رجلى الشمال، وجلطة، كانت رجليَّا هتتقطع، لكن الحمد لله ربنا عداها على خير وخفيت»، باع «عبدالله» أرضاً يملكها ومحلاً وأدوات عمل من أجل العلاج، قاوم حتى وقف على قدميه مرة أخرى. «أنا عامل زى النملة اللى شايلة حتة سكر وعايزة تطلع عشان تخزنها وكل شوية تقع منها فتنزل تجيبها تانى، بعد ما رجلى الشمال خفت واشتغلت، الرجل اليمين جالها سكرى، قعدت تانى واتمنعت من الحركة، بقيت مشلول على كبر»، قال «عبدالله» بحزن، لكنه يؤمن بأن الابتلاء حب من الله. خيمته الخشبية مليئة بساعات وأقلام وولاعات قديمة، بعضها سليم والآخر يجهزه لإصلاحه: «محتفظ بأغلى أنواع الولاعات، عندى ولاعة ديبون فرنساوى، كليبر، كارتيير، رونسون إنجليزى، وساعات، وأقلام كارتر، أصل أنا من صغرى أحب أحتفظ بالحاجات القيمة، وبحب أمسك أى حاجة واعرف متصنعة إزاى». يسلى «عبدالله» نفسه بسماع الراديو والكتابة، وشرب السجائر والشيشة: «زمان كنت بشرب شيشة وأنا بلعب شطرنج، دلوقتى بشربها وأنا بكتب، وآخر حاجة كتبتها إن مصر حاضنة كل العرب، اليمنيين والسوريين والعراقيين والليبيين، وحتى الخليح ساعة الحرب، عشان كده أنا مش زعلان منها، ومن قعدتى»، فالعيب كما يقول ليس فى الوطن، ولكن فى الناس، الذين يشبههم بالمغناطيس، يقتربون منك عند القوة فقط. إجادته للإنجليزية جعلته يكوّن صداقات مع أشخاص من جنسيات مختلفة قبل أن ينحدر به الحال: «كانت كل الناس تحبنى، المصرى والأجنبى، أصل ربنا لما بيحب عبده بيحبب فيه خلقه وأنا بحب ربنا والحياة، ولجوئى لله فى الأزمات هو اللى بيحببنى فى الحياة».