ظهرت خلال أحداث مسلسل «رسالة الإمام» العديد من الرسائل والعبارات، التى ظلت عالقة فى أذهان المشاهدين، ومن أهمها عبارة «رأيى صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب»، والتى تعطى المساحة للمشاهد للتفكير فى الأسس التى قام عليها الفقه الإسلامى، وأنه لا بد من احترام وتقبُّل الرأى والرأى الآخر، والتعلم من سير النبلاء وكيفية مواجهة أمور الحياة، فضلاًَ عن لزوم العيش فى سلام مع قبول التنوع والاختلاف، دون مشاحنات أو خصومة. وأبرز المسلسل طريقة تعامل «الشافعى» مع مَن خالفه من العلماء فى أكثر من رأى، حيث حرص على التعامل بود ولطف ولين مع مخالفيه، واحترام الرأى الآخر دون تسفيه منه أو الاعتداء على صاحبه بالقول أو الفعل. الإمام يلتزم بالهدوء واللين والحكمة فى كل مناظراته مع العلماء وأسس الإمام الراحل فقه الاختلاف، لضرورة الرد على الحجة بالحجة، ومناقشة الرأى بالرأى، بل إنه فى بعض الحالات أكد أن كسب القلوب أولى من كسب المواقف، داعياً لعدم التشدد للرأى. ومن المواقف التى تعرض لها مسلسل «رسالة الإمام»، المسألة التى أثارها الشيخ إدريس، الذى يجسد شخصيته أمير صلاح الدين، عندما وجَّه للشافعى سؤالاً وكان نصه: «ما الحجة فى دين الله؟»، ليرد عليه الإمام: «كتاب الله وسنة نبيه وإجماع المؤمنين»، ليرد إدريس قائلاً: «من أين تقول ذلك؟». وفى هذا الموقف ظهرت حجة الإمام التى توصل إليها بعد تفكير ليرد قائلاً: «أمر رسول الله بلزوم جماعة المسلمين ما يحتج به فى أن إجماع المسلمين لازم إن شاء الله، ومن قال بما تقول جماعة المسلمين فقد لزم جماعتهم، ومن خالف ما تقول به الجماعة فقد خالف جماعتهم التى أُمِر بلزومها، والإجماع بما ليس فيه كتاب أو سُنة هو فى مرتبة أقل من السنّة وليس مثلها ولا داخلاً فيها، إنما يؤخذ العلم من أعلى». وابتسم الشافعى فى نهاية إجابته على السؤال وصافح سائله. حجة الشافعي القوية حول شبهة الانتفاع كما سلط المسلسل الضوء على حجة «الشافعى» القوية حول شبهة الانتفاع بشحوم الميتة، وذلك فى خلال أحداث الحلقة الحادية عشرة، حيث بدأت الحلقة باتهام شاب للإمام الشافعى بأنه أدخل النجاسة فى بيت الله، ويقصد هنا بالنجاسة «الجلود التى دوّن عليها علم الإمام الليث والتى أودعها الشافعى داخل المسجد»، ليحاول الناس توبيخه، إلا أن الشافعى تدخل مسرعاً وطالبهم بأن يدعوه يسأل ما يشاء، فقال الشاب: «أيها الفقيه ما قولك فى قول رسول الله إن الله تعالى حرّم الميتة تعلمنا أن رجلاً سأل رسول الله فقال: يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة، فإنه يُطلى بها السفنُ ويُدهنُ بها الجلودُ، ويَستصبِحُ بها الناسُ؟ فقال: لا! هو حرامٌ»، فرد الشافعى: «ولكن العلماء اختلفوا فى قوله حرام، أهو عن البيع أم عن الأمور التى ينتفع بها»، فقال الشاب: «منهم من قال إن التحريم يرجع إلى الانتفاع بها»، فرد الشافعى: «صحيح، ومنهم من قال إن التحريم يرجع إلى البيع، لا إلى الاستفادة منه، ومن ثَم فيجوز الانتفاع بشحم الميتة فى طلى السفن والاستصباح بها وغير ذلك بما ليس بأكل». وهنا يتدخل أحد الشيوخ فى الحوار، قائلاً داخل المسجد: «صحيح ولكن هذه الرقاع (يقصد ما دوَّنه الشافعى عن الإمام الليث) قد كتب بها آيات الله.. وربك إن كانت لك حجة على هذا هاتها»، فردَّ الشافعى مبتسماً: حجتى ما روىَ عن ميمون أن رسول الله قال: إذا دبغ الإهاب فقد طهر». ليرد الشيخ ويستشهد بحديث ابن عقيم والذى يحرم الانتفاع بشحوم الميتة، فقال «الشافعى»: إن ابن عقيم لم يلتقِ رسول الله يوماً، وما كان من أصحابه وحديثه مضطرب الإسناد ومرسل. وشهد المسلسل العديد من المناظرات الأخرى، والمسائل الجدلية، التى التزم فيها جميعها الإمام بأدب الاختلاف، ولم يحتد على أحد ولا يمنعه أحد من الإدلاء برأيه أو سؤاله.