هل كنا فى حاجة إلى فجيعة بحجم ما حدث فى سيناء مساء الخميس الماضى، لندرك طبيعة «المعركة» التى ينبغى أن نحتشد لها؟ وهل وصل بنا انعدام الوعى إلى أن نشتبك معاً فى معارك سياسية عن الحريات والحقوق والتظاهر والمطالب والتحالفات الانتخابية، والحرائق التى التهمت دولاً عديدة فى المنطقة، امتدت إلى قلب مصر ونهشت أطرافها؟ وأى حماقة تلك التى أعمت عيون النخبة المثقفة والفاعلة عن أن بركان الفوضى الذى دمر المنطقة، يحشد كل أدواته الخائنة، لكى يزلزل الأرض من تحت أقدامنا جميعاً؟ نعم يا سادة.. إنها الحرب، ونحن عنها غافلون، بل إنها أخطر حرب فى تاريخ مصر الحديث والمعاصر، حرب يقودها المركز الرأسمالى الغربى، يستخدم فيها كل أدواته الخسيسة، مثل مراكز حقوق الإنسان والمنظمات الدولية الغربية والميليشيات الجوالة الكافرة، التى تضم آلاف المحاربين المرتزقة من الدول الغربية ذاتها، كما يستخدم فيها وسائله الماكرة فى إلهاء النخبة المصرية فى معارك جانبية حول حق التظاهر، وعنف الشرطة، وتقسيم الدوائر، وشروط الترشح للانتخابات البرلمانية، بينما الوطن كله من الأساس يتعرّض لخطر ساحق، إذا تمكن منه -لا قدر الله- فلن نجد شيئاً نختلف حوله. نعم أيها السادة.. نحن غافلون فى موقف لا تختلف فيه نتائج الغفلة عن الخيانة الصريحة.. نحن تحولنا -تحت وهم الحق فى إبداء الرأى- إلى خناجر فى ظهور جنودنا وضباطنا الذين يخوضون حرب وجود نيابة عنا، ويحموننا بأرواحهم وبدمائهم الزكية، ونحن نجلدهم بسياط التعليقات والآراء المجرّدة من الرحمة ومن الوطنية.. إنهم هناك على جبهة مشتعلة بالتآمر والتمويل والتخطيط المخابراتى الدولى، يطاردون ميليشيات الإرهاب المسلحة بأحدث العتاد العسكرى، ونحن هنا على المقاهى، وعلى صفحات التواصل الاجتماعى، وعلى شاشات الفضائيات، نتساءل عن المقصرين ونطالب بحسابهم، دون أن ندرك أن الميليشيات الإلكترونية لجماعة الإخوان هى التى وضعت هذه التساؤلات على ألسنة معظمنا، لأنها تعرف جيداً أن مثل هذا الأداء يمثل خنجراً فى ظهر المقاتل على الجبهة، ويجرّده من الطاقة الإيجابية اللازمة لبذل أقصى ما يستطيع فى سبيل شعبه ووطنه. إنهم هناك فى الجبال وفى بحر الرمال بالصحراء الشاسعة يخوضون أشرف معركة لحماية مصر من الانهيار، وحماية شعبها من حرائق الحروب الطائفية والأهلية، وحماية نسائها من البيع فى أسواق النخاسة، ونحن هنا نتعارك حول أفضلية الدم المراق: فصيل يسأل عن قاتل «شيماء الصباغ».. وآخر يسأل عن قاتل الجنود والضباط.. نساء يرفعن صور «شيماء» فى ميدان التحرير.. وأخريات يهتفن لشهداء الشرطة والجيش.. دون أن ننتبه إلى أن التمييز فى الدم المصرى هو بداية طريقنا جميعاً إلى الجحيم. فى المعارك الكبرى التى تخوضها الأوطان دفاعاً عن ترابها وعن وحدتها وعن كرامة وكبرياء مواطنيها، تتراجع كل المطالب والهموم والأمانى العادية، بل تكف تماماً عن الظهور، حتى نوفر طاقة البلد كلها للمعركة الأساسية، وحتى نحشد كل الجهود العسكرية والمدنية والثقافية فى اتجاه إنجاز النصر فى هذه المعركة، والإفلات من المصير المفجع الذى انتهت إليه دول عريقة فى المنطقة، انهارت تماماً، وخرجت الملايين من نسائها وبناتها وشيوخها وأطفالها، إلى فظاعة العيش فى خيام اللاجئين على الحدود، لأن النخبة الفاعلة فيها تورطت فى سجالات سياسية عقيمة، وتغافلت عما تتعرض له من مخاطر مروعة. هل ننتظر ظهور ميليشيات «داعش» فى قلب القاهرة، لندرك طبيعة المعركة التى ينبغى أن ننتبه إليها؟ هل نحن فى حاجة إلى أكثر مما هو متاح ومبذول من مشاهد القتل والسحل وقطع الرؤوس وبيع النساء فى أسواق النخاسة، لنتأكد من أن مصر تتعرّض لحرب كونية غادرة، وأنها فى أشد الاحتياج إلى احتشاد كل قواها فى هذه المعركة حتى ننجو بأنفسنا من الفجيعة العظمى التى دمّرت الدول المحيطة بنا؟! الآن، لم يعد هناك خلاص غير أن نرمى كل معاركنا السياسية التافهة فى أقرب مزبلة.. وأن نقف بشرف خلف قواتنا المسلحة الباسلة وقوات الشرطة الفدائية، وأن نقدم لهم طاقة إيجابية تشد من أزرهم فى هذه الحرب الرهيبة.. فهم قادرون على النصر بإذن الله إذا لم نخذلهم نحن، وقادرون على دحر هذه المؤامرة إذا انتبهنا إلى أن لدينا وطناً غالياً إذا ضاع من بين أيدينا الآن فلن نعثر على مكان آخر فى جحيم العالم نترحم فيه على موتانا. نعم أيها المثقفون الكبار فى هذا البلد.. ويا أيها المدافعون عن حقوق الإنسان.. معركتنا الأولى والنهائية الآن هى إنقاذ الوطن أولاً من هذه المؤامرة الكبرى، والإفلات به من المصائر التى انتهت إليها الدول الشقيقة، حتى نجد بعد ذلك معارك سياسية وحياتية نتجادل حولها.. وحتى نجد مساحة مشتركة من الأرض والشرف والكرامة، نختلف فيها حول ملايين الحقوق والحريات الأخرى.. ونتحدّث فيها عن أمور أقل إيلاماً ووجعاً عن الحديث حول حقنا فى اللجوء وحقنا فى ملامسة تراب الوطن قبل أن نعود إليه جثثاً محترقة!