مما لا شك فيه أن عوار اختيار وتشكيل اللجنة التأسيسية ماثل فى أذهاننا لا يبرح، وأن الإعلان الدستورى فى 19 مارس المدفوع من المجلس العسكرى وجماعة الإخوان المسلمين هو الذى مهّد وأسس لسيطرة مطلقة لتيار الإسلام السياسى، فلقد ولى البرلمان مهمة اختيار اللجنة التأسيسية، ولقد ظهر جلياً التحزب فى اختيار أهل الثقة دون اعتبار للكفاءة لتمرير أفكار خاصة بهم فقط، وتقييدهم للحريات وإعمال تفسيراتهم للدين الإسلامى دون غيرهم وكأنه حكر عليهم. ولقد اتضحت مع المسودة الأولى نية هذا الدستور واتجاهه، وتعددت الخروق التى تتسع على الراتق فى مواده وبنيانه وتراكيبه الفكرية واتصاله ونسيجه وأيضاً فى ضحالة صياغاته!! وسوف أتناول هنا باب السلطة التشريعية (البرلمان) بحكم عضويتى السابقة فى البرلمان، فلقد ضمت مسودة الدستور مجلسى النواب والشيوخ واعتبرتهما معاً سلطة تشريعية، لهما نفس الواجبات والمهام والحقوق فى سن التشريعات، وهو أمر منتقد وخصوصاً أن رئيس الجمهورية له وحده حق تعيين ربع أعضاء مجلس الشورى، وبحسبة بسيطة بما أن القرار يؤخذ بأغلبية (نصف الأعضاء + 1) إذن يملك الرئيس هنا نصف اختصاص سن القوانين فى مجلس الشيوخ، كما يملك بنص المسودة إقرار القوانين فى حالة عدم انعقاد المجلسين، مما يجعل الرئيس قيّماً على القوانين المصدرة فى معظم الأحيان! وجود مجلسى النواب والشيوخ وهما يعملان بلائحتين مختلفتين وعدد أعضائهما متباين، ثم نتوقع منهما أن يخرجا قوانين تتماثل فى الوزن النسبى والفكرى لهو من قبيل العبث بالأوزان الديمقراطية، وبعملية الممارسة الفعلية، ويوجد أيضاً تعارض يخلقه الدستور بفعل موافقة كل مجلس على قوانين المجلس الآخر، وما قد ينشأ هنا من نزاع واضطراب وتعطيل لعملية إخراج القوانين، والأغرب والداعى للنظر والتأمل أنه فى حالة اختلاف المجلسين يرأس الاجتماع المشترك رئيس مجلس الشيوخ برغم أن عدد أعضاء مجلسه أقل من مجلس النواب، أشياء متضادة وهزل حينما يستوجب الجد! السؤال الذى يطرح نفسه هنا: هل ندعم وجود مجلسين ليتعارضا ويتنازعا أم ليكمل كل منهما الآخر ويتبادلا الاختصاصات والخبرات؟! وهل كان من المعضلات إعطاء مجلس الشيوخ صلاحية مناقشة المعاهدات الدولية والموافقة عليها للتخفيف عن مجلس النواب دون التداخل فى التشريعات والقوانين؟! ثم هل هناك معنى لتسمية مجلس شيوخ ويكون سن الترشح له أربعين سنة ونحن مجتمعات عربية تصنف الشيوخ تصنيفاً آخر!! نرى أيضاًً أن البرلمان لم يتول صلاحيات حقيقية تسهم فى توازن السلطات ولم يول اختصاصات فى مواجهة صلاحيات رئيس الجمهورية المطلقة، فلا يجد الرئيس فى المسودة المقترحة أى حساب حقيقى من مجلس النواب والشيوخ، فمسؤلية الرئيس السياسية عن برنامجه وسياساته ووعوده لا تجد أى محاسبة أو مراقبة فى الدستور، وبذلك تطلق أيدى المرشحين للرئاسة فى الوعود الانتخابية وتحولها لأكاذيب لا تجد من يراجعها أو يحاسب على نسب تنفيذها، ولقد أخطأ النظام السابق وهوى حينما لم يقدر المسؤلية السياسية فهوى تحت ضغط شعبى مدوٍّ، ولا نريد أن يحدث هذا ثانية لما له من آثار مصاحبة على الاقتصاد والحياة العامة والأمن، ويكون ذلك بتفعيل رقابة الرئيس من خلال البرلمان. أيضاً لم تتحدث مسودة الدستور عن توازن السلطات الثلاث ومراقبة كل منها للأخرى، فالسلطة التنفيذية من الرئيس والوزارة، والسلطة التشريعية ممثلة فى البرلمان، والسلطة القضائية، لا تراها تتوازن أو تتشابك فى أى مادة من مواد الدستور، وهذا ما قد يؤسس لنزاع نرى بوادره فى الأفق القريب!! خُلقت الدساتير لتدقق فى الخطوط العامة وترسم العلاقات المتباينة والمتوازية والمركبة، ولم تتناول المسودة بالفحص والدرس هذه التشابكات!! فى حقيقة الأمر، لم أفهم هذه المسودة من على الأرضية الديمقراطية ولكنى حينما أعدت قراءتها من واقع تاريخنا الفرعونى ازداد استيعابى لها!!