أصبح العالم كله منشغلاً بمستقبل الأزمة الروسية الأوكرانية، والسيناريوهات التى يحملها العام الجديد للأزمة التى أخذت مساراً عسكرياً فى 24 فبراير الماضى، والانشغال يأتى بصفة أساسية مرتبطاً بما تسببت فيه الأزمة من انعكاسات اقتصادية طالت الجميع، وأصبح أحد أبرز الأسئلة التى يرددها حتى العامة فى الشوارع: «من يوقف الحرب؟» هذا هو السؤال الذى تطرحه «الوطن» على طرفى الأزمة الأساسيين، الروسى والأوكرانى والطرف الثالث أمريكا باعتبارها الدولة الأكثر انخراطاً فى الأزمة. وأمام ذلك تعود بنا الذاكرة للوراء قليلاً وتحديداً إلى قبل نهاية العام الماضى عندما تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسى صراحة وأمام العالم فى مؤتمر المناخ عن ضرورة وقف هذه الحرب، فربما نجد قدراً من الأمل بمبادرة عربية يفتح الباب أمامها من أجل التوصل إلى حل لتلك الأزمة، ومن ثم الحاجة إلى تضامن أفريقى، فنجد أن هناك وجهات نظر ترى أن هذا سيناريو يمكن أن يطرح نفسه وسيكون محموداً أن تسعى الدول العربية فى هذا المسار. 1- «الروسي»: الحرب لم تحقق أهدافها حتى الآن.. والتصعيد وارد نقوم بالعملية العسكرية الخاصة فى أوكرانيا بشكل متقدم، وقد تم إطلاقها لحماية دونباس، وأحبطنا بالفعل خطط الهجوم الأوكرانى على هذه المنطقة، والذى هدّد بالإبادة الجسدية الكاملة لسكان دونباس. وعلى خلفية رفض سلطات «كييف»، بتحريض من الغرب، المفاوضات، بما فى ذلك إنهاء التمييز ضد السكان الروس، استعادت روسيا الأراضى التى كانت تنتمى إليها تاريخياً. وقد عبّرت جمهوريتا دونيتسك ولوجانسك الشعبيتان ومنطقتا زابوريجيا وخيرسون فى الاستفتاءات التى أجريت فى 23-27 سبتمبر 2022، بأغلبية أصوات السكان، عن رغبتها فى أن تصبح جزءاً من بلدنا. اتحدت هذه المناطق مع الدولة التى كانت جزءاً منها عندما لم تكن هناك دولة اسمها أوكرانيا، التى لم تظهر إلا بحكم القانون خلال العصر السوفيتى، ولم تكن موجودة على الإطلاق. وأصبح بحر آزوف مرة أخرى بحراً داخلياً لروسيا، وأحبط ذلك خطط الناتو لإقامة قاعدة بحرية على شواطئه، ونقوم الآن بعمليات إعادة دمج الأراضى المحررة فى بلدنا وإعادة بناء البنية التحتية التى تم تدميرها خلال المعارك. ومع ذلك، لم يتم تحقيق جميع أهداف العملية حتى الآن، فلا يزال القوميون الأوكرانيون يحتلون الأراضى الروسية ويقصفون أراضينا بلا رحمة، ويستهدفون بشكل خاص السكان المدنيين، ولذلك تتواصل العملية العسكرية. لم يتم تحديد مواعيد لانتهاء العملية العسكرية الخاصة فى أوكرانيا، لقد أطلقناها لحماية دونباس والقضاء على التهديدات لأمن روسيا من قبَل النظام القومى فى «كييف»، وهو دُمية فى يد الغرب. ستنتهى العملية العسكرية بعد تحقيق جميع الأهداف المنشودة، بما فى ذلك نزع السلاح فى أوكرانيا. وأما عن الفرص الأخرى لحل الأزمة فقد بدأنا التفاوض مع «كييف» فى العام الماضى، ولكن توقفت المفاوضات، لأن كييف ترفض إجراءها. إن السبب فى ذلك هو أن أوكرانيا ليست مستقلة فيما يخص اتخاذ القرارات، بل تملى الولاياتالمتحدة وبريطانيا عليها القرارات التى يجب اتخاذها، ويطيع نظام كييف أوامر الغربيين وتستمر التضحية بحياة المواطنين الأوكرانيين. كما يبذل نظام كييف قصارى جهوده للحصول على دعم الدعاية الغربية ومن أجل ذلك يرحب بقتل أكبر عدد ممكن من المدنيين. وليست كل من واشنطن ولندن وحلفاؤهما فى الناتو تعنيهم أوكرانيا، وإنما هم على استعداد للحرب مع روسيا حتى آخر أوكرانى. أما إمكانية استخدام الأسلحة النووية فنحن مستعدون لأى تصعيد إذا حاول الناتو مهاجمتنا، ومع ذلك، فإننا لن نبدأ نحن مثل هذه المواجهة التى يمكن أن تؤدى إلى الحرب العالمية الثالثة. أما عن إلقاء اللوم على روسيا بأنها المتسبب فى معاناة كثير من الدول اقتصادياً بسبب العملية العسكرية، فأقول إنه من الواضح، حتى لأحد غير متخصص بالاقتصاد وليس له دراية عنه، أن مثل هذه الاتهامات هى شكل آخر من أشكال الدعاية الشريرة الغربية المعادية لروسيا، فلم يكن الصراع فى أوكرانيا دافعاً حقيقياً للتدهور السريع للوضع الاقتصادى العالمى، ولكن تسببت فيه العقوبات الغربية المفروضة على بلدنا، لقد كانت هى التى أدت إلى انقطاع عديد من سلاسل التوريدات بما فى ذلك توريدات الأغذية. *جيورجي بوريسينكو.. سفير روسيا في مصر ----------------------------------------------------- 2 - الأوكراني: توقُّف الحرب يبدأ بالتفاوض دون شروط أو إملاءات يمكن الحديث عن الوضع فى ضوء خطاب الرئيس الروسى فلاديمير بوتين الأخير، وفى واقع الأمر فإن الخطاب حمل كثيراً من الرسائل بشأن الأزمة الروسية الأوكرانية خلال العام الثانى، صحيح أنه فى بعض الأمور تحدّث عن قضايا تتعلق بالأمن القومى الروسى، وهو له الحق فى ذلك، لكنه تجاهل تماماً الحديث عن أخطاء القيادة الروسية، فلم يتحدث عن أن ما جرى اعتداء على أرض دولة من دول الجوار، وأنه خالف القوانين الدولية وتشريعاتها. أوكرانيا لم يكن لديها صواريخ لحلف الناتو أو قواعد عسكرية له، وبالتالى ما حدث احتلال للأراضى واعتداء على القانون والشرعية الدولية. الرئيس الروسى كذلك لم يتحدث إطلاقاً عن أى تردد أو أى خطأ أو أى شىء ندم عليه أو ارتكبته القيادة الروسية. الأخطر إذا كنا نتحدث عن سياق عام جديد فى الأزمة، هو أن الرئيس الروسى بنفسه يلوح بالاستعدادات النووية، وأنها وصلت إلى 91% على اعتبار أن روسيا، كما وصف، تواجه خطراً وجودياً، هل روسيا تواجه ذلك بالفعل؟ هذه الإجابة نتركها للقيادات السياسية الدولية من رؤساء الدول والأجهزة المعنية التى ترصد ذلك، ونتركه كذلك أيضاً للهيئات الدولية مثل الأممالمتحدة أو مجالسها ومؤسساتها. المسألة الأخرى أن «بوتين» أكد، برسالة للغرب، أن كل القضايا التى تداخلت فيها روسيا لم تربك الاقتصاد الروسى، يبدو أن الأمر ظاهرياً واضح بأن روسيا لم تتأثر حتى الآن، أو تأثرت بشكل نسبى لكن لم يصل الأمر بعد إلى تدهور اقتصادى روسى أو وجود مشكلات كبيرة تؤدى إلى مظاهرات واعتصامات وغير ذلك، وحتى الآن لا يوجد شىء من ذلك. الرئيس الروسى أيضاً تحدّث عن نقطة مهمة حين قال إنه من المستحيل هزيمة روسيا على أرض المعركة بأوكرانيا، أى أنه بذلك يؤكد أن روسيا ماضية فى استمرار هذه الحرب ضد كييف، وقد تحدّث عن مساع من كييف للحصول على أسلحة نووية، وهنا أود أن أقول إننا لسنا من القادة السياسيين والعسكريين الأوكرانيين، لكن ما نعرفه أنه مستحيل أن تطلب أوكرانيا أسلحة نووية، وليس من المنطق من الأساس أن تطلب ذلك، هل أوكرانيا مندفعة أو متهورة لتطلب قنابل نووية لتستخدمها فى مواجهة روسيا للدفاع عن نفسها، هذا غير منطقى. لكن المنطقى أن الرئيس الروسى حين يتحدث عن مساعى أوكرانيا لامتلاك أسلحة نووية، فإنه يحاول أن يحشد الصف الداخلى من خلال الحديث عن أن الدولة الروسية تواجه تحدياً وجودياً، وهذا التهديد بالتالى يتطلب أن يضحى الشعب الروسى وأن يتوحد ضد هذه التهديدات والمخاطر التى يتحدث عنها. الغريب أيضاً أن الرئيس الروسى تحدّث عن أن العالم مقبل على نزاع عالمى واسع بسبب دعم الغرب لأوكرانيا، لكنه لم يتحدث عن أن هذا النزاع يمكن أن يتوقف بمجرد أن يُصدر أوامره بوقف الحرب على أوكرانيا، كذلك لم يتحدث الرئيس الروسى عن أن هناك مجالاً لتوقف أعمال الجيوش والذهاب إلى التفاوض القائم على عدم وضع أى طرف شروطاً أو إملاءات، فقط العودة إلى الشرعية الدولية والتباحث لما بعد ذلك، وإنما كل خطابه يُحمّل الغرب المسئولية وكذلك أوكرانيا، وكأن الأخيرة هى المخطئة وهى المعتدية التى تهدد الأمن القومى الروسى. *د. عماد أبوالرب: عضو مجلس القوميات التابع لرئاسة الوزراء في أوكرانيا ----------------------------------------------------- 3- «الأمريكي»: استمرار دعم أوكرانيا.. وإلقاء الكرة في ملعب «موسكو» النظرة العامة للولايات المتحدة بعد مضى عام تؤكد أن الغزو الروسى لأوكرانيا لا يزال ينتهك ميثاق الأممالمتحدة ومبادئ السيادة والسلامة الإقليمية المنصوص عليها فيه. وما زالت روسيا تنتهك القانون الدولى، وتفرض الموت والدمار على المدن والمدنيين، وتنظم عمليات فرز بشرى قاسية، وتفصل الأطفال الأوكرانيين عن ذويهم، وتنهب وتدمر التراث الثقافى فى أوكرانيا بفظاعة. إن حرب روسيا ضد أوكرانيا تمثل قضية أخلاقية عميقة. يجب طرح هذا السؤال على روسيا التى بدأت هذه الحرب لأن أوكرانيا وعلى مدار عام كانت تدافع عن نفسها ضد هذه الهجمات القاتلة، ومستقبل أوكرانيا هو بالتأكيد فى يد الشعب الأوكرانى، وما يمكننا فعله هو أن نستمر فى دعم أوكرانيا حكومة وشعباً، حيث سنواصل العمل مع شركائنا فى جميع أنحاء العالم وكل الداعمين لأوكرانيا لتكثيف جهودنا للاستمرار فى فرض تكاليف على روسيا بسبب أفعالها. كما أننا سنواصل تقديم كل الدعم اللازم لأوكرانيا، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وعلى كل المستويات لتكون فى أقوى موقف، سواء على أرض المعركة أو طاولة المفاوضات عندما تقرر القيام بذلك، أما عن إمكانية توقف الحرب، نعم يمكن أن تتوقف الحرب والحل فى يد الرئيس «بوتين» ببساطة كونه هو الذى اختار شن هذه الحرب غير المبررة. أما عن اتهامات روسيالواشنطن بالتسبب فى تأجيج الصراع، فهذا كلام فارغ ومحاولة سخيفة من روسيا لترمى بالمسئولية على طرف آخر، روسيا هى الوحيدة التى تتحمل مسئولية هذه الحرب ولا أحد سواها. لم نرَ أوكرانيا أو الولاياتالمتحدة أو أى دولة أخرى تعتدى على روسيا أو تتعرض لها بأى شكل، بل رأينا العكس، لأننا كنا دائماً نفضل الحل الدبلوماسى، ولكن ماذا فعلت روسيا فى تاريخ 24 فبراير 2022؟، لقد قامت بغزو شامل لأوكرانيا وقصفت البنية التحتية وقتلت المدنيين والأبرياء واستخدمت الغذاء والطاقة كسلاح ضد العالم كله وليس أوكرانيا فقط، ما تسبب فى أزمة فى الأمن الغذائى وأمن الطاقة فى العالم. هذه الحجج الروسية سخيفة جداً ولا تعنى شيئاً ولكن روسيا تعتقد أنها تستطيع خداع الناس بسهولة. مساعداتنا الأمنية والعسكرية لأوكرانيا هى ضرورية ولازمة، لأنه إذا أوقفت روسيا القتال فستنتهى الحرب، ولكن إذا توقفنا عن دعم أوكرانيا وتوقفت أوكرانيا عن الدفاع عن نفسها، فستنتهى أوكرانيا. بكل بساطة الدعم الذى نقدمه نحن يعطى الفرصة للأوكرانيين الشجعان لأن يدافعوا عن أنفسهم وعن دولتهم ذات السيادة وعن حكومتهم المنتخبة ديمقراطياً. وكما ذكرنا، لقد كنا نفضل الحل الدبلوماسى ولكن روسيا هى التى اختارت طريق العدوان والحرب ولذلك سنبذل كل ما بوسعنا لضمان أن تدفع الثمن غالياً. * هالة غريط: المتحدثة الإقليمية باسم وزارة الخارجية الأمريكية ------------------------------------------------------ 4- استمرار الحرب.. غياب الحكمة وتعطل مبادرات الوساطة الباب مفتوح أمام مبادرة عربية كانت قد طُرحت فى بداية الأزمة من خلال مصر والسعودية والإمارات والأردن، والرئيس عبدالفتاح السيسى كان قد تحدث بشكل صريح عن ضرورة وقف هذه الحرب خلال مؤتمر المناخ الذى عُُقد فى مدينة شرم الشيخ نوفمبر الماضى. ونحن نقول إن هناك بارقة أمل وإن هناك باباً مفتوحاً أمام مبادرة عربية من أجل التوصل إلى حل خصوصاً أن الدول العربية هى الأكثر تضرراً من هذه الحرب، وهذا يمكن رغم تشدد الموقف الروسى والأمريكى والأوكرانى، ورغم ابتعاد الجميع عن لغة العقل. والدول العربية يجب أن تكون بمواقفها فى جانب الضغط بشكل كبير لإنهاء الحرب وحتى يمكن قبول هذه المبادرة من الجانبين الروسى والأوكرانى بل وتلقى الدعم الدولى، فى ظل أن كل الأطراف المرتبطة بالجانب الروسى أو الأوكرانى متشددة للغاية فى مواقفها، لذلك فإن وجود مبادرة عربية أمر منطقى وربما يمثل مظلة لدعوات وقف الحرب، الدول العربية الحقيقية لم تتوانَ عن الاهتمام بالأزمة، حيث شكلت الجامعة العربية مجموعة بعد 4 أيام فقط من انطلاق الأزمة ومجموعة اتصال عربية تتابع الموقف بشكل جيد جداً. كما أن الرباعى العربى المتمثل فى مصر والسعودية والإمارات والأردن قام بخطوات إيجابية جداً فى هذا الصدد فى محاولة إقناع الأطراف المتصارعة بأن تخضع للغة العقل. وفى رأيى فإن وجود مبادرة عربية فى هذا الصدد يمكن أن يؤثر بشكل كبير جداً، كما أن الموقف العربى هو الموقف الوسطى الوحيد بين كل الأطراف، ويعبر عن رفض التدخل الروسى انسجاماً مع المبادئ الدولية وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة. كما يرفض فى المقابل العقوبات الاقتصادية باعتبار أنها تسببت فى أزمة غذائية عالمية لا تزال للأسف مستمرة. وحتى الآن الحل السلمى للأزمة على أساس احترام سيادة الدولتين، بما لا يضر بمصالح أى دولة منهما، ووجود وساطات مستمرة حتى تستجيب الأطراف فى هذا الطرح العربى، الذى يمكن أن يؤتى ثماره مهما كانت لغة التشدد الموجودة. والأطراف العربية بقيادة مصر يجب أن تستمر فى السعى والمواصلة من أجل إقناع الأطراف بالمبادرة العربية، والتى تتطلب أن تكون هناك مبادرة تشمل بنوداً محددة حتى يمكن أن تقتنع بها الأطراف لأن كل طرف له طرح مختلف تماماً، فروسيا ترفض التنازل عن الأراضى التى دخلتها وأوكرانيا ترفض الجلوس على مائدة التفاوض قبل أن توقف موسكو تدخلها العسكرى، وتنسحب من الأراضى التى احتلتها خلال العام الماضى. الملاحظ أنه لا توجد مواقف أوروبية رسمية متحمسة لإنهاء الأزمة، اللهم سوى قليل من الضغط من قبل الرأى العام الأوروبى، وهنا يجب أن يكون لقارة أفريقيا دور، لأنها الأكثر تضرراً من الأزمة، وليس أمامها إلا أن تضغط بقوة من أجل وقف الحرب. * محمود الشناوي: مدير تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط