لا أتذكر أننى سمعت كلمات صريحة، واضحة، وصارمة فى شأن الخطاب الدينى من حاكم عربى أو مسلم كما سمعت من السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كلمته بمناسبة المولد النبوى الشريف، وكان فيها منفعلاً صادقاً وغيوراً على الدين الإسلامى وهو يطالب بثورة دينية تزيل ما علق بالعقيدة من مخلفات وترهلات أصابتها فى مقتل وحولتها من شاب متسامح إلى وحش كاسر يقتل ويدمر ويهيل التراب على حضارات البشر. كل يوم تزداد قناعتى بأن السيد الرئيس من أكثر المؤمنين بالشعب المصرى، والمستوعب لمعنى خروج شعب مرتين فى ثلاث سنوات، والفاهم بعمق لمغزى ثورة الشعب وانقلابه على جماعة دينية خدعت الجميع لأكثر من 80 عاماً وكشف الشعب حقيقتها فى عام واحد، أقول هذا لأن المطنطنين بالثورة كثر والمؤمنين بالشعب قليل، وهو ما يبدو جلياً فى أغلب ما نواجهه من أزمات ومشكلات وتحديات. فى خطابه للشعب قال «السيسى»: «هل نحن صادقون فيما نقوله وما نفعله وعندنا أمانة وإخلاص.. لو مكنش يبقى فيه حاجة عندنا محتاجة مراجعة.. الإشكالية مش فى العقيدة إنما فى فكر نقدسه يدفع بالأمة إلى الخطر والقتل والتدمير، هناك نصوص وأفكار تم تقديسها على مر السنين تعادى الدنيا كلها إحنا محتاجين ثورة دينية». لقد احتوى الخطاب على ألفاظ جريئة صادمة غير مألوفة فى أحاديث الحكام والقادة والرؤساء، خصوصاً حينما تكلم عن أفكار سادت وسيطرت لمئات السنين، وتضمن انتقادات عنيفة غير مباشرة لمدارس فكرية أحالت الدين السمح من حماية ودفاع عن مبادئ إلى غطاء لتبرير القهر والعنف والتعصب واستبداد الولاة واستغلالهم للدين. أهمية الخطاب تنبع من مجلسه، فالمحيطون بالمنصة هم المؤسسة الدينية التى أحالت نفسها إلى مؤسسة رسمية، فانتزع منها المتطرفون قواعدها، والموجودون بالاحتفال هم مشايخ الأزهر المؤسسة العتيدة العميقة التى ترهلت بمرور الزمن وثقل جفون أعضائها. والرسائل انطلقت من على المنصة صوب الجالسين على مقاعدهم تسعى لأن تثير فيهم ما تبقى من غيرة وحرص ومشاعر على الدين الحنيف الوسطى السمح، وتنبه ليس بالخطب ولا البيانات نواجه التطرف والتعصب، وإنما بثورة على المفاهيم والرؤى والأداء، بالانقلاب على مناهج وفلسفات سادت لقرون فأبعدت كل ما هو عقلى وأبقت كل ما هو نصى، برؤية تطرح البديل وتنشره بين الناس بالعلم والتطور والتقدم. المسألة أن الثورة على مفاهيم دينية رجعية عنصرية مستبدة لا تكون بتغيير الخطاب الدينى فقط، وإنما تحتاج لعوامل مساعدة كثيرة ومتعددة ومتنوعة، هى أشبه بثورة ثقافية وفكرية شاملة، تضع الرؤى الدينية والفكر الدينى فى موضعه الصحيح وتدعمه بأجنحة وروافد فكرية تعمق مفاهيم التسامح والتعاون والقبول فى ثقافة المجتمع وعقول أفراده. والتعصب الدينى يقابله من الناحية الأخرى تطرف فكرى، ويسعى كل طرف لاجتذاب المجتمع ناحيته، ومعركتنا مع الاثنين معاً، فالمنشود هو مجتمع القبول بالآخر بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، وهذا لا يحدث إلا فى مجتمع يقوم على التعددية الفكرية والثقافية والسياسية، وتستمد ثقافته جذورها من التنوع البشرى الإنسانى. أتفق معك وأختلف معك إنما الحق أقول: «السيسى» قائد شجاع وصارم وملتزم يحتاج لمن يسانده فى معاركه وليست معركته.