«البطالة من أكبر التحديات».. يقين نعلمه جميعاً، وندرك أنها من أهم أسباب الفقر والإحباط. ولكى نكون صرحاء مع أنفسنا، فخمسون بالمائة من هذه المشكلة سببها نظرة المصريين للعمل وطريقتنا فى البحث عنه والحصول عليه. نحن نمتلك مجموعة من التابوهات تلخص معنى العمل الجيد. لو لم تكن ولو لم نجدها فالأفضل والأحسن ألا نعمل، وهذه الفكرة يطبقها أغلب من يعانى من البطالة بمنطق «قلته أحسن». ولكى نقرب المعنى للأذهان فإن مصر التى تعانى من البطالة بنسبة مخيفة هى مكان مفتوح لجنسيات أخرى سواء جاءت على غير إرادتها بسبب أحداث سياسية فى بلادها أو جاءت بمزاجها. الجميع وجد فى مصر باباً للرزق والحياة لأنهم يمتلكون أفقاً مفتوحاً فى النظرة إلى العمل فيستغلون أبسط مهاراتهم بدقة ويعملون بجدية وبإتقان ولا ينتظرون من يمد لهم يد العون حتى يكون واسطة نجاح أو توظيف. إنهم يدركون أن نجاحهم وعملهم من صنع أيديهم ولا بديل أمامهم سوى العمل؛ فاستطاعوا النجاح وأصبحنا نرى الصينيين والسوريين وجنسيات أخرى فى مجالات عديدة تبدأ بالمحلات ولا تنتهى عند أبواب البيوت، فيما بينها أعمال أخرى يديرها أو يمتلكها ذوو جنسيات ليست مصرية. وإذا كانت الجنسيات الأخرى، الأشقاء منهم والأجانب، وجدوا فى مصر الملجأ وأبواب الرزق فعار علينا أن نكون بجوارهم ونعانى من البطالة، فهؤلاء لم ينتظروا من الحكومة شيئاً ولم تعطِهم الحكومة قروضاً أو امتيازات ولم تصدر لهم قانوناً يوظفهم ولكنهم بدأوا من الصفر. المؤكد أن وصف المشكلة فى مصر يتلخص فى غياب ثقافة العمل، فنحن لا نمتلك أفكاراً مبتكرة تفتح الطريق ولا نبحث عن مهارات سوق العمل لنتعلمها ونمتلكها، وأغلبية الحاصلين على مؤهلات عليا إما يصدقون أنهم يمتلكون مهارات وينتظرون الفرص الكبرى وإما يدركون أنهم يمتلكون شهادة ورقية فقط، لكن الأغلبية منهم يخجلون من الأعمال البسيطة والبدايات البسيطة التى لو فعلها شخص لديه تعليم جيد ويمتلك مهارات لأصبح الشىء البسيط شيئاً أكبر. المؤسف أن أغلب الشباب يبحث عن التعيين وينسى أنه فى سن المغامرة، والمأساة أن عدداً كبيراً من الشباب لا يمتلك حلماً أو طموحاً لكن يمتلك جملة واحدة «عاوز أشتغل أى حاجة» وفى الحقيقة هو لا يريد أى حاجة ولا يمتلك أبسط مهارات هذه الحاجة ولكنه يريد أن يكون موظفاً لديه مرتب وتأمينات. الباحثون عن «تراب الميرى» يتفننون فى اللاعمل ويبدعون فى التزويغ والحصول على الإجازات وتضييع الوقت وعدم الإنجاز وأغلبهم ليس لديه ما يعطيه وليس لديه استعداد للتعلم واكتساب المهارات والعمل بالنسبة له تأدية وظيفة ما بأقل مجهود ممكن دون الاهتمام بالإخلاص والتميز والإنتاج وبموجب هذه النظرة أصبحت الغاية هى تسلم المرتب نهاية كل شهر، وبالتالى فإننا نصدق ما تقوله الدراسات عن الموظفين فى مصر، خاصة أحدث دراسة التى أكدت أن متوسط فترة عمل الموظف لا تزيد على نصف ساعة يومياً على الرغم من أن ساعات العمل الرسمية من 6 إلى 8 ساعات.. تمت الدراسة على أساس مقارنة العمل فى المؤسسات البريطانية والمصرية على مدار 3 سنوات. الطريف، حسب الدراسة، أن التقارير السرية ل95% من الموظفين المصريين كان تقديرها امتياز!! وبينما تمتلك الدول المتقدمة ثقافة وتقدير العمل، والعاملون يجيدون فنون ومهارات المهنة أو الحرفة التى يعملون بها ولديهم التزام وسعى نحو التطور والرقى نرى الصورة عكسية فى مصر حيث لا قيمة للعمل وما نملكه هو ثقافة اللامبالاة والتسيب الوظيفى، وبالتالى لا يوجد اهتمام بأهمية تطوير القدرات والمهارات ولا أهمية لقيمة إتقان العمل. إذا أرادت الدولة المصرية أن تحدث فارقاً فلا بد أن تدرس وتطبق تجارب دول عانت من البطالة ونجحت إلى حد كبير ولنا فى تجربة «دليما روسيف» رئيسة البرازيل قدوة فقد عملت على ربط الأجر بالإنتاج وهذا معناه أن يحصل العامل المنتج المجتهد على حقه وألّا يكون هناك مكان لموظف كسول والأهم التخلص من القبول الاجتماعى لفكرة ضرورة التساوى فى الأجر رغم عدم التساوى فى الإنتاج. لا بد أن يدرك المواطن قبل الدولة أن امتلاك مهارات العمل وإتقانه والإخلاص له وفيه هى سبيل النجاة بالوطن. فتنمية الوطن تعنى أن البطالة فقط للكسالى فالتنمية والرغبة فى العمل لتحقيق قيمة مضافة للجميع هى سترة النجاة بينما غياب التنمية يعنى أن نبقى «محلك سر»، نبقى فى مرحلة الأخذ دون إنتاج وهى مرحلة يسميها الخبراء «مرحلة الخلل» والبقاء فى هذه المرحلة يعنى الفناء... ولكم فى العمل حياة.