صباحُ الخيرِ يا تونس. صباح الخير على أخضرِك وأبيضِك وعلى سحرِك ونظافتِك. صباحُ الخير على الصبايا المِلاح والشباب الواعد فى المدارس والجامعات والحقول والمصانع. صباحُ الخير على مثقفيكِ ومفكريكِ ومبدعيك وكهولِك وعلى طفولتِك. صباحُ الخير على زهورِك وضِياعِك وبساتينك ودروبك وبحرك ورمالك المتلألئة. صباحُ الخير على سمائك الصافية وشمسِك الوهّاجة وأرضِك الخصبة. صباحُ الخير على الحرية بين ربوعك. صباحُ الخير على ثوارك ومناضليك. صباحُ الخير على نجمتك وهلالك وحُمرة علمِك المروى بدم الشهداء الذكى. صباحُ الخير على حاملى مشاعل التنوير ممن رحلوا، ينامُ الآن واحدُهم فى سماء الله قريرَ العين مبتسماً. أطاح المستنيرون فيكِ بويل ثلاثة وعشرين عاماً كبّل خلالها الطاغيةُ «زين العابدين بن على» أوصالِك الحُرّة، فأجبره شرفاؤكِ على الهروب من الباب الصغير إلى غير عودة، لتستعيدى حريتك وشرفك وتحضّرك. لكن خفافيشَ الظلام سرقتك من أطفالك برهةَ من الزمان لم تطُل. ليعود النورُ والتنوير من جديد، بإذن الله، مع مشرق عهدٍ أنورَ يعدُ به الرئيسُ التونسى الجديد «الباجى قائد السبسى». يقول نابليون بونابرت: «إذا اندفعتِ الشعوبُ، ما أوقفها أحدٌ». وها اندفع التوانسةُ المثقفون يذودون عن تونسهم الخضراء المتحضرة حتى استردوها من الكهف المظلم. لم تخذلنا تونس، كما كنتُ أثق وأراهن على وعى وتحضر أبنائها. تلك الساحرة الصغيرة البيضاء قدمت للدنيا دليلاً على أن العالم يتقدم نحو الخير والحق والجمال والتنوير، وإن طال الطريق وشَقَّ وعَسُر. وإن كسر الظلاميون سارقو العقول مشاعلَ التنوير برهات من الزمن بين الحين والحين، إلا أن المشاعلَ أبداً لا تنطفئ. رفعت تونس مشاعل الثورة عام 2011، حتى أسقطت طاغيتَها، فكانت تونسُ نواة الثورات العربية. حتى تسلّمتِ الرايةَ دولٌ عربية تجاورها وأشعلت مشاعلها الخاصة حتى أسقطت طغاتها. لكن لصوصَ الثروات لصوصَ الثورات انقضوا على جثامين الشهداء وداسوا دماءهم وسرقوا جهدهم، واستولوا على الأوطان كم يسقط الذئابُ على فريسة وكما يسطو الغُزاةُ على غنيمة. لكن مصرَ حاضنة التاريخ حاضرة البشرية نفضت ثوبها نفضة واحدة فتناثر عنها الغبارُ والدنسُ وتساقط عن خاصرتها الطاهرةِ المدنِّسون المدنَّسون أزلامُ الظلام اللصوص، فركضوا من فورهم إلى كهوفهم المعتمة حيث يليق بهم أن يعيشوا. فكانت مصرُ نواةَ التحرر من وهم تجّار الدين الذين أساءوا للإسلام وأساءوا لاسم الله العلىّ، سامحهم الله. أولئك، الإخوان وأضرابهم من التكفيريين والدواعش والارتزاقيين، هم الذين قدّموا على مدى سنوات ثلاث «الفيلمَ المسىء للإسلام»، وليس ذلك الرسام الدنماركى الذى تسبب كاريكاتيره فى دخول الكثيرين للإسلام، عكس الفيلم المحلىّ الذى قدمه الإخوان وصحبُهم، ذاك الذى تسبب فى فرار الملايين من الإسلام إلى فراغ الإلحاد واللادينية. أردفت مصرُ ثورتَها السياسية الأولى فى يناير 2011 بثورة تحررية ثانية فى يونيو 2013، وتتأهب اليوم لثورة فكرية تنويرية ممتدة تعود بنا إلى عصور التنوير كما منتصف القرن الماضى. فأعقبتها تونس فى انتخاباتها الرئاسية الأخيرة التى كانت بمثابة ثورة ثانية هادئة انتصرت فيها للتنوير والتحضر، ونفضت عنها غبارَ الظلام الذى كاد يعلق بثوبها كما علق بثوب مصر عامين. تحية احترام وفرح لتونس الجميلة، ولكل أصدقائى هناك من أدباء وشعراء وتشكيليين وفنانين ومثقفين. شكراً لكم لأنكم أثبتم لنا أنكم متحضرون كما عرفناكم دائماً. وأهديكم مقولة زعيم مصر «مصطفى كامل»: «قولوا للشعوب إنها ما خُلقت لتعيش عيشةَ الأغنام، بل لتحيا وتعمل وتستثمر الأرض». فشيدوا مجدكم ولنا على طريق النور لقاء.