منذ مولده وعيناه معلقتان بالسماء وفك أسرارها، قضى عمره بين الكتب محاولا فك شفرات الكون، أحال السهر من أجل العلم شعر رأسه إلى اللون الأبيض، ليسطر من مكتبه الحدث العلمي الأبرز في عام 2022. لم يكتفي بحصد جائزة نوبل في الفيزياء عام 2006 عن أعماله في اكتشاف الخلفية الإشعاعية للكون Cosmic Background Explorer بالاشتراك مع جورج سموت، لكنه مازلال مستمر في أبحاثه لاكتشاف الكون الفسيح. في 7 أغسطس 1945 ولد الدكتور جون سي. ماثر كبير علماء ورئيس مشروع تليسكوب «جيمس ويب»، منذ طفولته، ما دفعه لدراسة ذلك المجال ونال عام 1968 بكالوريوس الفيزياء من كلية سوارثمور الأمريكية، بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف العليا، وحصل على الدكتوراه في الفيزياء من جامعة كاليفورنيا عام 1974، وحصل على 60 جائزة علمية طوال مسيرته كان آخرها من الجمعية الفلكية الأمريكية، وذلك في عام 2020، وعضوا رئيسيا في العديد من المؤسسات الفلكية والعلمية الأمريكية. في واشنطن عاصمة الولاياتالمتحدةالأمريكية، داخل مقر وكالة ناسا، يجلس الدكتور جون سي. ماثر كبير علماء ورئيس مشروع تليسكوب «جيمس ويب»، في مكتبه، يتابع عن كثب كل لحظة في مشروعه الأهم في «جيمس ويب» ورحلته إلى الفضاء، يمسك بخطته ويراقب مهمات التليسكوب الذي استغرق من عمره 10 سنوات للعمل عليه، يتحدث في حوار خاص ل«الوطن»، عن تليسكوب جيمس ويب الذي استغرق منه سنوات في الأشراف عليه بالتعاون مع الكثير من الهيئات والدول، ليعمل على إنجاز مهمته التي ستسهم في اكتشافات فريدة في الفضاء والكون، وإلى نص الحوار: في البداية.. حدثنا عن الإمكانات الفنية التي تميز تليسكوب جيمس ويب عن سابقيه؟ تلسكوب جيمس ويب الفضائي، هو مرصد فضائي كبير، طُوِّر بشكل مباشر من قِبل ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية ووكالة الفضاء الكندية، التليسكوب الجديد مُحسَّن بموجات الأشعة تحت الحمراء أكثر تطورا ليصبح مداها أطول وأدق، والهدف المرغوب منه استكمال وتوسيع اكتشافات تلسكوب هابل الفضائي، فيتميز «جيمس ويب» بموجات الأشعة تحت الحمراء تمكنه من الوصول إلى نقاط أبعد وتمكين العلماء من رؤية مناطق نائية من الكون ورؤية أشياء من الماضي، أبعد بكثير مما هو متاح الآن، والنظر داخل سحب الغبار حيث تتشكل النجوم وأنظمة الكواكب اليوم، ونأمل أن يتمكن تليسكوب جيمس ويب من رصد الضوء الصادر عن أول نجوم سطعت في الكون قبل 13.5مليار سنة، والكشف عن كواكب جديدة صالحة للحياة. ما سر وراء تسمية تليسكوب جيمس ويب بهذا الاسم؟ في الأصل كنا نطلق على تليسكوب جيمس ويب الفضائي اسم «تليسكوب الفضاء من الجيل القادم»، والهدف من اختيار «الجيل القادم» لأننا كنا نأمل أن نبني عليه استكمال مسيرة الاكتشافات العلمية التي بدأها تلسكوب هابل. لكننا فكرنا في تغير الاسم ليكن «جيمس ويب»، على اسم العالم الراحل جيمس إي. ويب، الذي مديرًا لوكالة ناسا في الستينات، وهو من قاد برنامج أبولو الذي كان هدفه هبوط رواد الفضاء لأول مرة في التاريخ على القمر، وكان له تأثير في علوم الفضاء، وكان مسؤولاً عن أكثر من 75 عملية إطلاق خلال فترة ولايته. كيف سيتفوق تليسكوب جيمس ويب على تليسكوب هابل؟ تم تصميم «جيمس ويب»، للبحث بشكل أعمق في الفضاء عن الكواكب الصالحة للحياة ولرؤية أقدم النجوم والمجرات التي تشكلت في الكون والنظر بعمق في سحب الغبار القريبة لدراسة تكوين النجوم والكواكب، ومن أجل نجاح التليسكوب الجديد في القيام بهذه المهمة، زود بمرآة أولية أكبر بكثير من «هابل» قطرها أكبر ب «2.7 مرة، أو حوالي 6 مرات أكبر في المساحة»، مما يمنحها قدرة أكبر على تجميع الضوء، ويحوي «جيمس ويب» أيضا على أدوات تعمل بالأشعة تحت الحمراء ذات تغطية أطول للموجات وحساسية محسنة بشكل كبير مقارنةً بتلسكوب «هابل»، وأخيرًا سيعمل «جيمس ويب» بعيدًا عن الأرض، ويحافظ على درجة حرارة التشغيل شديدة البرودة، والتوجيه المستقر، وكفاءة المراقبة الأعلى مقارنةً ب«هابل» الذي يدور حول الأرض. بالنسبة لعملية الإطلاق.. حدثنا أكثر عنها وكيف تمت؟ تم إطلاق «جيمس ويب»، في 25 ديسمبر 2021 الساعة 7:20 صباحًا «12:20 بالتوقيت العالمي»، وذلك بواسطة صاروخ « آريان 5 - Ariane 5 ECA» الذي كان بمثابة مركبة الإطلاق، وتم اختيار هذا الصاروخ لتلك المهمة في عام 2000 وذلك بناء على عدد من الاعتبارات كان فيها «آريان 5» هو مركبة الإطلاق الوحيدة التي تلبي متطلبات ناسا من كافة النواحي سواء المواصفات الفنية أو التكلفة المادية.
لماذا تم التفكير في إرسال «جيمس ويب» من الفضاء؟ الغلاف الجوي للأرض معتم تقريبًا ويضيء بشكل ساطع في معظم الأطوال الموجية للأشعة تحت الحمراء التي يرصدها «جيمس ويب»، لذلك يلزم وجود تلسكوب بارد في الفضاء، بالنسبة لتلك الأطوال الموجية التي تنتقل إلى الأرض، فإن الغلاف الجوي للأرض يطمس الصور ويسبب وميض النجوم. وحاليًا، يمكن لأنظمة البصريات تصحيح هذا الضبابية فقط عبر مجالات الرؤية الصغيرة بالقرب من النجوم الساطعة التي تعمل كمنارات مرجعية، مما يسمح بالوصول إلى جزء صغير فقط من السماء. وقد توفر إشارات الضوء الاصطناعية التي تم إنشاؤها باستخدام أشعة الليزر القوية وصولاً أفضل إلى السماء، ولكن التكنولوجيا لتوفير مجال رؤية واسع لا تزال بعيدة في المستقبل, سيتطلب العثور على أقدم المجرات مستويات إضاءة أمامية منخفضة للغاية، وصورًا فائقة الوضوح على مساحات كبيرة، ودراسات في العديد من الأطوال الموجية للأشعة تحت الحمراء، وهي مجموعة من ظروف المراقبة المتاحة فقط من الفضاء. بالتأكيد تم اختبار «جيمس ويب» قبل الإطلاق.. ماذا عن تلك المرحلة من التصنيع؟ استخدمنا العديد من الاختبارات وعمليات الفحص الشاملة مع تحديد معايير للحكم عليه، وتضمنت اختبارًا شاملاً، بالإضافة إلى مراجعة شاملة وصارمة للخبراء المستقلين الخارجيين كتحقق إضافي، فتم استخدام مجموعات منفصلة تماما من أدوات القياس وتقنيات التحقق، وذلك تجنب خطأ كان قد حدث في تليسكوب «هابل»، ونجحنا في إجراء اختبار بصري شامل على التلسكوب بأكمله، والذي لم يتم إجراؤه على «هابل»، تضمنت الاختبارات أيضا تمرير الضوء عبر التلسكوب وأثبت كفاءته في الحصول على الصور بصورة دقيقة، وإرسالها إلى الأجهزة المحددة وفقا للمفترض أن يقوم به.
نود أن نعرف كيف يتحكم العلماء في الأرض بالتليسكوب الموجود بالفضاء؟ ستكون مهمة جيمس ويب إرسال البيانات العلمية والهندسية إلى الأرض بواسطة جهاز إرسال لاسليكي يتميز بموجة تردد عالية، وسيتم إستقبال هوائيات الراديو الكبيرة التي تشكل جزءًا من شبكة الفضاء السحيق التابعة لناسا الإشارات وتحويلها إلى مركز ويب للعلوم والعمليات في معهد علوم التلسكوب الفضائي في بالتيمور، ماريلاند، بالولاياتالمتحدةالأمريكية. ما المدة المحددة لتليكسوب جيمس ويب في الفضاء؟ وفقا للخطط خلال التنفيذ وعملية الإطلاق فأن مدة عمل التليسكوب على الأقل هي 5 سنوات، لكن بعد إرساله للفضاء وتحديد مساره وتبين أنه يحتوي على وقود كاف يسمح بدعم العمليات العلمية في المدار بشكل كبير، أصبح لدينا طموح وأمل أن يستمر ل10 أعوام. هناك بعض الأجزاء من التليسكوب مصنوعة من الذهب.. ما سبب ذلك؟ المرايا الخاصة ب«جيمس ويب» مطلية بالذهب، والهدف من ذلك تحسين ضوء الأشعة تحت الحمراء، وذلك لآن الذهب يعكس الإشعاع الأحمر جيدا لأنه موصل جيد للكهرباء، تم استخدام سمك طلاء الذهب ما يساوي 48.25 جرام من الذهب، أي ما يساوي تقريبا حجم كرة الجولف. في نقاط محددة.. ما هي الأهداف العلمية الرئيسية لتليسكوب جيمس ويب؟ هناك 4 أهداف محددة نسعي لتحقيقها من خلال «جيمس ويب»، وهي: البحث عن المجرات الأولى أو الأجسام المضيئة التي تشكلت بعد الانفجار العظيم. تحديد كيف تطورت المجرات منذ تكوينها حتى الوقت الحاضر. مراقبة تكوين النجوم من المراحل الأولى إلى تكوين أنظمة الكواكب. قياس الخصائص الفيزيائية والكيميائية لأنظمة الكواكب والتحقق من إمكانية الحياة في تلك الأنظمة. هل طرحت فكرة تجميع التليسكوب في الفضاء؟ في بداية العمل على المشروع تمت دراسة سيناريوهات مختلفة، وانتهت في النهاية أن فكرة تجميع تليسكوب جيمس ويب في المدار الفضائي غير ممكنة، وذلك لآن محطة الفضاء الدولية لا تملك القدرة على تجميع هياكل بصرية دقيقة، بالإضافة إلى أنه من الممكن أن يتسبب الحطام الفضائي الموجود حول المحطة الفضائية في إتلاف أن تلويث بصريات التليسكوب، أخيرًا، إذا تم استخدام المحطة الفضائية كنقطة توقف للتليسكوب، فسنحتاج إلى صاروخ ثان لإطلاقه إلى، وجهته النهائية، ويجب تصميم المرصد بكتلة أكبر بكثير لتحمل "الإطلاق الثاني"، مما يترك كتلة أقل للمرايا والأدوات العلمية. بما إن كل شيء منظم في تلسكوب جيمس ويب.. هل هناك خطة عمل محددة له بتوقيتات؟ نعم، هناك جدول زمني وخطة موضوعة له خلال فترة المهمة المطلوب تنفيذها وهي كالآتي: في الساعة الأولى: بعد إطلاق الرحلة، يتم انفصال التليسكوب عن الصاروخ، والبدء في توليد الكهرباء من أشعة الشمس منعا لاستنزاف بطاريته، ويبدأ بتوجه نفسه ذاتيا في رحلته. في اليوم الأول: تنفيذ مناورة تصحيح المسار باستخدام محركات الصواريخ الصغيرة المزود بها جيمس ويب، سنقوم أيضًا بإطلاق ونشر الهوائي عالي الكسب لتمكين أعلى المعدلات المتاحة لاتصال البيانات في أقرب وقت ممكن عمليًا. في الأسبوع الأول: هو بداية العملية الدقيقة المتمثلة في رفع حاجب الشمس الهائل، وستتم أولى الخطوات العديدة نحو هذا الهدف، وتشمل نشر قسم من هيكل البليت الموحد، الذي يدعم ويحمل الأغشية الخمسة للدرع الشمسي، بعد ذلك، تم نشر المرآة الذهبية المكونة من 18 جزءًا، المكون المركزي لتلسكوب جيمس ويب الفضائي. في الشهر الأول: الإنتهاء من نشر هيكل التليسكوب، وبدء عملية البرودة التدريجية للأجهزة، والتي ستتم بسرعة في ظل تواجد حاجب الشمس ، لكن الأمر سيستغرق عدة أسابيع حتى تبرد تمامًا وتصل إلى درجات حرارة ثابتة، سيتم التحكم في هذا التباطؤ بعناية. الشهر الثاني والثالث والرابع: في الأشهر الثاني والثالث والرابع: فحص البصريات الأولي ومحاذاة التلسكوب، باستخدام مستشعر التوجيه الدقيق، وسيتم توجيه التليسكوب إلى نجم ساطع واحد، وسنأخذ البيانات بشكل أساسي، بعد ذلك في العملية الطويلة لمحاذاة جميع بصريات التلسكوب، ويصبح جاهزا لأخذ البيانات بصورة جيدة. الشهر الخامس والسادس: سنقوم بفحص جميع أنماط تشغيل الأجهزة العلمية بدقة مع ملاحظة الأهداف التمثيلية، وسنظهر القدرة على تتبع الأهداف المتحركة، مثل الكويكبات والمذنبات والأقمار والكواكب في نظامنا الشمسي، وسنقوم بعمل "ملاحظات الإطلاق المبكر"، ليتم الكشف عنها بعد والتي ستعرض قدرات التليسكوب. بعد ستة أشهر: سيكون جاهزا للعمليات العلمية، وسيبدأ جيمس ويب مهمته العلمية في إجراء عمليات روتينية في رصد الفضاء والكويكبات والأهداف الاستكشافية المحددة له. ما آخر ما تلقته ناسا من التليسكوب الموجود في الفضاء؟ آخر ما رصده التليسكوب الجديد كان قبل قليل، بواسطة الأشعة تحت الحمراء هو مجرة عمرها 13.5 مليار عام، مما يجعلها الأقدم في الكون حتى الآن، ومن المرجح أنها تشكلت بعد 300 مليون سنة من «الانفجار العظيم»، الذي حدث قبل 13.8 مليار سنة، وكانت المجرة حاملة الرقم القياسي السابق هي GN-z11، وقد جرى اكتشافها بواسطة تلسكوب هابل في عام 2015، ويعود تاريخها إلى 400 مليون سنة بعد "ولادة الكون"، وتبدو مثل بقعة حمراء بقلب أبيض.
