نستكمل فى هذا المقال بقية أحداث المناظرة التليفزيونية التى أجراها التليفزيون الصينى فى 20 نوفمبر 2014، وذلك بينى وبين الدكتور يلما سالاشى رئيس فريق التفاوض الإثيوبى فى اللجنة الثلاثية الوطنية. حيث طلبت المذيعة من دكتور سالاشى التعليق على ما ذكرته من تخوف مصر من استمرار إثيوبيا فى بناء السد بالرغم من الملاحظات العديدة التى أبدتها اللجنة الثلاثية الدولية على تصميماته الإنشائية وعلى الدراسات البيئية، وأن إثيوبيا تحاول المماطلة ووضع المعوقات لتعطيل استكمال الدراسات البيئية بالرغم من الاتفاق المسبق بين الدول الثلاث على استكمالها خلال فترة لا تتعدى ستة شهور. وأجاب الدكتور سالاشى بأن ما ذكرته من ملاحظات حول التصميمات الإنشائية للسد غير صحيحة وأنه لا يوافق عليها، وكرر سيادته أن اللجنة الدولية أكدت أن السد يتم بناؤه حسب المعايير الدولية. فسألته المذيعة لماذا لا توقف إثيوبيا الإنشاءات حتى يتم الانتهاء من الدراسات البيئية والتوافق حول نتائجها. فأجاب الدكتور سالاشى بأنه لا يفهم أسباب المطالبة بوقف إنشاءات السد الذى ليس له أضرار على أى دولة، بل يفيد الدول الثلاث. وبعد أن أيقنت المذيعة من أن المفاوض الإثيوبى لا يتقبل أى حديث عن إيقاف إنشاءات السد، سألتنى عن الخيارات المتاحة لمصر إذا اكتمل بناء السد. فكانت إجابتى بأننى أفضل التحدث عن المبادئ المطلوب توافرها لإنجاح أى مفاوضات حول هذا السد، فأوضحت أن التوافق حول السد يتطلب تحقيق الفائدة والربح للجميع وعدم إلحاق ضرر بأى من الأطراف. وأن تحقيق هذا التوافق لن يتأتى إلا بسعة أصغر للسد لتقليل أضراره الجسيمة على مصر وبما يحقق الفوائد المرجوة لكل من إثيوبيا والسودان. وأن التعاون والتنمية يتطلبان تحقيق السلام والاستقرار فى المنطقة ككل بما فيها دولة جنوب السودان. وأوضحت أن السبيل إلى تحقيق ذلك يكمن فى التوافق حول مشاريع استقطاب الفواقد الهائلة من النهر فى كل من جنوب إثيوبيا وجنوب السودان، التى تزيد على ثلاثين مليار متر مكعب من المياه، ومن الممكن استقطاب جزء كبير منها يمكّن إثيوبيا من تنفيذ مخططها للسدود على النيل الأزرق ويعوض النقص الناتج فى حصة مصر المائية نتيجة لهذه السدود، ويزيد الحصص المائية للسودان وجنوب السودان. وأوضحت أنه فى ظل الاستقرار والسلام فى المنطقة سوف تتمكن إثيوبيا من تصدير كميات كبيرة من الكهرباء إلى مصر ومنها إلى المنطقة العربية وأوروبا وبما يساعد على تطوير التجارة البينية بين دول المنطقة وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للشعوب. فقامت المذيعة بسؤال الدكتور سالاشى عن مرئياته حول المبادئ الرئيسية التى اقترحتها للتوافق بين الدولتين. فأجاب سيادته بأن هناك بعض النقاط الإيجابية، ولكنه يختلف معى حول مطالبتى بتقليل سعة السد التى لا ترتكز فى رأيه إلى أسباب علمية أو اقتصادية. وأضاف سيادته أنه يرى أن الضرر على مصر لن يحدث إلا أثناء سنوات ملء السد فقط، وأن إثيوبيا مستعدة لملئه فى فترة تمتد إلى 4 أو 6 سنوات لتخفيف هذا الضرر. وأضاف سيادته أن تقليل سعة سد النهضة غير مقبول لأنه سيؤدى إلى ضياع 50% من الطاقة الممكن توليدها من السد والتى تحتاجها المنطقة. فتوجهت المذيعة إلىّ بسؤال عن إمكانية التوصل إلى توافق بين الدولتين تحت هذا التصور الإثيوبى. وكانت إجابتى بأن المشكلة الحقيقية تكمن فى أننا لا نستمع لبعضنا البعض، وكل منا يستمع إلى نفسه فقط، المشكلة ليست فى سنوات الملء بل فى حجم السد الضخم، وأن تأثير إطالة سنوات الملء لن يقلل الضرر على مصر. وأضفت أننى أعتقد أن مصر لن تقبل تحت أى ظرف من الظروف بالسعة المقترحة حالياً للسد، وأعتقد أيضاً أن مصر لن تقبل أن تنحصر مفاوضات السد فقط حول سنوات الملء وسياسات التشغيل فى أوقات الجفاف. ثم أضفت أنه من الأفضل لنا جميعا أن نجلس معاً ونتفاوض بجدية آخذين فى الاعتبار الآثار الوخيمة للسد على مصر، وذلك بدلاً من إضاعة الوقت فى دراسات للسد بينما إثيوبيا مستمرة فى بنائه. بعد ذلك وجهت المذيعة سؤالها الأخير إلى الدكتور سالاشى عن إمكانية التوصل إلى توافق بين الدولتين حول هذا السد. فأجاب سيادته أنه يعتقد أن ذلك ممكن لأن إثيوبيا لا تريد إلحاق الضرر بمصر أو بالسودان، وأن كل ما تريده هو استعمال حقها فى نصيب عادل ومنصف من مياه نهر النيل، وأن إثيوبيا منفتحة للتفاوض فقط حول سنوات التخزين وسياسة التشغيل فى سنوات الجفاف، وأضاف سيادته أن هذا هو الهدف من المباحثات الحالية للجنة الثلاثية الوطنية. وجدير بالإشارة أنه أثناء مونتاج التليفزيون الصينى للبرنامج تم حذف بعض المقاطع من المناظرة فى حدود 5 دقائق لتوفير وقت لعرض بعض اللقطات التسجيلية فى بداية البرنامج. وكان أهم ما تم اقتطاعه ما ذكرته رداً على تساؤل الدكتور سالاشى عن الأسس العلمية والاقتصادية لتصغير سعة السد، حيث استشهدت بالدراسة التى أعدتها المجموعة الاستشارية النرويجية لحساب الحكومة الإثيوبية فى يوليو 2011، والتى انتهت إلى أن سد النهضة بسعته الضخمة سيؤدى إلى إغراق سد مندايا المخطط بناؤه أمام سد النهضة، وأن تقليل سعة سد النهضة إلى النصف سيعظم إنتاج الكهرباء والفائدة الاقتصادية لإثيوبيا من سدود النيل الأزرق وسوف يقلل من الآثار البيئية السلبية على دولتى المصب. من ناحية أخرى نجد أن ما ذكره الدكتور سالاشى عن رأى اللجنة الثلاثية الدولية بخصوص التصميمات الإنشائية للسد غير صحيح بالمرة، وأن إثيوبيا بالفعل قامت بتعديل بعض التصميمات الإنشائية وسلمت مصر جزءاً منها خلال اجتماع اللجنة الثلاثية فى أديس أبابا فى أكتوبر الماضى. ولكن عدم نشر الحكومات المصرية المتتابعة لمحتويات تقرير اللجنة الثلاثية الدولية، ساعد للأسف على قيام إثيوبيا بتزييف حقائق التقرير لتسويق السد دولياً وإقليمياً. والخلاصة الأولى من المناظرة أنه بعد انقضاء نحو ثلاث سنوات من الاجتماعات والمباحثات والدراسات والمؤتمرات واللقاءات، لم يتغير الموقف الإثيوبى. وأن تصريحات المسئولين المصريين من الحفاظ على كل نقطة مياه مصرية، وعدم السماح بالتعدى على حصة مصر التاريخية، وعدم السماح بسعة أكبر من 14.5 مليار متر مكعب لسد النهضة هى فقط للاستهلاك المحلى. فالوضع كما كان منذ وضع حجر أساس السد بل هو أسوأ لأن إثيوبيا انتهت مما يقرب من 40% من إنشاءات السد. والخلاصة الثانية أن المسار الحالى لمباحثات اللجنة الثلاثية لن يحقق الأهداف المصرية من الحفاظ على الحصة المائية، بل يخدم فقط الأهداف الإثيوبية من استكمال السد بأبعاده الحالية والتحكم فى المياه والكهرباء وتحجيم دور مصر الإقليمى.