لم تكن تلك المرة التى يوضع فيها القضاء المصرى ورجالاته فى موضع الاتهام، لكنها المرة الأولى التى يبرأ فيها جميع قيادات وأقطاب النظام السابق مجتمعين فى قفص واحد، بكلمة من القاضى مصطفى حسن عبدالله، الذى برر حكمه ببراءة متهمى موقعة الجمل بعدم كفاية الأدلة واستبعاد أقوال الشهود «المسجلين خطر والحاقدين على المتهمين بسبب خلافات حزبية وسياسية»، والتمسك بشهادة اللواء الروينى. عبدالله الذى كظم غيظه من هجوم عنيف تعرض له من المستشار مرتضى منصور، المتهم فى القضية، أخرج الحسابات الشخصية خارج غرفة المداولة، لكنه فى المقابل لم يسلم من الانتقادات وعشرات علامات الاستفهام، حول الحكم المفاجئ الذى لم يأخذ مجراه المعتاد بحجز القضية للحكم بعد انتهاء الدفاع من مرافعاته، وتعقيب النيابة العامة على تلك الدفوع، ووضع الرجل مسئولية ثقيلة على المستشار عبدالمجيد محمود، النائب العام، الذى ما لبث أن أعلن عقب صدور الحكم مباشرة أنه سيطعن بالنقض، فضلاً عن سيل التصريحات المنتقدة لأداء المستشار محمود السبروت، قاضى التحقيق، الذى لم يجمع من الأدلة والبراهين ما يكفى لإقناع المحكمة بضلوع المتهمين فى التدبير والتحريض على ارتكاب إحدى الجرائم الموثقة التى اعتبرها الثوار ملحمة أثبتت صمود الثوريين ضد الانتفاضة الأخيرة لنظام كان يلفظ أنفاسه الأخيرة. مشهدان متناقضان، ظهر فيهما المستشار مصطفى حسن عبدالله، فهو مَن حظر بث وتصوير الجلسات تليفزيونياً، وفى الجلسة الأخيرة استدعى القنوات التليفزيونية، لتسجل حكمه بالبراءة، الذى فجّر دموع الفرح فى عيون المتهمين، وأشعل الغضب والاستنكار فى قلوب أهالى الضحايا والمصابين. «اقعد يا مرتضى وإلا هطلعك برة»، و«اسكت يا رجب هنزلك الحبس تحت».. وعبارات أخرى كثيرة تعامل بها المستشار مصطفى حسن مع المتهمين أظهرت مدى الشدة والصرامة اللتين يتمتع بهما الرجل، الذى يجيد الانتقال ما بين التعبيرات الحازمة، وقت التعامل مع المتهمين، والابتسامة الواثقة، وقت سماع شاهد لم يفهم بعض الأسئلة أو مضمونها، وهى التعبيرات التى زادت من حيرة المتهمين ومحاميهم حول اتجاه المحكمة أو اقتناعها بإدانتهم أو براءتهم طيلة جلسات المحاكمة. المستشار مصطفى حسن عبدالله، قبل الثورة برأ هانى سرور، رجل الأعمال البارز، فى قضية أكياس الدم الفاسدة «هايدلينا»، وهو الحكم الذى تم إلغاؤه، وعاقب المستشار المحمدى قنصوة المتهم بالسجن 3 سنوات بعدها، وبعدها حكم بالإعدام شنقاً على محمود العيساوى، المدان بقتل ابنة المطربة المغربية ليلى غفران وصديقتها، وبعد الثورة أصدر أحكاماً بالسجن على رجل الأعمال أحمد عز، ووزير التجارة السابق رشيد محمد رشيد، واستمر أكثر من عام ينظر قضية «موقعة الجمل»، وسط مراقبة المجتمع لمصير صفوت الشريف وفتحى سرور وباقى المتهمين، الذين أثلج حكم البراءة صدورهم، وكان بمثابة الرياح التى لم تشتهها سفن مصابى الثورة وشبابها.