«التعليم» تزف بشرى ل50 ألف معلم بنظام الحصة    وزير الإسكان ومحافظ الأقصر يتابع موقف المشروعات الجاري تنفيذها بمدينة طيبة    بايدن: يجب تجنب حرب شاملة في الشرق الأوسط    وفاء عامر تتضامن مع لبنان إزاء العدوان الإسرائيلي: لو استُدعيت لحفل سأكون بأول الصفوف    ترامب: بايدن أصبح متخلفا عقليا أما هاريس فولدت هكذا    الأهلي يخسر من برشلونة ويتأهل لنصف نهائي مونديال الأندية لليد    النيابة تستعلم عن صحة شخصين أصيبا في انقلاب سيارة بطريق الواحات    تحرير 24 محضرا تموينيا متنوعا خلال حملة على الأسواق في أشمون بالمنوفية    العثور على جثة سيدة مقتولة بمنشأة عبدالله في الفيوم    سعدون جابر في "الرياض للكتاب": التطور الأهم في المملكة هو بناء الفرد السعودي    وزير الصحة: حملة 100 يوم صحة قدمت 93 مليون خدمة مجانية خلال 59 يوما    رئيس «العدل للدراسات»: الدعم النقدي فرصة لتحسين جودة الخدمات    الجمهور يحتشد حول زينة أثناء تصويرها فيلم بنات الباشا في طنطا.. (صور وفيديو)    هل يجوز أن أترك عملي لأتابع مباراة أحبها؟.. رد صادم من أمين الفتوى لعشاق كرة القدم (فيديو)    الأرصاد تحذر من اضطراب الملاحة البحرية خلال اليومين المقبلين    لأول مرة في السوق المصرية.. «هواوي» توقع شراكة مع «طلعت مصطفى» لتقديم خدمات التكنولوجيا السحابية للمدن الذكية    النصر ضد الريان.. تريزيجيه: هدفنا تحقيق الفوز.. واللعب تحت الضغط ممتع    السيسي: مصر من أوائل الدول التي تعالج المياه بأحدث وسائل التكنولوجيا    محافظ الإسكندرية يوجّه بإزالة إشغالات الطريق وتعديات المقاهي على الطريق العام بشارع الريادة    كاف يكشف عن خطأ حكم الفار في لقاء الأهلي والزمالك بالسوبر الأفريقي    سليمان يحتفل بثاني ألقابه في السوبر الأفريقي مع الزمالك    ضمن مبادرة «بداية».. الثقافة تفتتح مؤتمر «مستقبل تأهيل ذوي الإعاقة» بالقاهرة    جامعة سوهاج توافق على لائحة «نظم المعلومات المكتبية والإعلام الرقمي» بكلية الآداب    فضيتان وبرونزية لمنتخب ناشئي الجولف بالبطولة العربية    انطلاق صالون المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي بندوة «التعليم إلى أين؟»    نائب محافظ دمياط تبحث عملية تطهير خزانات المياه بمبانى الجهات الحكومية    وزير الثقافة يتفقد معرض نقابة الصحفيين للكتاب ويفتتح حفل توقيع ديوان جمال بخيت    100 ألف.. فيلم "عنب" يتراجع في تحقيق الإيرادات    وصول طائرة مساعدات أردنية إلى لبنان    مستشار البنك الدولي السابق: الدعم العيني هو الأفضل لمصر بشرط    رئيس مياه الشرب بسوهاج يتفقد محطة غرب للتأكد من صيانتها    رشوان: الرئيس يجدد مطالبته للحوار الوطني بإيلاء الأولوية لقضايا الأمن القومي    مفاجأة حول المتسبب في واقعة سحر مؤمن زكريا.. عالم أزهري يوضح    إبراهيم رضا: الزوج الذي لا يعول أولاده خان علاقته بالله.. فيديو    رمضان عبد المعز: الله سبحانه وتعالى يكره هذه التصرفات من عباده    1640 شهيدا و8408 مصابين جراء عدوان إسرائيل على لبنان منذ أكتوبر الماضي    السيطرة على حريق محدود فى محطة وقود بالشرقية    وزير المالية لممثلي المجتمع التجاري والصناعي: نمد إليكم «يد الثقة والشراكة والمساندة» بحلول عملية توفر حلولا متكاملة للتحديات الضريبية    طبيب قلب: تجنب التدخين والوزن المناسب والرياضة حلول تمنع تصلب الشرايين    حملة مكبرة لإزالة أماكن النباشين بمدينة الإسماعيلية    ميكالي يوقع عقود تدريب منتخب الشباب.. ويتفق مع اتحاد الكرة على تفاصيل المرحلة المقبلة    صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا الحرب الإسرائيلية على القطاع    دون جراحة، مستشفى ملوي تنجح في علاج حالة سرطانية نادرة (تفاصيل)    وزير الطاقة الإسرائيلي: نبحث عن ثغرة لإلغاء اتفاق الغاز مع لبنان    بينها رفعت عيني للسما.. 12 فيلما تشارك في مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة بالدورة السابعة لمهرجان الجونة    الأمانة العامة بالنواب تخطر الأعضاء بجدول الجلسات البرلمانية    مدير إدارة حدائق أكتوبر التعليمية تتفقد انتظام سير الدراسة بعدد من المدارس    ضبط مواد غذائية مجهولة المصدر بحملة تموينية فى العاشر من رمضان    متفوقة علميًا وطيبة السمعة، الإدارية العليا تلغي استبعاد فتاة من وظيفة قضائية    مناقشة فرص زيادة الصادرات المصرية إلى فنلندا بالندوة الثالثة لمبادرة «ابدأ»    احذر.. حبس وغرامة مليون جنيه عقوبة مزاولة نشاط تمويل المشروعات الصغيرة بدون ترخيص    هل اقترب موعد العمل العسكري؟.. تصريح قوي من وزير الخارجية بشأن سد النهضة    الرئيس السيسي: ندير أمورنا بشكل يحفظ أمن واستقرار بلادنا والمنطقة    بعد أحداث السوبر الأفريقي.. الأهلي يوقع عقوبة مغلظة على إمام عاشور    إصابة 14 شخصا في انقلاب ميكروباص أمام مدخل الجبلاو بقنا    الموت يفجع الشيخ أحمد عمر هاشم    الصحة تنظم برنامجا تأهيليا لأطباء الصدرية بالتعاون مع الجمعية المصرية للشعب الهوائية    أول تعليق من هانز فليك بعد رباعية اوساسونا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجانب الآخر للإنسان
نشر في الوطن يوم 07 - 11 - 2014

فى إحدى المقابلات قال جيرى ساينفيلد، وهو الكوميدى الأمريكى صاحب أحد أشهر مسلسلات الكوميديا (ساينفيلد) فى أمريكا والعالم، إن أكثر شىء يحبه فى الحياة هو الطاقة؛ حيث يُمارس، كل يوم، رياضة تأملية تُعرف ب«التأمل الارتقائى» إن صحّت الترجمة، وهى إحدى أقدم أنواع الرياضات التأملية فى التاريخ. ودون الخوض فى تفاصيل الطقوس، فإن الهدف من هذا العمل هو شحن الذهن والجسم بطاقة كبيرة، وملؤه بهدوء عارم يُخلص المرء من التوتر الناتج عن ضغوط الحياة. يقول جيرى بأنه كان، خلال تسع سنوات، نجم المسلسل، والمنتج، والكاتب الرئيس، ناهيك عن إشرافه على التصوير وإنتاج الحلقات. وفى الوقت نفسه كان يسافر بين الولايات لتقديم عروضه الكوميدية، أى باختصار، كان كالطائرة التى، كما قال لى أحد الطيّارين، لا تُدرُّ أموالاً إلا وهى تُحلّق فى السماء. كان جيرى يمارس التأمل كل يوم وقت الغداء، وبعد أن ينهى جلسته التى تستغرق عشرين دقيقة، يعود إلى التصوير وهو ملىء بالطاقة وكأنه نام بعمق لليلة كاملة. «هكذا استطعتُ أن أنجو خلال السنوات التسع تلك» يكرر «جيرى» هذه الجملة كلما تحدث عن حياته العملية. ثم يزيد: «انظر إلى سريرك بعد أن تستيقظ من النوم، ماذا ترى؟ وكأنه ساحة حرب، أليس كذلك؟ أتعلم ماذا فعلت؟ لقد نقلتَ صراعاتك ومعاناتك من يومك إلى سريرك.. لقد آن الأوان أن تتوقف!».
وفى برنامجى الرمضانى «ما قل ودل»، تحدثتُ عدة مرات عن الطاقة، وما زلتُ مستغرباً أن هناك كثيراً من الناس يصرّون على أن فكرة «الطاقة الإيجابية» ما هى إلا مثاليات وفلسفات ليس لها أثر حقيقى فى الحياة. ولهؤلاء أسأل: كيف تشعرون فى منتصف النهار عندما تضعون رؤوسكم على مكاتبكم وتتمنون لو أنكم تنامون حتى المساء؟ قد يكون لرداءة طعامكم وإهمالكم للرياضة دور فى ذلك الإحساس البائس، لكن الأمر لا يقتصر على هذا. اسأل نفسك الآن: عندما تصحو بعد ليلة هادئة مليئة بنوم عميق، هل يراودك الخمول نفسه فى منتصف النهار؟ على الأغلب كلا، والسبب هو أنك شحنت نفسك حتى امتلأت تماماً، فأصبح لديك مخزون دفعك للعمل والنشاط طوال اليوم. والسؤال المهم هو: من أين تأتينا الطاقة؟ اذهب إلى إحدى القرى واقضِ فيها أياماً، ثم عُد إلى مدينتك المزدحمة وقارن بين الناس فى المكانين، ماذا ستجد؟ من يعيشون فى القرى أكثر ابتساماً، وصحة، ونشاطاً، رغم أنهم قد لا يمارسون الرياضة إلا نادراً، بعكس أهل المدينة، هل تعلم السبب؟ لأن من يعيش بعيداً عن المدينة لا يشعر بأن الوقت كالسيف، ولا تتكالب عليه الرغبات والأحلام البالغة عنان السحاب. قد تتشابه أيامه ولكنها لا تتنافر، لا يُؤرّقه المستقبل كثيراً ولا يقضّ مضْجعه، ويكفيه أن يجلس على دكة باب بيته فى الصباح ويحتسى القهوة وينظر إلى الشجرات الصغيرة المحيطة به ليشعر بأن الدنيا بخير. عندما كنا صغاراً كان أمام كل بيت فى الحى كرسى خشبى يتسع لثلاثة أشخاص، وكلما مررتُ مع أصدقائى بدراجاتنا الهوائية رأيتُ أصحاب البيوت يجلسون عليها. وإذا ما دخلنا إلى بيت أحد أصدقائنا رأيتُ أسرته تفترش الفناء، تحتسى القهوة والشاى وتأكل الفواكه، كل هذه الممارسات هى طقوس تأمل حتى إن كانت غير مقصودة.
إننا نشعر بالإرهاق اليوم لأننا تخلينا عن منابع الطاقة الحقيقية، تخلينا عن التسامح الذى يفتح مسامات الروح لتخرج منها سموم الحقد والغيرة. لم نعد نحتك بالطبيعة التى كانت كالمرهم البارد، يُسكّن حُروق الحياة وخيباتها وانكساراتها. لم نعد نُحب حقّاً، والحب هو أكبر مصدر للطاقة لأنه يحوى كل الأشياء النقيّة. تخلينا عن قراءة الكتب القيّمة واكتفينا بتصفح الأخبار السريعة وقراءة المقالات، فتبلّدت عقول البشر، وصار السطحى عميقاً، والسخيف مقبولاً فقط لأنه عصْرى، وهذا أحد أشكال البلادة. كنتُ كلما عدتُ من يوم طويل ملىء بالأعمال، أتمنى فى نفسى أن أتفرغ للكتابة، ولكننى اكتشفتُ أننى لا أستطيع أن أكتب فى أيام الإجازات؛ فالحركة تولد طاقة، والطاقة تبعث الثقة فى النفس، والثقة هى أحد أسرار الحياة التى تجعل الإنسان أكثر إنتاجاً. ولكى يتجنب أحدنا اليأس والإحباط فى حياته فإنه فى حاجة إلى أن يبحث عن مصادر الطاقة الإنسانية، يحتاج أن يبتعد عن ضجيج الشوارع، وأضواء الأسواق، وصخب الأموال، وزحمة الأحلام، ليختلى بنفسه قليلاً ويتأمل، علّه يجدها أو يعيد إيجادها من جديد. قال أحد الحكماء: «يكفى بالمرء تعباً أن يكون إنساناً». الطاقة هى الجرأة على القفز فى داخل فوهة النفس، هى شجاعة إفراغ الذاكرة، وكَنْس الأحلام التى لم نفعل شيئاً لتحقيقها. هى النور المتوهّج فى آخر النّفق الذى نسميه «حياة». هى الجانب الآخر للإنسان، المنير دائماً، المنسى غالباً، يتراءى لنا فى الناجحين، لكننا نغوص فى أمعاء النفق حتى تهضمنا ظروفه، وتعتصرنا ظلمته، دون أن نحمل معنا قَبَساً. إن متسلق الجبال يدرك أن الإنسان لا يحتاج إلى طاقة ليصعد الجبل، ولكنه يحتاج إلى الجبل ليمنحه طاقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.