كشف تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية، تحت عنوان "وحشية بلا عقاب أو رادع.. الجيش المصري يقتل المحتجين ويعذبهم دون محاسبة"، كثير من انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت خلال عهد المجلس العسكري بحق المدنيين طوال الفترة الانتقالية التي سبقت تولي أول رئيس جمهورية منتخب مسؤولية إدارة شؤون البلاد،. وركز التقرير على ثلاثة أحداث، استخدم فيها الجيش القوة في تفريق المتظاهرين، وهي أحداث ماسبيرو، أحداث مجلس الوزراء، اعتصام العباسية، التي راح ضحيتها 57 شخصاً وحوكم على أثرها ما يقرب من 12ألف مدني بالمحاكم العسكرية، إضافة إلى مئات المصابين جراء الأحداث. كما تطرق التقرير إلى العنف الجنسي ضد الناشطات السياسيات والتعذيب وغيره من أشكال المعاملة القاسية للمدنيين في المعتقلات والسجون العسكرية، موثقاً تلك الأحداث بشهادات المجني عليهم من المصابين والمعتقلين، وكذلك أسر الشهداء و الضحايا، ومن خلال أشرطة الفيديو التي توضح مدى إفراط الجيش في استخدام القوة غير المبررة أثناء تفريق المظاهرات. تحت عنوان "مظاهرة ماسبيرو: الاعتداء على الأقباط"، تناول تقرير العفو الدولية الأحداث التي وقعت في 9 أكتوبر2011 قرب مبنى ماسبيرو، والتي راح ضحيتها 27 قتيلاً من الأقباط، وشخص واحد مسلم، إضافة إلى مئات الجرحى. وتضمن التقرير شهادة هاني الجزيري، رئيس حركة "أقباط من أجل مصر"، الذي تحدث عن تفريق الشرطة العسكرية لاعتصامهم باستخدام الهراوات، وإطلاق النار، والقنابل المسيلة للدموع، كما نقلت عن شهود عيان قولهم عن استخدام العربات المدرعة والدبابات في دهس المتظاهرين. ومن الشهادات التي عرضها تقرير "العفو الدولية" عن الأحداث، أقوال ماري دانيال شقيقة الشهيد مينا دانيال عضو حركة "شباب العدالة والحرية"، وتأكيدها أن رصاصة أصابت كتف أخيها، وخرجت من أسفل ظهره خلال مظاهرة ماسبيرو، ورغم أنه من ضحايا الأحداث، وجهت إليه النيابة العسكرية تهمة التحريض على العنف، ولم يوجه الاتهام في تلك الأحداث سوى لثلاث جنود بالجيش، وكانت التهمة الموجهة هي"القتل الخطأ". وقد أرفقت " العفو الدولية" في الفصل الخاص عن أحداث "ماسبيرو" في التقرير، نص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي أقرته الأممالمتحدة، وهو يتعين على الدول أن تحترم الحق في حرية التجمع"، ذلك الميثاق الموقعة عليه مصر. "قمع الاعتصام أمام مجلس الوزراء"، وصفها التقرير بأنها أيام العنف الخمسة، التي بدأت في 16ديسمبر2011، والتي راح ضحيتها17 قتيلاً، وأصيب ما يقرب من 928 شخصاً، وقد شارك في الهجوم على المتظاهرين بمحيط مجلس الوزراء، قوات المظلات ووحدات من الصاعقة، بعد أن أعلن نشطاء سياسيين عن الاعتصام، اعتراضاً على إسناد تشكيل الحكومة لرئيس الوزراء كمال الجنزوري. وقد أثبت تقرير منظمة العفو الدولية، أن جميع الحالات التي تم الاعتداء عليها في أحداث مجلس الوزراء، والضحايا التي وقعت نتيجة الإصابة بالخرطوش والرصاص الحي، لم يشكلوا تهديداً لأي جندي من جنود الجيش، ولم يروعوا الأمن، ويهددوا حياة المواطنين، حتى يتم استخدام الرصاص الحي ضدهم، حيث أن أعداد القتلى في اليوم الأول 10 أشخاص، كما قتل 7 آخرون بالذخيرة الحية أثناء مداهمة المتظاهرين الذين بقوا في الميدان وقتها. "تفريق اعتصام العباسية عن طريق العنف"، الذي حدث في نهاية إبريل 2012، وقبل ثلاثة أسابيع من جولة إعادة الانتخابات، وصفه التقرير بأنه رسالة واضحة من المجلس العسكري للمحتجين، مفادها أنه لن يسمح لهم بتحريف خططه للانتخابات عن مسارها، وبأن الجيش لايزال فوق القانون، إذ قتل ما لا يقل عن تسعة رجال كانوا يشاركون في الاعتصام على أيدي رجال يرتدون ملابس مدنية، بينما تعرض المئات من المعتصمين، بمن فيهم عدة نساء، للضرب المبرح في السجن الحربي، وأحيلوا إلى النيابة العسكرية. وروى محمد الساكت، أحد المعتصمين لمنظمة العفو الدولية ما حدث قائلاً " كنا حوالي 200-300 شخص لا أكثر، كل ما كان معنا كان طوب، ذهبنا للاحتجاج وليس للقتال، كانت الساعة 3.30 ص، كان ذلك عندما فوجئنا برجال بملابس مدنية يهاجموننا بالأسلحة النارية، ويطلقوا علينا الرصاص الحي". وقد خصص تقرير منظمة العفو الدولية، فصلاً كاملاً بعنوان "العنف الجنسي وأشكال العنف الأخرى ضد الناشطات على أساس نوعهن الاجتماعي"، ذكر خلاله أنه في 9مارس اقتاد الجنود 18 امرأة إلى الحجز العسكري، عقب إفراغ ميدان التحرير من المعتصمين، وعقب يوم واحد من احتفالات "اليوم العالمي للمرأة"، مشيرة إلى أن القوات احتجزت 17 منهم لأربعة أيام، وأن الجنود قاموا بتفتيشهن عاريات، وصعقوهن بالصدمات الكهربائية، وأجبروا النساء على "كشف العذرية"، وتم تهديدهم بأن توجه إليهن تهمة تجارة الجنس. وأوضحت أن العنف المتعمد ضد المحتجات من النساء على أيدي قوات الأمن ملمحًا شائعَا من ملامح المظاهرات التي نظمت تحت حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وأن هذا العنف يقصد به، ترهيب النساء حتى يبقين في بيوتهن ويبتعدن عن المشاركة في الاحتجاجات، لافتة إلى أنه هدف لم يتحقق، وأن السبب في ذلك أن قلة من النساء جهرن بما تعرضن لهن، أما الغالبية فقد خشين من أعمال الدولة الانتقامية، أو الإدانة والنبذ من عائلتهن، ولذلك أضحت ظاهرة العنف لم تشهر إلى حد كبير. وأظهرت المنظمة أن الطبيعة المخفية للانتهاكات تغيرت في نهاية 2011، عندما ظهرت أمام عدسات العالم مشاهد التقطت في 17 ديسمبر أثناء عمليات القمع لمظاهرة مقر مجلس الوزراء، إذ أظهرت الأشرطة امرأة من المتظاهرين تتعرض للضرب وتشحط على الأرض، على أيدي الجنود، الذين قاموا بتمزيق عباءتها، ما أدي إلى كشف ملابسها الداخلية، ولفتت المنظمة إلى أن تلك المرأة لم تتحدث عن واقعة الاعتداء عليها، بينما تحدث ثلاثة أخرين ممن شاهدوا الحادثة وأبلغوا المنظمة بما حدث؛ حيث يقول حسن شاهين صحفي عمره 20 سنة، إنه كان يقف بجانبها وغابت تلك المرأة عن الوعي عندما شاهدت الجنود يهجمون على ميدان التحرير، وأنه حاول أن يحملها بعيدًا عن مكان الاشتباك، لكنهما سقطا على الأرض وانهال الجنود عليه بالضرب وقاموا بشحط المرأة على نحو أدى إلى تمزيق ملابسها وإصابتها بجرح في جبينها، فيما قام المتظاهرون بإلقاء الحجاة على الجنود للابتعاد عنها، ثم تخليصها من بين أيديهم، وفي تلك اللحظات حاولت إحدى المتظاهرات تدعى عزة هلال 49 سنة والمعروفة إعلاميًا "المرأة ذات الرداء الأحمر"، وتبعها إيهاب أشعيا، بينما لم يعط الجنود الفرصة في سحب تلك الفتاة وهجموا عليهما وانهالوا عليهم ضربًا حتى تم نقلهم إلى المستشفي لتلقى الاسعافات اللازمة، وقال أشعيا أنه أصيب بطلق ناري فوق الركبة. وعلى صعيد الإعلام ودوره في إثارة القضية، قالت غادة كمال 28 سنة صيدلانية، في شهادتها على التليفزيون المصري بشأن ما تعرضت له من تحرش جنسي في الحجز، وقالت" كانوا يتحرشون بي بأيديهم وكانوا يقصدون ضرب النساء في مناطق حساسة في الجسم، لقد ضربوني على صدري وعلى الأجزاء الأمامية والخلفية الحساسة في جسمي، ولمح الضابط لي على أنهم سيعتدون علي جنسيًا"، وأصيبت كمال بجروح في وجهها ورأسها وظهرها نتيجة الاعتداء عليها. وأضافت منظمة العفو أنه تم القبض على مالا يقل عن 11 امرأة أخرى من المتظاهرات في 17 ديسمبر، ولكنها أوضحت عدم تمكنها من مقابلة سوى هدير فاروق عضو في حزب" التحالف الشعبي الاشتراكي" وأم لثلاثة أطفال، التي صرحت للمنظمة أنها تعرضت للضرب أثناء اقتيادها في ممر بمبني البرلمان الذي يعج بالمتظاهرات، وأنها غابت عن الوعي، ونقلت إلى مستشفى كوبري القبة العسكري مع معتقلين آخرين. فيما قالت بسمة زهران محامية وعضو في "مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي لضحايا العنف والتعذيب" أنها تحدثت إلى ست نساء أخريات كن في مكتب النيابة العامة، أوضحن لها أنهم تعرضن للضرب والاعتداء الجنسي من قبل الجنود الذين راحوا يتحسسوا على مواضع حساسة على أجسادهم، موضحة حالة المعاناة التي لقاها الفتيات اللائي تم احتجازهن من قبل الجنود. وخرجت المنظمة في نهاية تقريرها بالعديد من التوصيات، وجهتها لرئيس الجمهورية، الدكتور محمد مرسي، كبداية خطوة ضرورية للإصلاح في مضمار حقوق الإنسان، ولتحدي ظاهرة الإفلات من العقاب. وعرضت تلك التوصيات في نهاية تقريرها ومنها، ضمان إجراء تحقيقات سريعة ومستقلة في جميع انتهاكات المجلس العسكري لحقوق الإنسان، وإطلاع الضحايا، وعائلات من قتلوا عليها، ضمان تقديم جميع المسئولين جنائياً عن تلك الأحداث للمحاكمة، كفالة عدم العبث بأية أدلة عن انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الأدلة على القتل غير المشروع، ضمان حماية أي شخص يقدم معلومات في انتهاكات الجيش من أي عمل انتقامي، تقديم التعويض وغيره من أشكال المعاونة المتناسبة مع جسامة الانتهاكات. كما تضامنت "العفو الدولية" مع جميع المعتقلين السياسيين، وطالبت بالإفراج الفوري عن أي شخص مسجون لممارسته السلمية لحقه في حرية التعبير والتجمع، وضمان عدم تمتع "قطاع الأمن الوطني" بسلطات القبض على الأشخاص، وإلغاء جميع المحاكمات العسكرية للمدنيين. وأوصت المنظمة المعنية بشؤون حقوق الإنسان في العالم، بوقف جميع عمليات توريد الغاز المسيل للدموع، والأسلحة الصغيرة، والخرطوش، إلى حين إقرار ضمانات كافية من السلطات المصرية لمنع ارتكاب قوات الأمن المزيد من الانتهاكات للقانون الدولي لحقوق الإنسان.