لا يزال الرماد يغطى أرضية المبنى الشرطى المهجور منذ أن تعرض للهجوم أغسطس قبل الماضى كرد من قبل مجموعة من المتشددين المسلحين على فض اعتصامى رابعة والنهضة المناهضين ل«30 يونيو». «كرداسة» التى نالت شهرة كمزار سياحى لبيع الملابس مصرية الطراز وكمخبأ لمجموعات مسلحة من ذوى التوجه الإسلامى المتهمين بالهجوم المسلح على مركز شرطة كرداسة وقتل 13 فرد أمن من بينهم مأمور المركز. وبعد إجبار الشرطة على الانسحاب من المركز يوم الهجوم لم تدخل قوات الشرطة والجيش كرداسة إلا فى 19 سبتمبر 2013، أى بعد أكثر من شهر من واقعة الهجوم المسلح. اقتحام كرداسة من عام والذى أسفر عن مقتل اللواء نبيل فراج، مساعد مدير أمن الجيزة، والقبض على نحو 188 من المتهمين فى أحداث الهجوم على مركز الشرطة. لم تختف آثاره تماماً بحسب ما يلمح إليه عدد من أهالى المركز الواقع بالقرب من صحراء الأهرامات. آثار الحريق باقية على جدران مركز الشرطة المهجور من الخارج، وتهدمت أجزاء كثيرة من السور المحيط بالمبنى الشرطى، وانتشرت على الجدران عبارات مسيئة لرئيس الجمهورية الحالى عبدالفتاح السيسى، وللقضاء المصرى وعبارات أخرى تحتفى بالرئيس الأسبق محمد مرسى. من بين القطاعات المتضررة فى كرداسة، قطاع السياحة الذى يمثله بائعو الملابس فى «السوق السياحية» بكرداسة. مصطفى الشيخ (36 سنة) من بين المتضررين ويرى أن «اقتصاد البلد تعبان، وده مالوش علاقة خالص بالاقتحام، وحصل فى مصر زى ما حصل فى كرداسة كتير، بس المشكلة إن الحياة بدأت ترجع فى المناطق التانية، ولسة الرجل والبيع والشرا مش عايزين يرجعوا فى كرداسة زى الأول». ويتابع «الشيخ» إن «الأخبار اللى اتنقلت عننا مسوأتش سمعتنا والدليل إننا لسة عندنا زباين بيشتروا مننا البضاعة (الملابس) مصريين وغير مصريين». وتتخصص محلات السوق السياحية فى كرداسة فى بيع «كل أنواع الملابس المصرية اللى ممكن تتباع فى السوق المحلية أو للعرب أو لغير العرب». يقول «أحمد» أحد مواطنى كرداسة ويعمل سائقاً، إن العام الماضى شهد اهتماماً من قبل الحكومة بكرداسة حيث «وفروا مركزاً لخدمة المواطنين، اتعمل خلال السنة اللى فاتت علشان يستخرجوا الأوراق الرسمية بدون ما حد من أهالى كرداسة يحتاج يخرج برة لا لسجل مدنى الهرم بقى ولا لأى مكان». كما شهد مركز شباب كرداسة على ما يصفه «أحمد» «توسيع جامد وتطوير واتفتح للشباب خلال السنة اللى فاتت». ورغم ما تشهده الأوضاع الخدمية فى كرداسة من تحسين، على حد وصف بعض الأهالى، فإن حالة الكساد الاقتصادى التى يعانى منها بعض الباعة فى كرداسة تدفعهم للانشغال بها أكثر، فيقول مصطفى الشيخ «كل اللى حصل فى السنة اللى فات بالنسبة لى سلبى.. أكتر من عيشتها مابقيناش عايزينها لو هتفضل كده.. إحنا عاوزين نسيب كرداسة بسبب الأوضاع الاقتصادية.. أصل دى لقمة العيش» ويلفت «الشيخ» إلى تعدد مسئولياته حيث ينفق على أسرة مكونة من 7 أفراد «أنا و7 أولاد وأمهم». فضلاً عن «15 عاملاً كانوا شغالين معايا فى ورشة خياطة بتنتج لى الملابس اللى ببيعها، و2 كمان اشتغلوا معايا فى بيع الملابس فى المعرض.. قلت لهم للأسف مش هقدر أوفّى بالالتزامات معاكم». تنتشر بائعات الخضراوات والفاكهة فى أطراف كرداسة، لا سيما فى موقف الميكروباصات أمام مركز الشرطة المحترق، وترفع البائعات أسعاراً أغلى مما سبق «العيشة بقت نار.. ولولا إن الواحد ربنا بيبعت له اللى يا دوب يعيّشه هو وعياله كنا متنا من الجوع» يقول «فاروق. م» المقيم بالناحية القبلية من كرداسة. والذى يضيف «أنا شغال على باب الله.. يوم بلاقى مصلحة أطلع منها بمصروف البيت وعشر أيام لأ.. وساعات لما الزباين بتعرف إنى من كرداسة بيقلقوا منى وبيرفضوا إنى أشتغل لهم المصلحة اللى هما عايزينها». صورة كرداسة التى ساءت خلال الأحداث الأخيرة فى غضون عام حاول مجموعة من شباب النشطاء تحويلها إلى النقيض من خلال الكتابة على الجدران عبارات من قبيل «كرداسة مش إرهابية، كرداسة سياحية».. وحظيت جدران البنايات المطلة على الطريق السريع بأعداد أكبر من الكتابة على الحوائط للعبارات ذاتها. ويقول «هشام.م» أحد سكان كرداسة، إن «البياعين كانوا بيبيعوا بأسعار جيدة وبيكسبوا بشكل ممتاز لحد ما حصلت كل أحداث السنين اللى فاتت فى مصر وخصوصاً فى كرداسة.. يعنى بعد ما كنا بنرفض نبيع للأفارقة لأنهم بيشتروا بأسعار قليلة، وللتجار النص نص اللى عاوزين يخسفوا بالبضاعة بتاعتنا الأرض وياخدوا منتجات رديئة.. دلوقتى مابقاش قدامنا إلا هما.. ومضطرين نبيع بضاعتنا بالخسارة علشان ناكل ونؤكّل عيالنا»، وتخرج تظاهرات بين الآن والآخر «يعنى فعلا بتحصل مظاهرات لكن مش زى الأول، 20 أو 30 واحد يلفوا فى كام شارع فى البلد ومعاهم مصور منهم يصور بكاميرا صغيرة ويبعت الصور لقناة الجزيرة فوراً ويختفوا بعدها». وبحسب ما يرويه هشام فإن وجود الأمن بشكل لافت عما سبق فى كرداسة هو السبب وراء تراجع تكرار الأعمال الإرهابية بين الحين والآخر فى كرداسة أو ضد نقاط الشرطة والجيش القريبة منها.