أبى كانت له أسبابه فى اختياره اسمى واسم شقيقتى!!.. أدرك بعد سنوات ونحن صغار أنه يتحتم عليه تغيير أسمائنا لأنها لا تحمل هويتنا.. فقرر أن يغير أسماءنا لأسماء مصرية ليس تعصباً وإنما اعتزازاً بالهوية، ولكن أدركه الموت قبل أن يتحقق ما أراد!! فبقى الأمر على حاله واحتفظنا بالأسماء بل غصنا وغرقنا فى هويتنا المصرية المسلمة العميقة الجذور الصعيدية.. ولا أنكر أن هذه القضية العائلية التى أثارها أبى آنذاك ظلت راسخة كخلفية صلبة لأهمية ومعنى وقوة الاسم الذى يحمله الإنسان منذ مولده ويحمله أى اسم آخر يراد التعريف به!! ولا ينتبه الكثير منا إلى هذه الرسالة القوية التى يلعبها «الاسم» والذى يستمد منه الإنسان موقعه النفسى وتأثيره على الآخرين، بل وأحياناً الرسالة التى يريد أن يبلغها لهم!!.. وقد كانت للثقافة العربية إبان الجاهلية دور واضح فى ذلك فكانت تختار للأبناء من الذكور أسماء يرتبط معناها بالقوة والشجاعة والنصر تتسق مع المهام التى سوف يشرعون الخوض فيها، ولم يسلم الأمر للإناث كذلك، فكثير من الأسماء كانت ترمز للجمال والحلم والشرف من أجل الزهو بهن وتزويجهن مبكراً. من جهة أخرى تذكرنى التراجيديا الدرامية «روميو وجوليت» للكاتب المسرحى العملاق وليام شكسبير بهذا المعنى الذى يعظم من قوة الاسم، وذلك من خلال هذا المشهد الدرامى الذى أفصح فيه روميو عن رغبته فى تغيير اسمه وتجديد تعميده ليحمل اسماً جديداً يخلصه من اسم عائلته العقبة الأساسية المانعة لارتباطه بحبيبته جولييت.. كذلك لن ينسى عشاق الأدب العالمى الألم النفسى الذى أصاب بطل رواية «البؤساء».. لفيكتور هوجو عندما خرج من السجن بعد قضاء فترة عقوبته ومع ذلك استمر المفتش البوليسى فى ملاحقته منادياً إياه «برقم 24601» وهو الاسم الذى أطلق عليه بدلاً من اسمه الحقيقى فى أثناء فترة وجوده بالسجن بغرض تحقير إنسانيته!! لذا فنحن أمام حكايات وأساطير وتحليلات سيكولوجية لأهمية «الاسم» ودوره فى حياة البشر وكل ما يمسها من أعمال وأفعال قضية لن تنتهى ولن ينتهى الإبداع والذكاء فى الوقوع على أسماء مميزة جاذبة للعلامات التجارية والمؤسسات العملاقة من أجل شد انتباه المستهلك.. وكذلك لن ينتهى التوجس والحذر المصاحب لأسماء الجماعات الإرهابية المسلحة والتى تعرف أن تختار بعناية أسماء تستر خلفها أغراضها الوضيعة..! إنها أسماء إذا تأملناها تبعث فى النفوس الرهبة من شىء ما.. إنها علامة وإشارة أولى لمن يحاول أن يقترب أو يعترض!!.. أسماء لا تأتى من فراغ ولا تنبع عشوائياً فى أثناء جلسات سمر العسل والدماء وإنما هى اختيارات مبنية على علم ودراسة لكثير من أعضائها الذين يتبحرون إن لم يكن يدرسون المؤثرات السيكولوجية على سلوك البشر وردود أفعالهم عند التعرف على هذه الأسماء وهو ما يمدهم بعد ذلك بمزيد من القوة والترهيب.. تشجيعاً لأنفسهم.. وإرهاباً للآخرين!! لذا نجد جماعات اختارت أسماء لها ك«حزب الله».. وكأنه حزب ينشق من بين مجموعة شرعية من أحزاب الله!! «وحماس» وهو الاسم المختصر لحركة المقاومة الإسلامية وكأن هذه المقاومة هى جزء من النهضة الإسلامية!! ومن ثم يزرع الخوف والقلق فى قلوب المسلمين!! ثم نرى اسم «داعش» والذى يحمل غموض معناها الكثير من الرعب خاصة بعدما التصقت أعمالها بكل هذا الإجرام والوحشية.. ثم «بوكو حرام» هذه الجماعة النيجيرية السلفية التى تجاهد ضد التعليم الغربى.. لأنه حرام!!.. «الحرام» مرة أخرى المعنى الذى يرتعش منه البشر!! و«القاعدة» هذا التنظيم الإرهابى الذى يدعو إلى الجهاد الدولى لنصرة الإسلام من التحالف اليهودى المسيحى الذى يسعى لتدمير الإسلام!! تأمل الاسم قليلاً.. القاعدة وكأنه أرسخ «قواعد» الإسلام ويا ويل لمن يخالف! ومن الإرهاب إلى الفكر الأدبى للأطفال.. أتذكر فى ذلك أيضاً شخصية «فولدمور» الشريرة فى سلسلة كتب «هارى بوتر» الشهيرة ذات النسيج المبدع من الخيال العلمى حيث أرادت المؤلفة J.K Rowling تصوير الحجم الهائل من الرعب والخوف الذى ينتاب الجميع من هذه الشخصية الشريرة، وذلك بالامتناع أو التجنب حتى من ذكر اسمه!! أترون كيف تم تعظيم قوة الاسم!! وكيف زاد ذلك من عنف ونفوذ هذه الشخصية كما تروى الكاتبة. وهكذا هى «لعبة الاسم» المتنوعة الأغراض.. العميقة والقوية التأثير والتى يستخف البعض بحجمها.. وهكذا أيضاً هى «لعبة الاسم» الجاذبة للقارئ والكاتب معاً، عندما يحاول استخدام اسم حركى غير اسمه الحقيقى من أجل دغدغة حواس القارئ وترك مساحة من الغموض اللذيذ والفضول الخلاق للبحث عن حقيقة اسم الكاتب.. ولكن تبقى فى النهاية أسماء الله الحسنى المتعددة الوجوه.. الكاشفة لعظمته وقدرته الإلهية الجبارة والرحيمة قبل كل شىء بعباده عندما يتضرعون إليه ويذكرون اسماً واحداً من أسمائه الجليلة..