فى الأسبوع الماضى كتبت فى هذه الزاوية عن ورطة الرقيب، وبثقة شديدة وتفاؤل أشد، كتبت أن ليس بإمكان أحد منعى من كتابة ما أريد كتابته، أو قول ما أريد قوله، وأشرت إلى أن منع مقال سابق لى عن (أخونة الصحافة) كان استثناء يؤكد قاعدة، أن لا منع ولا مصادرة، وأن الحرية انتزعناها انتزاعاً، وأن حاجز الخوف انتهى إلى الأبد.. لكن يبدو أن الصورة ليست بهذه البساطة، ولا هذه الوردية، حيث مسلسل الاعتداء على عمودى اليومى (نهار) بجريدة الأخبار.. ولأن الرقابة ليست شأناً داخلياً، ولأن الحرية قضية عامة، وهى آخر ما تبقى لنا، وكل ما نمتلكه، ولأن الصمت جريمة، والسكوت دعوة للتدجين.. السكوت عن التدخل والحذف والمنع، القبول بحذف كلمة، ثم القبول بحذف عبارة، ثم القبول بحذف مقال بأكمله، ولأن الصمت هو الرضا بالمقسوم، بمنهج السمع والطاعة، بينما لا سمع ولا طاعة فى الرأى وحرية التعبير عنه. قبل أيام حذف الرقيب عبارتين من مقالى حول إزالة (جرافيتى) شارع محمد محمود، رغم أن العبارات هى نفسها الشعارات المكتوبة على جدران الشارع أمام المارة فى قلب القاهرة، لم يتأثر المقال بالحذف، ولم ينتقص المعنى فلم أعبأ هذه المرة، وصمت.. أول أمس تقدم الرقيب خطوة (لم يعد الحذف مجرد إخفاء عبارة، ولكن تعديل معنى، وتغيير دلالة).. تناول المقال وهم (مشروع النهضة) من خلال تصريح اللواء أحمد عابدين وزير التنمية المحلية، الذى أكد رسمياً، أنه لا يوجد مشروع للنهضة، وأن الحكومة تعمل وفقاً للخطة الموضوعة فى السنوات الأخيرة لمبارك (يعنى العمل وفقاً لخطة مبارك، هو رأى الحكومة وتصريحها) وكتبت أن التعليق الأكثر انتشاراً على الفيس بوك بعد التصريح الحكومى هو (مرسى ومبارك يد واحدة).. تدخل الرقيب هذه المرة بعنف، حذف التعليق (مرسى ومبارك يد واحدة)، كما قام بحذف اسم (مبارك) من تصريح الوزير (المنشور فى كل الصحف) مكتفياً بالإشارة إلى (العمل وفق خطة السنوات الأخيرة)!! وقام أيضاً بحذف تأكيدى، أن هذا التصريح صادر من الحكومة.. باختصار تحول المقال إلى مجرد خبر قديم ومهلهل.. ولعل المنع المتكرر الذى ينكر وزير الإعلام ممارسته فى الصحافة المصرية، مشيراً فى أكثر من لقاء معه، إلى اسمى كحالة استثنائية بالصحافة المصرية تم منع مقال لها، ويحلو له أن يحدد سبب المنع (كتبت أن الصحفيين يلبسون طرح.. !!) قال ذلك وكرره فى أكثر من لقاء، وفى كل مرة أستمع إليه أقول: اقرأ يا سيادة وزير الإعلام، فقد فاته أن يقرأ قبل أن يصرح، فالمقال الممنوع، (نشر فور منعه فى جريدة «التحرير»، وفى جريدة «البديل»، وفى أكثر من موقع إلكترونى) للأسف لا توجد به مثل هذه العبارة عن (طرح الصحفيين) وهى عبارة لم أكتبها أصلاً!! هكذا يبتكر وزير الإعلام فى مهمة الرقيب، لا يكفيه الحذف، فيضيف ويختلق.. الرقابة ليست شأناً داخلياً، والحرية التى انتزعناها انتزاعاً، لن نسمح بتدجينها. عبلة الروينى [email protected]